Culture Magazine Thursday  28/05/2009 G Issue 285
شعر
الخميس 4 ,جمادى الآخر 1430   العدد  285
سَيِّدُ الجِبال!
شِعر - د. عبدالله بن أحمد الفَيفي

 

يا سَيِّدَ الجِبَالِ يا شَيْخَ الزَّمَنْ!

في هَامِكَ المُزُوْنُ مِعراجُ الوَطَنْ!

طافتْ بعَيْنَيْكَ السَّمَاءُ فِتْنَةً:

غُصنًا على نجمٍ على نجمٍ فَنَنْ

لَوْ أنّ حَرْفًا شِيْلَ منكَ هاهنا،

تَداعَتِ السَّماءُ والكَوْنُ ارْجَحَنْ!

زَوَّجْتَ بنتَكَ الثُّرَيَّا للثَّرَى؟

سُهيلُ جُنَّ، قِيْلَ؟ قُلْتَ: واليَمَنْ!

يا بَسْمَةَ الغَيْمَاتِ في وَجْهِ الذُّرَى

يا نَبْرَةَ التَّحْنَانِ في الصَّوْتِ الأَغَنْ!

ورَوْضَة، مِنَ السَّماءِ قِطْعَةٌ

تَضُمُّ عِطْرَ الغَانِيَاتِ في بَدَنْ!

شَرِبْتُ رَاحَ الأَنْدَرِيْنَ كُلَّها

ولَمْ أَذُقْ كَأَنتِ: جَذْوَةً، وَدَنْ!

تَغَطْرَسِيْ؛ فلا فُتُوْنَ في أُنُوْ

ثَةٍ بلا لَوْنَيْنِ ذابَا مِنْ فِتَنْ:

فكِبْرِياءُ تَأْسِرُ النُّهَى، سَمَتْ،

بِرِقَّةٍ هَمَتْ كَدِيْمَةِ الدَّجَنْ!

ولا جَمَالَ دُوْنَمَا فُحُوْلَةٍ

تَلُوْبُ في أُنُوْثَةٍ : سَلْوَى، وَمَنْ!

ولا كَمَالَ دُوْنَمَا أُنُوْثَةٍ

تَذُوْبُ في فُحُوْلَةٍ ، تَثُوْرُ فَنْ!

أنتِ، وأنتَ، لا أَقُوْلُ: مَنْ هُما؟

وَجْهَانِ في وَجْهٍ لِطِفْلَةٍ .. وَلَنْ...

لَوْ مَرَّ في الزَّمَانِ طائرٌ هَوَى

حَطَّ الجَنَاحَ.. وانْهَوَى طَيْرُ الزَّمَنْ!

ما كُلُّ (بُقْعَةٍ) هُنا صَدْرٌ حَنَا!

ما كُلُّ (نَيْدٍ) فيكِ نَهْدٌ مِنْ وَسَنْ!

لَوْ مَرَّ- مَحْضُ «لَوْ»- بخاطِرٍ، إِذَنْ

حارَتْ مَآتِيْهِ وباتَ المُرْتَهَنْ!

أَشْعَلْتِ في جَفْنَيْهِ تَصْهَالَ الصِّبَا!

لَفَحْتِ مَتْنَيْهِ بنَخْوَةِ اليَفَنْ!

(عُذْرِيَّةً) تَمُدُّ لِلْعَانيْ الجَنَى

(عَبْسِيَّةً) عَبَسْتِ في وَجْهِ المِحَنْ!

فارْوِيْ تَبَارِيْحَ الأُلَى صَاغُوا العُلَى

واستَلْهَمُوا الفِرْدَوْسَ في الرُّكْنِ الأَفَنْ!

في المُمْعِنِ التَّيَّاهِ في سَاجِيْ الرُّبَى

وفي السَّحَابِ تَاجُها الأَدنَى طَعَنْ!

مَنْ (دَرَّهُوا) بمَهْدِ حُلْمٍ شاعِرٍ

فَلَمْ يَنَمْ إلاّ لِيَصْحُوْ.. أنتَ مَنْ؟

فَيْفاءُ.. لاسميْ قِصَّةٌ طَوِيْلَةٌ

كَقِصَّةِ العَيْنَيْنِ في سِفْرِ الحَزَنْ!

مَنْ فَصَّلُوا فُسْتَانَ عُرْسِها، ومَنْ

مَباسِمًا شَقُّوا تَجاعيدَ الكَفَنْ!

في كُلِّ (طَوْرٍ) (بَيَّدُوا) خُضْرَ المُنَى

(أَشَاطِيًا) و(أَحْيُفًا) خُضْرَ اللَّبَنْ!

مَنْ شَيَّدُوا رُغْمَ الكَفَافِ بالطَّوَى

مَتْنَ الشَّقَاءِ ، كَفَّهُ الدَّافِيْ المِنَنْ!

واسْتَوْقَفَ الهُوْجَ السِّنِيْنَ صَخْرُهُمْ

بصَبْرِهِمْ ، فانجَاحَ غَدَّارٌ كَمَنْ!

في شَهْقَةِ النَّجْمَاتِ حَطَّ نَسْرُهُمْ،

شُمَّ المَعَانِيْ والمَغَانِيْ والسَّكَنْ!

وَجْهٌ يَلُوْحُ في مَرَاغِمِ القُرَى

وهِمَّةٌ دَارَتْ بأَفْلاكِ الفِطَنْ!

يا رَبَّةَ الجَمَالِ، سُقْيَاكِ دَمِيْ!

ومِنْ عَبِيْرِ الرُّوْحِ يَسْقِيْكِ الجَنَنْ!

يا حَلْمَةَ الأُوْلُمْبِ، فِيْنُوْسُ فَمِيْ

نَادَتْ: تَعَالَيْ نَلْعَنُ المَاضِيْ الوَثَنْ!

هَبَطْتُ مَهْبِطًا (محمّد امْعُقَيْصَاءُ)

بِهِ ما انْفَكَّ يَعْقِصُ الأَسَنْ!

يَسْتَمْطِرُ السَّمَاءَ تَارَةً، وتَارَةً

يُهَنْدِمُ السَّمَاحَ بالإِحَنْ!

متى يَؤُوْبُ سَالِمًا جَنَاحُهُ

مِنْ رِحْلَةِ المُقَامِ ، ثَأْرًا أو وَهَنْ؟

النِّسَاءِ مِنْ عُيُوْنِهَا تبْنِيْ المُدُنْ!

هَلْ أنتِ إلاّ وَرْدَةٌ، فَيْفَاءُ، مِنْ

حَدِيْقَةٍ غَنَّاءَ طَلْعُهَا الشَّجَنْ؟!

متى؟ غَدًا؟ سَمِعْتُ نَفْحَةً مِنَ ال

خَيَالِ ، ضَجّ خَيْلُهَا : أَجَلْ! إِذَنْ:

قُلْتُ، وإذْ غَنَّتْكِ في يَدِيْ يَدِيْ

وأَسْلَمَتْ لَكِ الْتِفَاتَةَ الرَّسَنْ:

عَفْوَ المَسَافَاتِ ارْتَمَتْ بأَضْلُعِيْ،

إنْ عَضَّنِيْ شَآمُهَا والوَقْتُ جُنْ!

عُدْتُ،عَدَاكِ الرَّيْبُ، يا تاجَ الدُّنَى

وكُلُّ دَرْبٍ ظَاعِنٌ صَوْبَ الوَطَنْ!

* * *

(*) في القصيدة استعمال مفردات دارجة في اللهجة الفيفيّة، وإن كانت فصيحة، لا بُدّ من إيضاحاها، وإشارة أسطوريّة، وبيان ذلك كله في الآتي:

بُقْعَة: ويكسرون الباء في اللهجة، تُطلق على المحلّة الواسعة من الجبل، وغالباً على المكان المنبسط وسط مرتفعات.

نَيْد: مكان فسيح، مُشْرِف على جهات من الجبل، يكون عادةً مَحَلاًّ يتَنَدَّى فيه الناس ويعقدون لقاءاتهم.

عُذْرِيّة: إشارة إلى بُقْعَة امْعَذَر / العَذَر، من الجبل الأعلى. وهي من أكثر البُقَع في فَيْفاء شُهرة باتّساعها وخِصبها وجمالها.

عَبْسِِيَّة: إشارة إلى امْعَبْسِيَة / العَبْسِِيَة: اسم أعلى قِمّة في جبال فَيْفاء.

دَرَّهُوا: من دَرَّهَ، أي رَجَّحَ بمهد طفل لينام. والكلمة فصيحة؛ ذلك أن الفعل (دَرَهَ) يعني: دَفَعَ ودَرَأَ.

طَوْر: صخرة هائلة.

بَيَّدُوا: أي استصلحوا أرضًا كانت بيداء / مواتًا.

الأشاطي: جمعٌ لَهَجِيّ لِشَطّ، ويُطلق على المُدَرَّجة الزراعيّة الواسعة.

أَحْيُف: جمع حَيْفَة، وهي المُدَرَّجة الزراعيّة عمومًا، يجمعونها على حِيَاف، وأَحْيَاف، وحُيُوف، وأَحْيُوْف، وحِيَّف.

محمّد امعقيصاء أو امْحَمْ عُقَيْصَاء: إشارة إلى أسطورة فيفيّة بطلها رجل بهذا الاسم. زعموا أنه كان مباركاً، تستمطر به السماء. وكان له أخٌ يعمل عند جماعة في مزرعة، فزوّدتهم امرأة ذات يوم بالغداء، فلقيها في الطريق، وحين ناولته الإناء، سقطتْ قطرةٌ من عَرَقها عليه. ولمّا أحضر الغداء وَجَد القوم رائحة عطر المرأة فيه، فاتّهموه بها، وتآمروا في قتله. وبعد أيّام من بحث امْحَمْ عُقَيْصَاء عن أخيه قرّر أن يسيح بحثاً عنه. وقيل إنه فكّر في اصطناع جناحين ليطير مستطلعاً أخاه، غير أنه سَقَطَ بفِعل حرارة الشمس، لولا أن الله سخّر له ملائكة رفعته إلى السماء. هنالك قابل أخاه القتيل، فطلب إليه أخوه أنْ يكتفي بالدية. ويُذكر أنه بينا هو هابط إلى الأرض وَقَفَ على موزّعي الأمطار، فطَلَبَ إليهم أن يستّوصوا بزيادة لقسمٍ من بلاده. فحذّروه بأن من الأصلح أن يرضَى بما قدّروه هم، إلاّ أنّ إصراره كان سبباً في خراب تلك البلاد. ولمّا بَلَغَ بئرًا مجاورة لمنزله، ألفَى صَبِيَّةً تَسقي، وهي ابنته، عرفها وهي له منكرة. فدَعَتْه إلى منزلها، وأعلمتْه أن هناك عرساً في تلك الليلة لأُمّها. فأَخَذ خاتمه فجعله في فم قربة الماء، هديّةً لأمّها. وفي البيت لم يعرفه أحد، ولكن ما أن فتحتْ زوجتُه فم القربة حتى اندلق الخاتم مع الماء، فعرفته، وكتمتْ أمره. ثم حينما حان إنزال قدور العشاء عجز الرجال عن إنزالها؛ فقال لهم: (فقط أعطوني ما يلصق بأسفل القدور من الطعام وأنا أُنزلها لكم!) سَخِرُوا منه، لكنهم وافقوا لطرافة الموقف. إذا به يَمُدُّ يده متناولاً من مكان معلوم له أَوَاقِيَ ليَديه من حرارة القدور، فدهشوا، ثم أنزلها بكلّ يُسر وسهولة. ولمّا فَتَحوا القدور، وجدوا اللحم كلّه قد التصق بقاع القدور. فتأكّد لهم أنه امْحَمْ عُقَيْصَاء وقد عادَ، فانفضّوا هاربين. بعدئذٍ سعَى في طلبِ الدِيَة من قاتل أخيه، حتى لم يبق إلاّ قِسْط، فعَرَضَ عليه أن يختار أحد كبشَين لديه مقابل القسط، غير أن تعلّق أحد الكبشَين بأخيه- لمّا أرادا فصلهما- قد جعل امْحَمْ عُقَيْصَاء ينفعل، متذكّرًا أخاه، فانهال على الرجل طعنًا حتى أرداه. وللحكاية تفاصيل أخرى لا يتّسع المقام لذكرها. (انظر: الفَيفي، عبدالله، (بين أسطورة امْحَمْ عُقَيْسْتَاء في جبال فَيْفاء وأسطورتَي كَلْكَامش وأوديسيوس Odysseus: (قراءة مقارنة)، مجلّة (الخِطاب الثقافي) المحكّمة، جمعية اللهجات والتراث الشعبي في جامعة الملك سعود بالرياض، العدد الثالث، خريف 1429هـ 2008م، ص ص 131- 156).

aalfaify@yahoo.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة