الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 20th September,2004 العدد : 77

الأثنين 6 ,شعبان 1425

الملتقى الأول للمثقفين بين الأمل والواقع!
د. إبراهيم السماري*

تأسيس البناء عملية صعبة؛ لأنها تحتاج إلى كثير عناء ومزيد جهد فكري وبدني يضاف إلى ذلك رعاية خاصة تتمثل في المتابعة المستمرة والتفاعل مع مستجدات الواقع.
والملتقى الأول للمثقفين السعوديين ليس بعيداً عن دائرة تأسيس البناء؛ فهو الأول في تعداد السوابق، وهو الأول في انطلاقة المسؤولية الثقافية الموكلة إلى وزارة الثقافة والإعلام بعد التشكيل الوزاري الأخير لتضم في رحابها عدداً من المسؤوليات الثقافية التي كانت موزعة على جهات متعددة.
فكرة الملتقى فكرة جميلة والفكرة هي نصف الابتكار كما أن الابتكار نصف كل إبداع وبالتالي فإن جمال الفكرة في حد ذاته يعد نجاحاً يسجل بمداد العرفان للجهود المخلصة في وزارة الثقافة والإعلام وللرجال الذين هم منبع الأفكار الجميلة.
من المؤمل أن يكون الحدث في مستوى جمال الفكرة ولكي يحدث هذا فإنه لا بد من حسن اختيار المشاركين في الملتقى فمخرجات الواقع تقول إن كثيراً من الملتقيات تفقد كثيراً من وهجها بمجرد الإعلان عن أسماء المشاركين فيها مما يدفع كثيراً من المهتمين إلى الإعراض عنها، وكيف ننتظر من الناس أن ترى ظلاً مستقيماً من ظل أعوج؟
إن حسن اختيار المشاركين وتنوع مشاربهم الثقافية وتلقياتهم الفكرية في مختلف المجالات الثقافية ضرورة من ضرورات النجاح، كما أن مراعاة خصوصية ثقافة المجتمع ضرورة أخرى من ضرورات هذا النجاح وربما تسبق الضرورة الأولى إذ كيف نتطلع إلى أن تنبت البذرة إذا زرعت في غير موسمها أو في غير تربتها؟
والضرورة الثالثة من ضرورات النجاح هي حتماً روافد النهر، فإذا اتفقنا على أن هذا الملتقى نهر عطاء تتشوق إليه طموحات المثقفين السعوديين فيجب حينئذ أن نتفق على أن تنوع موضوعات هذا الملتقى هي روافد هذا النهر التي تمنحه الجريان والثبات، وبالتالي كان من اللازم أن تشمل هذه الروافد كل الهموم الحقيقية للمثقف السعودي مما هو داخل في اختصاص وزارة الثقافة والإعلام كي تضيف إلى النهر دفقاً جديداً وإلا عجز النهر أن يصل إلى مصبه بمستوى جريان المنبع! ولأني تحدثت عن ضرورة المتابعة في عملية البناء فقد آن لي الآن أن أعود إلى التذكير بأن خروج الملتقى بتوصيات إيجابية حقيقة قابلة للتطبيق هو عين الرعاية المطلوبة وسمعها وبدونها يصبح الملتقى أعمى أصماً!
يجب عند ذي بدء ألا ننظر إلى هذا الملتقى على أنه ترف فكري وإنما الواجب أن نتعامل معه على أنه ضرورة من ضرورات التخطيط للارتقاء بالفعل الثقافي إلى مصاف النهضة الحقيقية القادرة على مواكبة ما تحقق لهذه البلاد المباركة في مختلف المجالات الأخرى، حيث راوح الفعل الثقافي في مكانه دون روح تطويرية ردحاً من الزمن ولا يزال يعاني من آثار هذه المراوحة البائسة إلى الآن في ظل سقيمتين لا يصح أن يتجاهلهما الملتقى وإلا أصبح عقيماً لن يلد نجاحاً.
تلك السقيمتان اللتان تهددان نجاح الملتقى هما: عدم وضوح الرؤية، وضعف المنهج! وحسبك بهما من سقيمتين تهددان كل زرع من زروع النماء أشد مما تهدده القوارض وعوادي الزمان!
ومما لا يجوز تجاهله أو القفز عليه أن المثقف السعودي ذو خصائص باهرة في ثقافته يستمد جذورها العميقة المتأصلة في فكره من الخصوصية التاريخية لبلاده حيث هي قبلة كل المسلمين في العالم أجمع وتحتضن أطهر مقدساتهم وتلتقي فوق ثراها الطاهر جموعهم الغفيرة في المناسك، فكيف وقد أسست الدولة السعودية المباركة على أساس إسلامي حافظت عليه هذه البلاد ودافعت ونافحت عنه منذ يوم ولادتها إلى اليوم وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها بإذن الله.
لقد تحدثت كما تحدث غيري في وسائل الإعلام المختلفة وفي الكتب عن كثير من صنوف معاناة المثقف السعودي في ظل عدم وجود منهجية رسمية تحرسها حماية راسخة لإبداعاته الفكرية والثقافية ولا سيما في مجال إتاحة الفرص له لاستثمار هذه الإبداعات حقوقياً في جانبيها الفكري والاقتصادي وفتح ميادين الإبداء رحبة بدون قيود عقيمة، فإذا تأكد للجميع أن العناية بالثوابت ورعاية الوحدة الوطنية مسلمتان لا يجوز المساس بهما تحت أي مسمى أو أية دعوة فإن قيوداً كثيرة خارج نطاق هاتين المسلمتين الثابتتين يجب أن تكسر إلى غير رجعة لتتنفس العطاءات الثقافية إبداعاً وسمواً.
وأحسب أن هذا الملتقى يحمل الآن الكثير من البشرى وأملي وأمل كل مثقف ألا يصبح هذا الملتقى كما هي حال كثير من الملتقيات حبراً على ورق يجف الحبر وتمحى كلماته وتحفظ الصفحات البيضاء في الملفات، تتعطر الجوانح بالأمل عند انعقادها ليتضح أن ذلك العطر بدون روح، أو أن ما انتظره المتشوقون على أنه مولود جميل أصبح حملاً كاذباً لم يجدوا فيه سوى فقاعات الصابون! إن أملنا في هذا الملتقى كبير وتحرسه ثقة كبيرة في المسؤولين في وزارة الثقافة والإعلام وعلى رأسهم معالي الدكتور فؤاد بن عبدالسلام الفارسي الذي هو في المقام الأول مثقف من أرباب الميدان الثقافي حيث مارس التأليف والكتابة الصحفية وقد خبر شؤون هذا الميدان ومعطياته وشجونه وتداعياته فهو حري أن يكون بيده الآن مبضع جراح ماهر يوجه المبضع إلى الجرح ليداويه وإلى مكمن الداء فيستأصله وتعود للجسم عافيته بإذن الله عز وجل.
لا ننكر أن التطلعات كبيرة نتيجة تراكمات الأيام بما حملته وناءت به من هموم ثقافية متنوعة وكثيرة وبحجم الأمل المسكوب في وجدان كل مثقف وهو يتابع بشغف مبادرات قيادته الحكيمة في كل مجال لتوفير أقصى درجات الرفاهية للمواطن أياً كان اهتمامه وأياً كانت تطلعاته لتشكيل منظومة العلاقة الراسخة بين الراعي والرعية وفق مستجدات العصر وبما يحقق متطلبات النهوض الحضاري، وهي منظومة أرسى دعائمها المؤسس الكريم الملك عبدالعزيز رحمه الله.


* عضو الجمعية السعودية للدراسات الدعوية

الصفحة الرئيسة
الملتقى الأول للمثقفين السعوديين
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved