Culture Magazine Thursday  31/12/2009 G Issue 292
أقواس
الخميس 14 ,محرم 1431   العدد  292
البازعي لـ (الثقافية): ليس هناك حلول سحرية للمشكلات الثقافية
..ومناع: أشعر أن صوت نادي جدة خافت

 

الثقافية - عطية الخبراني

إن المتابع والمتمعن في حال المؤسسة الثقافية في بلادنا ومدى علاقتها بالمثقف يلفته منظر الشد والجذب الذي يظهر بين الفينة والأخرى بينها وبين منتقديها، وحالة عدم الرضا عند البعض الذي يرى أن إزالتها خير من بقائها، هذه الحالة تولِّد أسئلة حائرة وبحاجة إلى إجابات.

من تلك الأسئلة: هل عدم رضا المثقف غير المؤسسي عن مثقفي المؤسسات وما يقدمونه يشكّل ظاهرة؟ وإن كان كذلك فما أسبابه ودوافعه؟

(الثقافية) طرحت هذا السؤال بجانب أسئلة أخرى على شريحة من المثقفين من داخل المؤسسات وخارجها لتصل إلى ما يشبه القناعة أن الخلاف لا يزال مستمراً.. وأنه ليس ثمة نقطة التقاء بين المؤسسة والمثقف خارجها إلا بإرادة إدارة الثقافة العليا.

عدم الرضا هل يُشكِّل ظاهرة؟

عن هذا السؤال أجاب الدكتور سعد البازعي رئيس نادي الرياض الأدبي بقوله: إننا نلمس عدم الرضا عند بعض المثقفين.. لكنني لا أراه يُشكِّل ظاهرة نستطيع الحديث عنها، وعن دوافع عدم الرضا يواصل البازعي: ولا بد أن نضع في الحسبان أن هناك بعض الدوافع الشخصية عند بعض المنتقدين وليس كلهم فربما تجد أن لدى أحدهم مشكلة مع أحد أعضاء مجلس الإدارة، لذلك فهو ينتقد.. ومشكلة المنتقدين لدينا أنهم يعممون انتقاداتهم.. فنادي الرياض مثلاً وجدة والشرقية ليست كنادي الجوف على سبيل المثال في عراقتها وقِدَم تأسيسها وما قدمت للثقافة.. وهناك مناطق نسمع فيها الكثير من المشاكل والاستقالات وبعض المناطق عكس ذلك.

ويرى البازعي أن مهمة الصحافة الثقافية هي عمل استبيانات لاستيضاح هذه التعميمات الواردة من البعض ومدى صحتها ولا يكون الكلام جزافاً دون إحصائيات وأرقام.

وعلى ذات السؤال يجيب الدكتور عبد الله مناع قائلاً: إن عدم الرضا هذا هو وجهات نظر عالية ومسموعة لأنني أعتقد أن بعض المثقفين في جدة والرياض مثلاً ليسوا راضين عما تقدمه أنديتهم كما أشعر أنا وعلى مستوى جدة أن صوت نادي جدة خافت.

أما الشاعر أحمد السيد عطيف فيرى أن عدم الرضا ظاهرة لأنه حديث مجالس، وليس ظاهرة من زاوية المنشور، فالرضا أمر نسبي ويصعب رصده أو تتبعه.. والمثقفون غير راضين عن مثقفي المؤسسات.. كما أن مثقفي المؤسسات غير راضين عن المؤسسة الثقافية كلها، هناك عدم رضا عن الإدارة الثقافية عموماً في البلد كله، ولذلك ما يبرره أو يبرر أكثره.

ويضيف عطيف: الأندية الأدبية تعمل داخل نظام ومصالح ووجاهات، ولذلك فهي لن تقدم ثقافة حقيقية، فالثقافة ليست ملتقيات وقصة وشعر فقط.

على الجانب الآخر يرى عضو مجلس إدارة نادي الباحة الأدبي عبد الرحمن سابي أن القول بمطلق عدم الرضا يُعد جناية لا يمكن تصورها في المشهد الثقافي المعاصر، وإن علا الصوت المضاد للمثقف المنتمي للمؤسسة الثقافية انتماء لا يعطيه الأفضلية، بل يُشكِّل عبئاً عند البصير بمعنى تشريفه لتمثيل هذا الكيان.. ولنا أن نؤمن بنسبية هذه الظاهرة واختلاف ممارستها من واقع لآخر ودور الإعلام بشكل مباشر ورئيس في تسليط الضوء على الأحداث التي تعزز توهج هذه الممارسة النابعة في حقيقة الأمر من بشرية المثقف والأنا التي تسكنه ورغبته في الضوء المسلط على بعض الظهور البريء للكثير من المنتمين للمؤسسة الثقافية.

ويواصل سابي: وفي قناعتي أن هذا ليس سلباً يحذر منه، بل إيجاباً حين يتخذ منهجية تقود لدعم النقص والخلل الوارد في الجهد المبذول في العمل الثقافي المؤسسي لا التشهير والتشفي الموصل في نهاية الأمر لسوداوية تحجب الكثير من الإبداع بدعوى النرجسية عند كلا الطرفين.. وهنا تظل الدعوة ملحة للتخلص من الشللية عند الطرفين ورؤية الإقصاء كفعل يجب الفرار منه والانطلاق من وإلى تكاملية المجتمع الثقافي.

ويختم سابي بقوله: وحينها سنجد الضد يظهر حسنه الضد وتصبح لغة العزوف بين الطرفين خرساء فلا تحيُّز يعطل دفة الإبداع ولا إقصاء يئد حق القدوم المشروع للقادم الراغب للعمل ضمن منظومة العمل الثقافي.

من جهته يجيب الأكاديمي والشاعر أحمد التيهاني على السؤال قائلاً: إن كان الحديثُ -هنا- عن المثقّف والسلطة (في بلادنا), فإن الأمر يستلزم التفريق بين مرحلتين متباينتين تماماً, وسيكون الحديثُ مباشراً دون الدخول في دهاليز هذا المشكل المتنامي مع استمرار أخطاء السلطة الإداريّة ومؤسّساتها, فقد كانت مشكلةُ المثقّف والمؤسّسة -في مرحلة ما قبل التغيير- تتمحورُ حول قيود المؤسّسة, وعدم استقلاليّتها, فضلاً عن أنّها لم تكن قوّةً فاعلة في التغيير, لعدم قدرتها على صناعة المجتمع الحديث, إلا أنّها كانت تُدارُ من قبل أهل الثقافة على اختلاف توجهاتهم, ممّا جعلهم قادرين على احترام جميع الأطراف, والترفّع عن الخلافات, ممّا جعل القلّةَ في مواجهة المؤسّسات, وهم أولئك الذين كانوا يرون في علاقتهم بتلك المؤسّسات نوعاً من الذوبان, والخضوع, والتقييد, وحسب.

ويتابع التيهاني: «أمّا الآن فقد باتت مشكلة المثقّف والمؤسّسة تكمن في كون جلّ هذه المؤسّسات باتت مؤسّسات غير ثقافيّة, وغير فاعلة, وغير مؤثّرة؛ وهو أمرٌ بدهي حين تُدار المؤسّسات الثقافيّة من قبل غير المثقّفين في الأصل, ثم تبدأ العواملُ النفسيّة (الضعف الإبداعي, النقص المعرفي) لدى هؤلاء القائمين على المؤسّسات الثقافيّة - في مرحلة ما بعد التغيير - في تغييب المثقفين وغيرهم, وإبعادهم عن مواطن الفعل, والحرص على بقاء الذوات الهشّة في مركز الصورة دائماً, دون قدرات تؤهّل للدور أصلاً, ممّا أنهى الوجودَ الحقيقي لهذه المؤسّسات, وجعلَها في هامش التأثير, لعجز إداراتها عن التواصل, ممّا جعلَ الكثرة في مواجهة هذه المؤسّسات, إذ لم يعد النقد مجدياً, وإنّما المواجهة الحقيقيّة من أجل تغييرٍ ثان يستر عورات التغيير السابق».

في حين يرى عضو مجلس إدارة نادي أبها الأدبي الدكتور عبد الله حامد أن العمل الثقافي فضاء رحب لا يرفض إلا الخانعين والمتكاسلين، وليس هناك أية إشكالية في العطاء الثقافي سواء أكان من خلال البعد الذاتي الخاص، أو من خلال التناغم مع العمل المؤسسي، أو من خلال العطاء في الجانبين.. والذين لا يتناغمون مع المؤسسة بإمكانهم اليوم أن يحضروا بمنتجهم من خلال قنوات إعلامية كثيرة، والذين يتناغمون مع المؤسسة لن تصادرهم المؤسسة وتملي قناعاتها عليهم ! أما «المنبتون» الذين لا أرضاً قطعوا، ولا ظهراً أبقوا فهم لا يتجاوزون أن يكونوا بكائيات بائسة، لن تنتج إلا مزيداً من العويل الذي يطرب حيناً، لكنه لا يصنع شيئاً.

ويضيف: إن محاولة إلصاق فشل «الذات» المتكاسلة بالمؤسسة هو تكريس لحالة العجز والكسل، ولا يعني ذلك أن نُبرئها من القصور، فذلك تردٍ آخر أيضاً!

ويتابع الدكتور عبد الله قائلاً: قلِّب نظرك وانظر إلى القصيبي والخويطر مثالاً فقط: عطاءً وهاجاً، ولم يتمسحا بالمؤسسة ولم يلعناها! ليست المؤسسة مغنماً، وليست مغرماً! إنها ثقافة «الموقف» التي تصنع تناغمها وتعارضها في صورة إيجابية مؤثرة.

أما الكاتب والشاعر حامد بن عقيل فقد أجاب على سؤالنا بإجابة مقتضبة وسريعة قائلاً:

إن المثقف في ناحية والأندية الأدبية في ناحية وليس هناك ثمة أمل، ويبدو لي أن أياً من موظفي وزارة الثقافة بما فيهم أعضاء الأندية لا يجيدون القراءة فكل ما يكتبه المثقف لا يهتمون به، بل لا يبدو أنهم يطلعون عليه.

وأردف عقيل: لوزارة الثقافة ولموظفيها كوكب آخر يدورون فيه.

الآليات.. أحد أسباب الانتقادات!!

وحول بعض الآليات داخل الأندية والتي تُساهم في رفع مستوى النقد كآلية التعيين يقول رئيس أدبي الرياض: أنا شخصياً أعترض على بعض التعيينات التي تتم والتي أدخلت إلى الأندية من ليس له صلة بالعمل الثقافي البتة والانتخاب أيضاً حل جزئي للمشكلة.. ولكنه سيورثنا بعض المشاكل لأن لنا تجارب مع الانتخابات كانتخابات المجالس البلدية مثلاً، لذا فليس هناك حل سحري للمشاكل الثقافية برأيي.

ويتفق الدكتور عبد الله مناع مع البازعي حول أفضلية آلية الانتخاب وإن كان الانتخاب أيضاً قد يجلب مجموعة غير متناسقة لكنه في كل الأحوال أفضل من التعيين الذي هو فرض إرادة وإقصاء آخرين ولا بد أن تكون الأندية معبرة عن آراء الناس والمثقفين وليست مفروضة عليهم.

رفض الانتماء للمؤسسات!!

من أهم الأسئلة التي لا بد أن تطرح في هكذا مقام، لماذا يرفض بعض المثقفين العمل في المؤسسات الثقافية؟

فقد أجاب الدكتور سعد البازعي قائلاً: إن البعض لا يريد أن تقيده المؤسسة الثقافية أو أن هناك من لا يرى جدوى مما تقدم هذه المؤسسات وأنها لا تخدم الفعل الثقافي فضلاً عن أن هناك من يرون أن المؤسسة الثقافية ينبغي ألا توجد بحجة أن الزمن تجاوز الأندية الأدبية.. ولكنني لست مع هذا الكلام ولو كان هذا الكلام صحيحاً لفتح كل منا «الإنترنت» وأخذ ما يريد واكتفى ولن نحتاج للمكتبات والمسارح ودور العرض وغيرها من المنافذ الثقافية.

فيما يرى الدكتور عبد الله مناع أن العمل الثقافي عمل جماعي ويحتاج للروح الجماعية التي قد تساهم في خلق أجواء أكثر عملية وبعض الناس لا يحب العمل وسط الجماعة وتلك اختلافات بشرية طبيعية ويرجع ذاك الرفض إلى هذا السبب.

في حين يرى الشاعر أحمد عطيف أنه إن كان هناك من يرفض العمل داخل المؤسسة الثقافية فلأنه يرى أن إداراتها غير جديرة بالعمل معها.. أو أن المقابل المادي لا يغري.. وأعتقد أن الرافضين قليل.. أما إن كان العمل كعضوية لمجلس إدارة، فأنا لم أسمع بأي رفض.

ويستطرد عطيف قائلاً: إن الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون آليات ثقافية تجاوزها الوقت، ولن تعمل كما يرضي طموح المثقفين، والحل هو التغيير الجذري إما بإلغائها كلياً وترك الثقافة بلا مؤسسات، أو إيجاد آلية موحدة جديدة بمركز وأطراف وبنظام جديد، ودعم سخي.. يُخيَّل لي أن وزارة الثقافة نفسها ليس لديها إستراتيجية واضحة حول الثقافة وإدارتها.

ويتفق الشاعر عبد الرحمن سابي مع الشاعر أحمد عطيف حول أن المقابل المُعطى نظير العمل في المؤسسات قد يكون سبباً في النفور منها في كثير من الأحيان، وهي إشكالية يجب النظر لها من قِبل المقام الأول للوعي الثقافي حتى تصبح العلاقة حميمة بين الزائر وأهل الدار.


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة