الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 20th September,2004 العدد : 77

الأثنين 6 ,شعبان 1425

مستقبل الثقافة في السعودية.. ولقاء المثقفين
عبدالله السمطي *

(1)
حين ننظر إلى الثقافة السعودية الراهنة ونتأمل في مكوناتها وأنساقها، إنما ننظر ونتأمل في رافد أصيل وجوهري في أفق الثقافة العربية المعاصرة، خاصة أن ما يتشكل من فضاءات في هذا الرافد يغذي ويؤثر بشكل أو بآخر في مجمل التحولات العربية والإقليمية ثقافية أو غير ثقافية.
إن الوعي بأهمية هذا الرافد يتجلى في كونه يمثل انبثاقاً مؤولاً عن اعتبارين:
المكانة الدينية والتاريخية والإقليمية للمملكة العربية السعودية.
توقع الدور المتعدد المتنوع على الصعد الثقافية والسياسية والاقتصادية.
إن هذين الاعتبارين يشكلان أسئلة الذهنية الناظرة إلى السعودية، خاصة في إطارها العربي الإسلامي، وإذا كان الدور السعودي ملموساً ومشهوداً له بتأثيره عربياً وإسلامياً من الوجهتين السياسية والاقتصادية، فإن الدور الثقافي لا يضاهي هذه المكانة ولا يخايل ما هو متوقع. فإن ما تملكه السعودية من إمكانات، ومن بنى ومؤسسات ثقافية وعناصر مثقفة في مجالات متعددة ثرية لا يتناسب أبدا على الأغلب مع ما يقدم من منجز ثقافي يمكن أن يؤثر، ويتم استقباله بشكل فعال، لا على المستوى المحلي ولا العربي ولا الإقليمي.
وبوصفي أحد المطلين على المشهد الثقافي السعودي في العقد الأخير، فإنني أرى أن أسباب تراجع الأثر الثقافي أو المنجز الثقافي السعودي بشكل عام تتمثل في:
أولاً: توزع النشاط الثقافي الرسمي بين جهات متعددة، ما بين الرئاسة العامة لرعاية الشباب، ووزارة التعليم العالي، وبعض المؤسسات والمنابر الأخرى.
ثانياً: عدم التنسيق بين المؤسسات الثقافية فيما يتعلق بالفعاليات الثقافية، وتجلى ذلك على الأخص في السنة التي اختيرت فيها الرياض عاصمة للثقافة العربية.
ثالثاً: عدم تجديد وتفعيل الأنشطة الثقافية في الأندية الأدبية، وجمعية الثقافة والفنون، وبقاء اللوائح المنظمة لها كما هي دون تغيير طوال ربع قرن من الزمان، مع عدم تغيير الكوادر الثقافية.
رابعاً: عدم وجود استراتيجيات خاصة بالفعل الثقافي، لأنه لا توجد جهة معينة يمكن أن تخطط لهذه الاستراتيجية، وتقرأ المتغيرات والتحولات، وإن تم ذلك في بعض المؤسسات الأخرى كالفعاليات الثقافية لمكتبة الملك عبدالعزيز العامة، وبعض فعاليات مهرجان الجنادرية.
خامساً: غياب الدور الثقافي للقطاع الخاص، وإن تجلى هذا الدور في وجود بعض المطابع، ودور النشر، فإنها لا تحتفي بالثقافة قدر ما تحتفي بما هو تجاري.
سادساً: غياب الفعل الثقافي الحقيقي للدوريات السعودية سواء في الصحف أو في المجلات، فهي على الرغم من أهمية بعضها فإنها لا تنتج ثقافة مؤثرة في المحيط العربي كمجلات عربية أخرى مثل الآداب، أو فصول، أو العربي.. فيما عدا مطبوعات النادي الأدبي الثقافي بجدة.
الإشراف الثقافي على حركة الثقافة السعودية، ما يزال بأيدي كوادر (موظفين) لا هم ثقافيا لديهم، ولا استراتيجية تضع عناوين ملفتة، أو تخطط لمستقبل الثقافة السعودية.
سابعاً: وجود الرقابة على المطبوعات والكتب والدوريات ووسائل النشر.
يضاف إلى ذلك، التهميش الدائم لدور المثقف الحقيقي، وتصدر بعض (المتثاقفين) المشهد، فيصبح عضواً في لجنة، أو يدعى لاجتماعات مهمة، أو يدعي أن كتبه نفدت طبعاتها الأولى والثانية مع أنها مكدسة بمخازن وزارة الإعلام والثقافة، أو يقوم بسرقة أفكار الآخرين و(يهرول) هو لترجمتها ونسبتها لنفسه، أو يظل جاثماً على صدر المشهد الثقافي بمنصبه طويلاً، وتوزيع أخبار وهمية بأنشطة ثقافية للمنبر الذي يشرف عليه، أو يتصدر الحضور في الفعاليات الثقافية خارج السعودية، وكل هذه معوقات ضد تقديم الثقافة السعودية الحقيقية التي نراها مجسدة عند المبدعين الحقيقيين الذين ينأون عن المناسبة، والاحتفالية الكرنفالية، ويواصلون بدأب فردي منجزاتهم الإبداعية والثقافية في الصفوف الخلفية.
(2)
كثيرة هي التحولات التي حدثت في الساحة السعودية أخيراً، على المستويات السياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية، ففي السنوات الثلاث الأخيرة وتحديداً بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، تم انشاء جمعية لحقوق الإنسان، وهيئة للصحافيين، وأخرى للناشرين، وإنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، وإلغاء الرئاسة العامة لتعليم البنات، وتوحيد التعليم ضمن وزارة واحدة، والتوجه إلى إجراء انتخابات محلية بلدية وتحقيق بعض طموحات المثقفين في نصف وزارة ضمن تعديل مسمى وزارة الإعلام، إلى (وزارة الإعلام والثقافة)، هذه منجزات وتحولات ملفتة، بيد أن الجسد الثقافي لم يطرأ عليه أي تحول أو تعديل، بالرغم من توقع أن يكون التحول إلى التطوير الثقافي هو الأسرع، لأنه الأكثر تأثيراً وإقناعاً إذا اتيحت له الفرصة الحقيقية، وأجل هذا التحول والتطويل بعد إنشاء وزارة الثقافة والإعلام، وتم هذا التأجيل في صورة إنشاء (لجنة المثقفين) التي أجلت الفعل الثقافي الوزاري لمدة عام، وانتهى الأمر إلى لقاء المثقفين، أو الملتقى الثقافي الذي سيضم مختلف الشرائح الثقافية السعودية، والذي من المؤمل أن يخرج بتوصيات يتم تنفيذها على وجه السرعة.
يجيء هذا اللقاء متأخراً كثيراً عن موعده، خاصة مع الأحداث الإرهابية التي شهدتها المملكة، وكان من الممكن أن يسهم المثقفون مع غيرهم في علاج أسبابها وتداعياتها. فالثقافة بأنشطتها ومجالاتها يمكن لها أن تستقطب أعداداً كبيرة من الشباب، إذا تم رصد ميزانيات معقولة لها، مع تغيير اللوائح الروتينية
التي تعوق التواصل بين المثقفين والشباب في أغلب المؤسسات الثقافية. وإذا كان من تصورات يمكن أن أطرحها حيال الزملاء من المثقفين والكتاب في لقائهم الكبير هذا الذي تنظمه وزاراتهم: (وزارة الثقافة والإعلام)، وبوصفي أحد عابري سبيل الثقافة السعودية، فإنني أرجو أن يتمثل الزملاء التصورات التالية:
1 انفتاح الثقافة السعودية على عالمها العربي، ليس في المعارض الرسمية، والمناسباتية فحسب، بل بالتواصل المنظم والفعال غير الشخصي مع المثقفين في العالم العربي، وعقد اللقاءات الدورية، والفعاليات الثقافية المتنوعة.
2 إنشاء مجلس أعلى للثقافة على غرار الموجود في القاهرة والكويت.
3 إنشاء اتحاد للكتاب السعوديين، أو رابطة للكتاب والأدباء، وما يتطلب ذلك من مقر، وميزانية، ومطبوعة دورية، وصندوق للأدباء، وما سينجم عنه من تواصل مع اتحادات الكتاب العربية والعالمية.
4 إنشاء دار وطنية للنشر والتوزيع، مثل: هيئة الكتاب المصرية، أو هيئة الكتاب اليمنية، أو دار الشؤون الثقافية العراقية.
5 تطوير الأندية الأدبية، وجمعية الثقافة والفنون، بتغيير اللوائح، وانتخاب أو تعيين مشرفيها على فترات محددة، وزيادة ميزانياتها.
6 إصدار مطبوعات ودوريات تمثل الثقافة السعودية الحقيقية.
7 تغيير الكوادر العليا المشرفة على النشاط الثقافي، واستقطاب المثقفين والمبدعين لإدارة النشاط الثقافي بشكل مهني احترافي، بعيداً عن الطابع الروتيني الوظيفي.. واستقطاب شباب المثقفين للقيام بأدوار بارزة في هذا النشاط.
8 تفعيل مشاركة المرأة السعودية
في أنشطة الوزارة الثقافية.
9 إنشاء مركز عالمي للترجمة.
10 إلغاء الرقابة على المطبوعات.
وحول هذه النقطة أريد أن أتوقف قليلاً لاستيضاح هذا الرأي.
إن الرقابة أولاً فكرة استعمارية، قننها الاستعمار في الدول العربية التي قام باحتلالها، وبعد جلائه وتحرر هذه الدول، ظلت الفكرة والقوانين قائمة، لكن أغلب البلدان قامت بإلغائها على اعتبار أنها تعوق حرية الإبداع والكتابة والبحث العلمي، وفي السعودية يشترط أولاً لطبع كتاب الحصول على (فسح) من وزارة الإعلام، فيتم عرض الكتاب الذي يؤلفه أكاديمي أو مبدع أو روائي أو شاعر على (موظف) يمارس دوره الرقابي بأمانة وإخلاص شديدين، فيقوم بالحذف أو بالتعديل أو بالرفض، وهنا تتحكم الشروط الرقابية أو التأويلية في ذلك، خاصة في تأويل العمل الإبداعي الذي يكون على الأرجح تأويلاً غير صحيح، لأن الموظف يطبق شروطه التأويلية هو لا شروط الكاتب المبدع، وبالتالي يتم رفض الفسح على أسس غير سليمة، لذا يهرب الكتاب بكتبهم إلى الخارج لطبعها دون رقابة ودون رقيب، فينجم عن ذلك خسارة على مستويين:
مستوى اقتصادي، بطبع أكثر من نصف الكتب السعودية بالخارج.
مستوى يتعلق بالسمعة الثقافية، خاصة أن وسائل الإعلام تتناقل الإصدارات الجديدة المطبوعة في الخارج على أنها إصدارات غير مرغوب بها داخل السعودية، ومن العجيب أن معظم هذه الإصدارات المرفوضة تدخل المملكة ويتم فسحها بشكل أو بآخر.
إن تغيير آلية الفسح، أمر ضروري مع تقدم وسائل النشر والاتصال، فقد يطبع الكتاب في الخارج، وقد ينشر كاملاً على الإنترنت، وقد يتم إدخاله بطريقة من الطرق، وبالتالي تفقد الرقابة دورها الرسمي، وتفقد مبرر وجودها، فلماذا إذن يستمر وجودها؟
إن آلية أخرى، معمول بها في بلدان كثيرة، منها مصر، حيث يحصل الكاتب أو المؤلف فقط على رقم إيداع من المكتبة الوطنية شريطة أن يسلم عشر نسخ بعد الطبع، ثم يقوم بطبع كتابه دون فسح أو إذن من أية جهة، فإذا ما تضرر أحد من الكتاب، أو أن جهة ما رأت أن بالكتاب اموراً مخالفة يقوم بالإبلاغ عنه للجهات المعنية.
إن إلغاء الرقابة أمر ضروري للتنمية الثقافية والاقتصادية. أما وبالعودة للنقاط السابقة، إنشاء مجلس اعلى للثقافة فمن شأنه أن يضع أسسا واستراتيجية ملموسة لتفعيل العمل الثقافي، وتطويره تبعاً للتحولات المحلية والدولية، كذلك فإن إنشاء الهيئة السعودية العامة للكتاب، من شأنه أن يسهم في نشر الكتاب السعودي في الداخل والخارج، ويستقطب هذه الكتب المهاجرة للطبع في الداخل مما يحفز حركة الطباعة والثقافة، كما أن إنشاء اتحاد للكتاب والأدباء السعوديين سيعزز التواصل بينهم والمثقفين العرب والعالميين، مما سينعكس بالضرورة على الوجه الثقافي السعودي المغيب في الخارج إلا بشكله الفردي، أو الرسمي الذي قد لا يعبر تماماً عما في المملكة من إمكانات ثقافية.
إن لقاء المثقفين، نقطة جوهرية وحاسمة في التحول صوب التطوير الثقافي، وأسأل الله تعالى أن يوفق المشاركين فيه إلى الوصول إلى جوهر أمثل لتنمية الصورة الثقافية السعودية التي نحبها، بيد أننا لا نرى سوى أطيافها، تتخايل في اللحظات التي بين اللحظات.


* ناقد وصحفي مصري

الصفحة الرئيسة
الملتقى الأول للمثقفين السعوديين
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved