Culture Magazine Thursday  26/03/2009 G Issue 276
الملف
الخميس 29 ,ربيع الاول 1430   العدد  276
ثلاثون عاماً
د. عوض بن حمد القوزي

 

في مطلع هذا القرن الهجري لقيته في قسم اللغة العربية قادماً لتوّه من جامعة أم القرى، ويبدو أنه عاد من بعثته للتوِّ، لأني لاحظت أن لسانه لم يزل ربطاً بالرطانة الانجليزية، وكنت يومذاك ألملم أوراقي وأستعد لمغادرة المملكة لدراسة الدكتوراه في البلد الذي عاد المانع منه حاملاً هذه الشهادة التي كانت ولا تزال حلم كل طموح. وكان أول ما شدّ انتباهي أن هذا الدكتور قريب إليّ وإلى زملائي، فهو يحادثنا وكأنه طالب مثلنا، فدفعتني الجرأة إلى استشارته في أمور كثيرة حول البعثة والمعيشة في تلك الديار، وأحسست وأنا أستمع إليه أنه يمحضني النصيحة خالصة دون مقدمات، وأن الرجل لا يتكلف الإجابة ولا يتصنعها، وكانت إجاباته على قدر الأسئلة، لا يستطرد كما أنه لا يهمل سؤالاً دون ردمها بدا ذلك السؤال فجاً أو فطرياً. وعندما رجعت لقسمنا وجدته الأخ الحاني والزميل الناصح، والباحث المجيد، وبالرغم من ذلك لم يستطع أن ينزع من مخيلتي الثقة المفرطة في أساتذتنا الذين عرفناهم من بعض الأقطار العربية، وما أظنه حاول يوماً أن يُدل بعلمه أو يعرّض بأحد من زملائه، كان يقدم رأيه إن سئل، ولا يبخل بمعلومة ولو كلفه البحث عنها بعض الوقت الذي هو بحاجته. وكنت ومازلت شغوفاً بالاطلاع على المخططات العربية، واقتناء النادر من المطبوعات العربية والأجنبية، وهذا ما جعلني أبادر بزيارة مظانّها في البلاد التي أزورها، وأجعلها من أولويات زياراتي، وفي كل مكان أقصده، وأقدم نفسي على أني أحد منسوبي جامعة الملك سعود، أجد ذكر المانع وزيارته لذلك المكان تسبقني وقد سألني بعض القائمين عن الدكتور المانع، ويطرق مسمعي ثناؤهم عليه، وكأن كرمه ليس مع طلابه وزملائه فحسب، وإنما دماثة خلقه وسعت كل من لقيه وتعامل معه. الدكتور المانع حريص على تلقي المعلومة دقيق في تقليب وجودها، لا يقدم على رأي ما لم يكن قد استقام له ووضح سبيله، وإن شك في أمر ترك الباب مفتوحاً للاجتهاد عرفته داخل أسوار الجامعة، وما صحبته خارجها، ولست أشك أنه في وسط المجتمع سيظل يقلب ناظريه فيمن يختار ويصاحب، كما هي عادته في تقليب النظر في البحث والتدقيق.

قبل مدة قصيرة راودتني فكرة بحث يتصل برجال قسمنا، فكان الدكتور المانع أول المستجيبين، وخرجت من تلك المشورة بأن صاحبي عون لكل باحث، سباق لتقديم ما لديه، فإن لم يستطع أحالك إلى مليء. واستعان بي زميل من خارج الحدود في كتاب كان للمانع فيه يد، وعرضت عليه الأمر من قبيل أداء الأمانة، فما شعرت إلا وهو يحضر بالكتاب وعليه الإهداء.

ثلاثون عاماً لم يتغير خلق هذا الرجل في نظري، جاد في بحثه، أمين في نقل المعلومة، سخي ببذلها، دؤوب في استقصائها. متعه الله بالصحة والسلامة.


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة