Culture Magazine Thursday  28/05/2009 G Issue 285
منابر
الخميس 4 ,جمادى الآخر 1430   العدد  285
عبد الكريم الجهيمان وأدب الطفل
(رصد لبدايات التأليف في أدب الطفل)
محمد عبدالرزاق القشعمي

 

يشكل أدب الطفل ركناً مهماً في هرم الأدب عامة، والأدب الحديث خاصةً، إضافة إلى ارتباطه بعلم الاجتماع من جهة، وبالتربية والتعليم من جهة أخرى. وهنا في المملكة بدأ أدب الطفل في التشكل والظهور منذ سبعينات القرن الرابع عشر الهجري/ خمسينات القرن العشرين الميلادي.

كذلك يعد عبد الكريم الجهيمان (1330-... هـ) من أهم الأدباء الرواد الذين اهتموا بأدب الطفل في المملكة، بما قدمه من قصص للناشئة، وكتب تربوية للأطفال.

إرهاصات أدب الطفل في حياته ومصادره

نتناول في هذا البحث المؤثرات الأولية، سواء النفسية والاجتماعية، وهي المؤثرات التي أسهمت في اهتمامه بأدب الطفل.

أ- المؤثرات النفسية:

1- فقدان العطف الأسري:

ويتمثل ذلك في فقدانه عطف أبويه، نتيجة لافتراقهما في طفولته المبكرة، فكان يعيش أحياناً لدى والدته وأخواله، وتارة لدى أبيه، الذي تزوج بإمرأة أخرى، ثم تزوجت أمه برجل آخر، وانتقلت معه إلى قرية مجاورة، فتركته عند أخواله، فخسر بذلك حنان والدته بعد حنان أبيه؛ بل وامتلأ قلبه حقداً على زوج أمه. ورغم أن والدته كانت تزوره أسبوعياً وتهتم بنظافته ونظافة ملابسه وحتى بغذائه وشرابه، حتى يأنس بها، وينسى بُعده عنها؛ إلا أن والدته سرعان ما تعود إلى زوجها وبيتها؛ فَتحِدثُ شرخاً في قلبه يقابله برميها بالحجارة حتى تختفي عن ناظريه، ويرجع هو إلى جدته وأخواله.

ثم يزول هذا الشرخ أخيراً بوفاة زوج أمه، وعودتها إليه؛ فتشرق حياته من جديد، وتنعكس آثار عودتها على حياته؛ فيدخل الكُتّاب بعد اهتمام والدته به.

2- حكايات والده:

كان والده كثير السفر والترحال بالصحراء لجلب الحطب والحشائش

وبيعها، فكان يرافقه حين بلغ التاسعة من عمره، ويساعده في عمله، وحين الفراغ من العمل كان يطلب من والده أن يسولف عليه، ويحكي له قصص السابقين مثل قصة كليب، وقصة عليا وأبي زيد، وغيرها من القصص المشوقة.

واستمرت هذه القصص في حياته يسمعها من والده حتى بلوغه طور الشباب؛ إذ استمرت خلال رفقته لوالده. يقول الجهيمان في حديثه عن أسفاره مع والده: (وفي بعض الساعات أحس بالسأم أثناء سير الجمل، ولا سيما إذا طال الطريق واستمر السير لعدة ساعات.. فأقول لوالدي: سولف عليَّ أو قص علي حادثة سلفت، أو حكاية حدثت؛ وذلك لأن كثرة السكوت خانقة، والسير الرتيب ممل؛ فيستجيب والدي لهذا الطلب.. ويشرع في سرد بعض الأقاصيص التي أنصت إليها بكل حواسي ومشاعري، فتارة يقص علي قصة من قصص بني هلال، وما أكثر قصص بني هلال.. وتارة أخرى يقص علي قصة من قصص العرب الأولين).

ب- المؤثرات الاجتماعية:

1- تأثره بقصص الأطفال وألعابهم في صغره:

تأثر عبد الكريم الجهيمان في طفولته بالألعاب التي كان يمارسها وأترابه آنذاك، وعلى الرغم من شح الموارد، وعدم وجود بيئات خاصة لألعاب الأطفال، فإن الحاجة النفسية دعتهم إلى اللجوء إلى البيئة المحلية، فكان لهم ألعاب في الشتاء، وألعاب في الصيف، وألعاب في النهار، وألعاب للذكور، وألعاب للفتيات.

لم تكن هذه الألعاب تكلفهم نقوداً، ولا ترهق آباءهم بشيء من الأمور المادية، فهم يختارون أدواتها من مواد طبيعية، فمثلاً يلعبون الكعاب من عظام الذبائح، وبالأحجار – وما أكثرها -، ويصنعون كرة الطابة من بقايا الألبسة بعد تغليفها بالجلد !

أما قصص الأطفال حين كان طفلاً فقد كان أجملها في ليالي الشتاء فيتجمعون في مكان دافئ، فيقول أحدهم: ذبحت خريفي (تصغير خروف)، من يشرك، فيشترك أحدهم بالرأس، وآخر بالرجل، وثالث بالصدر، وهكذا حتى تنتهي أجزاء الخروف، ثم يبدأ الأول فيقص عليهم قصة من الأقاصيص التي سمعها من أمه أو جدته، فإذا انتهى بدأ الآخر. إن هذه القصص التي يتحدث بها الصغار فيما بينهم مسلية – كما يقول الجهيمان - بل وفيها الكثير من العِبَر والمواعظ، وفيها الكثير من تجارب الحياة، التي قد لا يفهمونها في صِغرهم، ولكنها تترسب في أذهانهم، وتتخمر في عقولهم، فإذا كبروا عرفوا ما ترمي إليه من فوائد جمة تنير لهم الطريق في مستقبل حياتهم.

(2) تأثره بالفرنسيين:

زار الجهيمان في شبابه فرنسا مرافقاً للأمير يزيد بن عبد الله بن عبد الرحمن، وهناك تأثر بكثير من نواحي الحياة الفرنسية، ومنها حياة الأطفال، فهو يذكر أن للطفل حقوقاً وواجبات، فهم يُعوِّدونه منذ صغره على الاستقلال، فمنذ المهد له حجرته وسريره الخاص، وله ميعاد ليتناول وجبته، وله ميعاد لنومه، وميعاد لاستيقاظه، فإذا كبر وترعرع عودوه على الاستقلال بنفسه، فله حجرته وألعابه وتفكيره الخاص، فإذا بكى الطفل بسبب يمكن تنفيذه نفذوه، وإذا لم يكن في الاستطاعة رفضوه، فيتركونه حتى يسكت من تلقاء نفسه، فقال:(.. فإذا رأى الطفل أن بكاءه لا تأثير له على والديه توقف عن استعماله، وعرف أنه سلاح لا يجدي، وحيلة لا تسمن ولا تغني من جوع). وقال: إنهم لا يخوفونه بالعفاريت، ولا بالوحدة، أو بالظلام، ولذلك تجد الطفل له شخصيته المستقلة.

(3) تأثره بما قرأه:

تأثر الجهيمان كذلك بفقر البيئة النجدية عامة، وبيئة قريته خاصة، بالكتب والدفاتر، فقد كان يعيش في قرية من قرى الفلاحين، فلا كتب ولا دفاتر، ولا أي شيء يتعلق بالقلم والمعرفة، ما عدا المصاحف، وك تب بعض المواعظ التي توجد بالمسجد. ويقابل هذا الفقر في الكتب نهم لديه عجيب في حب القراءة والمعرفة، فكان يدخل المسجد يبحث عن أي كتاب يجده لكي يقرأه، فقرأ المصاحف، ثم وجد كتاب رياض الصالحين، وهو كتاب رقائق ومواعظ، فيقرأ بعض أبوابه، وينسجم معها غاية الانسجام.

منهجه في تدوين أدب الطفل

ليس لدينا تصور معين لما قام به الجهيمان في تدوين أدب الطفل؛ لكن دراسة منهجه في جمع الحكايات والأساطير والأمثال تعطينا صورة واضحة لمنهجه في تدوين أدب الطفل، خاصة إذا علمنا أن أدب الطفل لديه مأخوذ من هذه الحكايات والأساطير.

يتشكل منهجه ابتداءً في التفاته إلى أن الموروث النجدي من الحكايات والأساطير ثروة مهددة بالفقدان والضياع، فهو يراه أصدق من التاريخ المكتوب، وأدق في رسم الحياة الاجتماعية وأكبر مقدرة على تكوين صورة وافية، فلن نجد أدق وأصدق من الأمثال التي هي زبدة تجارب تلك المجتمعات، ولا أقرب إلى الصدق من الأساطير التي هي فضاء خياله الرحب وأفق تطلعاته.

بعد ذلك تشكل لديه الدافع في أن هذا الموروث يحمل في ثناياه قيماً ومثلاً إنسانية، قام بإبرازها، وأخرى حاربها، وهو يقدم المتعة والتسلية، كما لا نغفل هاجسه الوطني، فهو حريص على حفظ وصون كل ما يتعلق بالوطن من الضياع؛ لأنه تراث الأجداد، الذي يُعد بعداً ثقافياً يتضمن ملامح تاريخ وثقافة من سبقونا. أما عملياً فقد سعى الجهيمان نحو هذا الموروث بصبر وجلد؛ فراح يستمع ويجمع، ينتقي ويصوغ، حتى استطاع تقديم خمسة مجلدات، معتمداً على ذاته وطاقته الإبداعية.

اعتمد الجهيمان كثيراً على ذاكرته، فهي كذاكرة الرواة، تستقبل.. تختزن.. وتختزن.. وتختزن، حتى إذا احتشدت بمدركات الماضي وأحداث الحاضر، شرعت تنتقي، بعد أن شحذت وصقلت ودربت في هذه العملية على التذكر واسترجاع ما قد مر بها؛ فهو كما قال أحدهم: ينطلق من حاضره ويتدرج تراجعياً في مدار التعاقب الزمني، وخلال عملية التدرج هذه يتذكر الراوي المادة الروائية وينسج الحدث (1).

لقد جمع الجهيمان قصصه من أفواه كبار السن ذكوراً وإناثاً، عندما يلتقي بعضهم بعضاً في سواد الليل الذي لا تعكره الأضواء، وإنما يسمح فيه للخيال أن يحلق في جميع الأجواء.

لقد كانت شخصية الجهيمان حاضرة؛ فقد كانت بعض الحكايات التي رواها الجهيمان ناقصة أو مبتورة؛ فيقوم هو بإكمال الحكايات الناقصة بما يتناسب مع سياقها ومضمونها، وما يتلاءم مع أجوائها، فقد يقوم كما قال بتمديد بعض المواقف على شرط ألا يخرج هذا التمديد عن فحوى القصة، مما يوجد تفاوتاً في حجم الحكايات، ويرجع الجهيمان هذا التفاوت إلى الجو الذي تدور فيه هذه القصص، كما يقول بضم أشلاء الحكاية بعضها إلى بعض، حتى يعيدها قصة. هذه الإعادة هي المقدرة الفنية على الرواية، وللجهيمان خيال خصب، أسعفه في إثراء تلك القصص بأحداث وعوالم أتاحت للشخصيات أن تتحرك بقدر كبير من التشويق، وهذا الأمر على درجة كبيرة من الأهمية في القصص الشعبية التي يفترض أن تشد انتباه المتلقي، وتجعله متلهفاً لبلوغ ذروة الحدث.

لقد صاغ عبد الكريم الجهيمان تلك الحكايات بعد أن اختار الجيد، وأهمل ما لا يحمل مضموناً، ولا يحقق هدف المتعة والتسلية على الأقل، بأسلوب يتراوح بين الإيجاز المحكم، والتفاصيل الفضفاضة، معتمداً لغة فصيحة، سهلة، بعيدة عن التكلف، وهي اللغة المثلى لتقديم هذا الموروث لأوسع قاعدة من المتلقين بمستوياتهم المختلفة. ولأن عبد الكريم الجهيمان مسكون بحب الطرفة والدعابة والسخرية، فقد تخللت تلك الحكايات تعبيرات ساخرة وتهكمية، كما تخللها بعض التشبيهات

الرفيعة، وبعض التكرار، مما يثقل كاهل الحكاية، خاصة إذا كان المتلقي نافذ الصبر، يتطلع إلى النهاية، بشوقٍ، وإن كان التكرار سمة من سمات هذا الإبداع (1).

قائمة وراقية (ببليوجرافية) بمؤلفاته للأطفال

أصدر الجهيمان مجموعتين من قصص الأطفال:

المجموعة الأولى: سلسلة (مكتبة أشبال العرب)، وأصدرها عام 1399هـ-1979م، وتضم عشر قصص:

1- ابن الملك وأصحابه.

2- الصائغ والسائح.

3- الحمامة المطوقة.

4- الناسك والقطة.

5- الطاووس وابن آدم.

6- البوم والغربان.

7- ولد الغني الذي افتقر.

8- كسرى ولغة الطير.

9- الوصية العجيبة.

وقال في تقديمه لهذه المجموعة:

(إلى أبنائنا الأشبال: نقدم هذه السلسلة من القصص المختارة في ثوب قشيب، وأسلوب جذاب.. يغري القارئ بالقراءة والتفكير والتأمل، وينتقل فيها القارئ من حقيقة إلى خيال.. ومن خيال إلى حقيقة.

ومن هذه القصص ما يجري على ألسنة بعض الحيوانات.. والأطفال بطبيعتهم ميالون إلى تلك المحاورات التي تجري على هذا المنهج. وهي بالإضافة إلى ما ذكر تحمل بين طياتها الكثير من تجارب الحياة، ومجريات الأمور، والنتائج التي تفضي إلى بعض المقدمات، والمقدمات التي تقود إلى بعض النتائج). وجدير بالذكر أن وزارة الثقافة والإعلام قد أعادت إصدار بعض قصص هذه المجموعة في طبعات جديدة عام 1429هـ-2008م؛ كما أعادت وزارة التربية والتعليم طبع عشر قصص منها بمناسبة اختيار مكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية عام 2005م. لما تمثله هذه القصص من قيمة أدبية، وارتباط بالتراث القصصي العربي، وانفتاح على عوالم ثقافية أخرى، وتدفع الطفل إلى تمثل كثير من القيم الدينية والاجتماعية.

المجموعة الثانية: سلسلة (مكتبة الطفل في الجزيرة العربية)، وأصدرها عام 1405هـ-1985م، وتضم عشر قصص أيضاً، هي:

1- الرفيق الخائن.

2- القطاة الساحرة.

3- العفريت ذو السبعة رؤوس.

4- الحطاب والكنز.

5- عايشة وأم عايشة.

6- بليبل الصياح.

7- شامان وعمانان ومكية.

8- اللقاط ابن اللقاط.

9- بنت الغول.

10- سليمان بن داود والغراب.

وتختلف هذه المجموعة عن المجموعة الأولى؛ وذلك أن الجهيمان قد فتح في المجموعة الأولى أذهان الأطفال على الخيال وتصور الأحداث المثالية في صور قصة مسلية، أما هذه المجموعة فتشتمل على تجارب حكيمة ومواعظ مفيدة. يقول في تقديمه لهذه المجموعة:

(هذه مجموعة من الأقاصيص الشعبية، لأطفال الجزيرة العربية، قد طبعت طبعاً أنيقاً بأحرف كبيرة، مشكولة شكلاً كاملاً، وزينت بكثير من اللوحات والرسوم، التي تجسم للناشئ تلك المشاهد التي تمر به أثناء قراءته. وهي في ثوبها القشيب هذا تحبب الناشئ للقراءة، لما فيها من خيال ممتع، وتصوير جذاب، وحركات سريعة، تنقل قارئها إلى عوالم جديدة، ودنيا عجيبة، يشاهد فيها الغرائب والمفاجاءات التي تستهويه، وتربي لديه ملكة التخيل والتفكير والتأمل، ولا شكَّ أن الناشئ في أمسّ الحاجة إلى مثل هذه الأمور، كما أنه ميال بفطرته إليها.

ثم إنها علاوة على هذا وذاك وتلك تشتمل على تجارب حكيمة، وعظات بالغة، فيها الجد، وفيها الهزل، فيها ما يضحك ! وفيها ما يبكي.. وتلك مزايا تتكون من مجموعها بذور الوعي والإدراك لبعض حقائق الحياة). ومن الجدير بالذكر أن ناصر بن محمد الحميدي، قد قدم ملخصات (مستخلصات) لقصص المجموعتين وضمنها في كتابه: (مذكرات كاتب: لمحات من حياة وأدب عبد الكريم الجهيمان) .

ويمثل إنتاج عبد الكريم الجهيمان البالغ عشرين قصة للأطفال، أصدرتها جميعاً دار أشبال العرب، نحو 4.67% من مجموع الإنتاج الذي أصدرته دور النشر التجارية والبالغ 428 إصداراً، وفق ما أحصته هدى باطويل، وهو ما يعد إنتاجاً عالياً مقارنةً بغيرها من الناشرين، كما شكل إنتاج دار أشبال العرب نسبة (6.78%) من إنتاج الجهات الناشرة لقصص الأطفال في المملكة العربية السعودية.

* * *

موجز بحث مقدم إلى الملتقى الثاني الذي يقيمه نادي مكة الثقافي الأدبي بعنوان : (ثقافة الطفل: الهوية ومتغيرات العصر)


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة