Culture Magazine Thursday  25/06/2009 G Issue 289
تشكيل
الخميس 2 ,رجب 1430   العدد  289
من الحقيبة التشكيلية
النحات سمير رحمة:
الجسد الإنساني عنصر لا يستنفد

 

إعداد - محمد المنيف / حاوره - عمر الأسعد:

النحت لغة تعبير عالمية نشأت مع نشأة الإنسان وتعددت أساليبه و أغراضه إلى أن أصبح إبداعا تشكيليا يدرس في الأكاديمات وأقسام الفنون في الجامعات، تنافس فيه التشكيليون وكشفوا من خلاله أعماق الإنسان وأظهروا بالرموز والإيحاءات أغوار النفس وجعلوا من الكتلة معنى ومصدر إلهام ، يسعدنا في هذا الأسبوع أن نقدم عبر حوار جميل انتقى أسئلته الزميل (عمر الأسعد) في سوريا فجاد الانتقاء كما جاد الحوار مع النحات العربي المنشأ، العالمي القدرة والحضور الفنان سمير رحمة لنبحر معكم ومعه في هذه الإطلالة عبرحقيبتنا التشكيلية على تجربته ولنتعرف على أسلوبه وكيف يتعامل مع الخامة والكتلة والفراغ وكيف يروض الحجر والخشب بأزميله وبفكره وبأبعاده الإبداعية والإنسانية.

لحظة بدأ كانت مجسماته مرتبطة بقواعدها، واليوم يحاول السمو بها نحو السماء، يمتشقها إلى الأعلى لتطوف في فراغ آخر، فيوصل من خلالها هواجسه.

يعمل سمير رحمة على صياغة أفكاره من خلال ما ينحت، وينتقل بين مواده من الخشب والبرونز وصولاً إلى الحجر والصلصال... كلها مواد استعملها في منحوتاته التي يراها تعبر عن ردة فعله أحياناً وأحياناً تعويضاً عن أشياء وحالات يفتقدها، لكنها تبقى دائماً منحوتات سمير رحمة ومن النحت يبدأ معه الكلام:

لماذا النحت لا غيره؟

الكتلة هي ما شدني إلى النحت، لأنها حوار صريح مع شيء ثلاثي الأبعاد، وأعتقد أن هناك تواصلا تفاعليا مع الكتلة من خلال اللمس، تلمُّس الكتلة التي تعيش حالةً هلامية في ذهنك عندما تصبح مادة خالصة هو أحد أهم الأسباب التي دفعتني للنحت. دخلت كلية الفنون الجميلة واستهواني هذا التخصص ولا أنكر أن بذوره كانت موجودة عندي منذ الصغر إذ كنت أصوغ بعض الأعمال النحتية التي أحتفظ بها حتى الآن.

كيف ترى علاقة الفنان بالكتلة؟

- ربما تكون الكتلة موجودة في كثير من المهن والأعمال بالذات الحرفية منها، لكن لو ذهبنا لنعرّف النحت لقلنا: إنه كتلة في الفراغ، والنحات يدرس هذه الكتلة وعلاقتها بالفراغ ليس الخارجي فقط إنما الفراغ الداخلي أيضاً. هنا تختلف دراسة الكتلة باختلاف المهن ووظيفة الكتلة ضمن المهنة، فالمهندس يدرس الكتلة التي يحتاج إلى توظيفها في عمله، بالمقابل يدرس النحات الكتلة وعلاقتها بالفراغ الذي سيوظف كتلته فيه.

جسد...ورؤية

أي العناصر تستقطبك أكثر للعمل عليها؟

- بالتأكيد في المقدمة يستقطبني الإنسان، سواء المرأة أو الرجل، لأن للإنسان رمزيته في هذا الوجود. أما العنصر الثاني فهو العمارة العربية وأحاول في أعمالي أن أربط العنصر الإنساني بالعمارة في عملية بحث عن الهوية المحلية، ويظهر هذا جلياً في مجموعة أعمالي الأخيرة الخزفية والفخارية.

حاكى فن النحت جسد الإنسان، متى يستنفد هذا العنصر برأيك؟

- لو تناولنا الجسد من ناحية مادية لكان استنفد منذ البدايات واستهلك أيضاً، لكن من وجهة نظرٍ فنية أرى العملية من خلال ثلاثة محاور فكرية وذهنية وذاتية، فكل فنان يطبع الإنسان الذي يجسده في عمله بطابعه الخاص. أنا مثلاً أرى في الجسد الإنساني عمارة، أراه كتلة معمارية قائمة بحد ذاتها مازالت تحتمل العمل عليها، وتتعدد الرؤى فيها باختلاف الفنانين والمدارس والمواد التي يعملون من خلالها على تجسيد أفكارهم، فالعنصر الإنساني حسب اعتقادي لا يستنفد ولا ينتهي طالما هناك فنان يسعى للبحث عن جديد.

ما الذي يدفعك إلى تجسيد العمارة في أعمالك؟

- أعتقد أن العمارة تعبر عن ارتباط الإنسان بالمكان، وهي جزء من موروثنا وتراثنا كعرب. نحن اليوم نفتقد العمارة الشرقية العربية وأرى توجهي نحوها كردة فعل لأستعيض عما فقدته من خلال النحت.

كيف تنتقي الخامة لإنجاز العمل الفني؟

- الخامة الطبيعية هي ما يشدني، بالذات الصلصال كمادة حيوية وطبيعية تنقل الرؤية بشكل مباشر ما يجعلني أتجه إليها خاصةً في المرحلة الأخيرة، الصلصال يحفظ الطاقة التي تسكب فيه وهذا غير متوفر لدى غيره من المواد، بعد الصلصال أعتقد أن الحجر الطبيعي هو من المواد التي تشدني للعمل عليهاكمادة خامة صلبة أتحاور معها وتحتاج لظروف خاصة حين إنجازها.

قصد الامتشاق

ما المراد الإبداعي من الامتشاق نحو الأعلى في أعمالك؟

- الهدف الضمني هو الارتفاع والسمو بالإنسان كقيمة فالخطوط الشاقولية تعبر عن ارتفاع الإنسان كما أراها، وهذا ما ينقص المجتمع لذا أعبر عنه من خلال النحت، أعتقد أن الإنسان بحاجة للرقي الروحي والخروج من المحيط المادي ليرتبط بالهواء والفراغ والسماء.

ما السبب وراء تبسيط أعمالك الخشبية؟

- طبيعة المادة تحكم أحياناً باختلاف التعامل معها فالمواد الصلبة تتيح التركيز على الفراغ وهذا يعطي رشاقة وعملا فراغيا؛ كل مادة لها احترامها الذي أتعامل من خلاله مع العمل الفني المراد إنجازه.

مدارس...لتحسس الهوية

بعد مراحل تجربتك كيف تنظر إلى منجزك الفني اليوم؟

- أعيش عملية بحث دائمة وأسعى للربط بين المنحوتة والبيئة وتطور البحث يجعلني أستشرف المرحلة المقبلة من عملي، فأرى أعمالاً تسعى للارتفاع أكثر عن القاعدة وتغدو أكثر امتشاقاً نحو الأعلى. ممكن أن تصبح الكتلة هائمة بالفراغ أكثر وارتباطها بالقاعدة ضئيل.

نجد أعمالك تتراوح بين التشخيص والسريالية؟

- أعتقد أنه تنوع زمني خاضع للمراحل، في البداية كان الارتباط بالواقع مباشر وقناعتي كانت في الانطلاق من الواقع وهذا تحور ليصبح تلخيصا وترميزا للشكل الإنساني المبسط بحيث يتقبله كل الأشخاص ويحمل العمل الطابع الإنساني.

ما دور المحرض الإبداعي في دفعك نحو العمل الفني؟

- أعتقد أن أحداً لا يعرف متى وكيف تأتي لحظة الإبداع، إنما تسبقها فترة حضانة وشحن ذهني وعاطفي حتى يصبح هناك جاهزية لإخراج المشاعر.

هل وصل النحت العربي إلى إبراز هويته؟

- الاحتكاك مع الغرب كان من جهة إيجابيا ومن جهة أخرى سلبيا، إذ فقدت الهوية المحلية في كثير من الأعمال التي تحوي تنوعا بين المذاهب الوافدة أصلاً من الغرب وبين الهوية المحلية، لكن لا يمكن الحديث عن نحت محلي صاف رغم وجود بعض من يستلهم الرموز المحلية فملامح العمل الغربي مازالت موجودة وبقوة.

بالنسبة للساحة التشكيلية في السعودية، كيف تراها؟

- أعرف أن الساحة السعودية فيها أسماء كثيرة ومهمة لكن المشكلة هي عدم التواصل وقلة الدعم الإعلامي الذي يكرس حضور الفنانين التشكيليين إلى ساحاتنا، بالإضافة إلى أن الحركة التشكيلية العربية عموماً تعيش أحياناً عزلة مناطقية، لكن لا يعني هذا أن الحركة التشكيلية في السعودية غير فاعلة، بل نحن من يحتاج للتواصل الأكبر فيما بيننا كفنانين وخاصة من خلال وسائل الإعلام والملتقيات والمعارض الفنية.

monif@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة