الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 20th September,2004 العدد : 77

الأثنين 6 ,شعبان 1425

لا ترموا بمشكلاتكم..فالثقافة عطاء..
سلوى أبو مدين *
لعله سؤال بدهي، يلقي به أحدنا اليوم، ونحن على مرمى قريب من انعقاد ملتقى المثقفين السعوديين تحت مظلة وزارة الثقافة والإعلام، وهو الملتقى الأول، يمتد إلى ثلاثة أيام في عاصمة البلاد، ليقول من يهمهم هم الثقافة في بلادنا ما يدور في نفوسهم ويتطلعون إليه، ولعلي أقول إننا نريد أن نسمع كلمة مسؤولة ملتزمة، وما أكثر ما تعقد ملتقيات هنا وهناك، ثم ينفض السامر كما يقال، ولم يبق شيء سوى كلمات ترددها الألسن من حينٍ إلى آخر!
فالكلمة الجادة المسؤولة، تحمل رأي صاحبها، وأمتنا تدرك قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: (لا قول إلا بعمل).. وما أكثر ما يقول قائلنا في كل المناسبات، غير أن النتائج لا تفضي إلى شيء، وهذا المسلك ليس مسار أمة جادة لها هدف قويم، تعمل من أجله لتحققه في مسار الارتقاء الحياتي كما تعمل أي أمة حيّة طموحة على هذه البسيطة التي نعيش عليها.. وأنا اليوم عبر هذا الملحق الثقافي الجاد والرائد، لا ألقي درساً على مثقفينا، فهم أدرى بمسؤولياتهم ومنها الثقافة التي تجدي أهلها، والتي يمكن إيصالها إلى الوطن العربي حين تصبح ذات قيمة وهادفة وفيها حياة ومعنى ومبنى!
إن عالمنا العربي والإسلامي يقول كثيراً، غير أنه لا يفعل إلا أقل القليل، وهذا ليس مسار أمة قوية طامحة، وإنما هو مسلك أمة ضعيفة خاملة متراجعة، تقول مالا تفعل، وصاحب هذا المسلك لا مكان له في الحياة الجادة القوية، وإنما هو عبء على الحياة نفسها.. ولاسيما حينما يأتي هذا التخاذل من أمة ذات تاريخ راسخ في العمق والشجاعة والإباء والقوة وأمة تعيش على ماضيها وحده لهي أمة سادرة كسلى، لن تستطيع أن تعيش مع الأمم القوية، التي لم يفت في عضدها الكوارث التي حلّت بها، وأضرب مثلاً باليابان وألمانيا اللتين طحنتهما الحرب العالمية الثانية، وهما اليوم تتحديان الحياة والأقوياء على الكرة الأرضية، ليس بالكلام ولكن بالعمل الجاد القوي المتحدي!
سيقول المثقفون في ملتقاهم الأول إنهم يريدون الكثير الكثير، ومن حقهم أن يعلنوا عن إرادتهم، ولكن هذا وحده لا يكفي ولا يجدي إذا لم تصاحبه إرادة قوية منتجة وفاعلة ومتطورة في رؤاها وأدائها، تقول وتفعل وتتحدى نفسها قبل أن تتحدى غيرها.. وإذا كان ديدن أي أمة أن تحلم وأن تطالب بما تريد دون أن تشارك بما يرتقي بها وبمجتمعها، فالأنسب لها أن تظل نائمة، لأنها لم تعمل ما يمكن أن ينهض بها وبحياتها!.
ربما كان هذا الحديث يخاطب المثقفين وأكثرهم من حاملي الشهادات العليا، وكثير منهم في رأيي قنعوا بالشهادة الكبرى وناموا
عليها تحت الوسادة، وانتهت طموحاتهم إن كان لهم طموحات، وإذا سألت أحدهم، سيقول لك الكثير عما قعد به عن الارتقاء في حياته العملية والثقافية، وهو يعلم أن أمثاله في الوطن العربي أقل منه إمكانات مادية وحياة، ومع ذلك فإنه يكدّ ويضني ليكون، أما الذي يُؤثر الظل، فلا يجدّ ولا يكدّ، فقد قنع من الغنيمة بالإياب وآثر القناعة، وليس عنده شيء من طموح، وهذا النمط من النائمين إن صح هذا التعبير، لن يرقى بحياته، ولن يرقى بحياة أمته، بل هو عائل عليها لأنه بعيد عن الحياة الحقة، التي حث عليها الكتاب العزيز: (وقل اعملوا)!
لقد أصبح عندنا وزارة للثقافة كما هي الحال في الوطن العربي، ولن يكون لها دور ولا فاعلية إذا كان مثقفو الأمة يريدون من وزارتهم أن تكون كل شيء وأن تفعل كل شيء وحدها وهم يحلمون ويتفرجون، وأقول لهم إن الثقافة ليست أحلاماً وليست آمالاً، ولكنها وعي وطموح وعمل وسباق في ساحة الأحسن والأمثل والأقوى والأجدى شهادات عليا بلا روافد ونمو وعمق درس وعطاء لا قيمة لها ولا تفيد من هي عنده بشيء، لأن حامليها يصنفون في قائمة الخاملين والقانعين وليس عندهم حس الطموح والارتقاء!
لن نستطيع أن نصل إلى الوطن العربي الطموح بإنتاجنا السلبي الدوني، ولن يكون لنا وله مكانة عندهم إلا إذا غيرنا ما بنا إلى الأرقى نحو العلو البعيد وأن نعيش يومنا وغدنا بهاجس الارتقاء في كل شيء، في أخلاقنا، في تعاملنا، في قيمنا، في طموحاتنا، في أهدافنا.. ولا يمكن لأي أمةٍ على وجه هذه الأرض أن تنهض إلا إذا كانت لها أهداف ووسائل النهوض نحو الأسمى في حياة قوية، لا تعرف التردد ولا التراجع ولا الاستخذاء!
ولعلي أقول إن ظهور وزارة للثقافة عندنا، كان حلماً عند بعضنا، وستكون محك اختبار لكثيرٍ من مثقفينا، لنرى أهم في مستوى المسؤولية والاستجابة لما أرادوا وما حملوا أم هو حلم يشبه أحلام شهرزاد، ذلك أن الثقافة هم كبير ومسؤولية وأعباء ثقال، لا ينغمس فيها إلا من وهب نفسه لهذه المسؤولية، لتكون هاجسه وهدفه وعنوان حياته!
إنني أؤكد أن حاملي هم الثقافة الحقة في بلادي أفراد، وهم عنوان مشرق لبلادهم، غير أن الأكثرية من حملة الشهادات العليا في الأدب وشؤونه وشجونه، رصيدهم تلك الشهادات العليا فقط، لأنهم لا يعملون ولم يعملوا منذ أن حصلوا على تلك الشهادات، من زهاء عقدين وثلاثة، وربما رصيدهم أحلام معسولة، ولكن هذه الأحلام لا تحقق لأصحابها إلا المزيد من الاستخذاء، لأنهم لم يبرحوا مكانهم منذ نالوا تلك الشهادات في ورقها الصقيل، والممهورة بخاتمٍ من ذهب!
أنا لست متشائمة، لكن الذين فيهم هاجس العمل وطموحه, نراهم يعملون بدوافع داخلية فيهم، إذ ليسوا في حاجة إلى حوافز معنوية تدفعهم إلى العمل الذي يشرّف صاحبه ويبقى، لأن في تضاعيفه عناصر البقاء مع الأيام، لأنه قيمة.. وما أكثر الذين يباهون بأشياء ليس لها قيمة وليس فيها حياة، ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً!
لا أريد من مثقفينا أن يرموا بشكاواهم من خلال مؤتمرهم، تحت مظلة وزارة الثقافة والإعلام، ليقولوا: أعطونا، وحققوا لنا كذا وكذا.. فالثقافة عطاء أولاً وتضحية وهذا العطاء إذا كان راقياً ذا قيمة، فسوف يحقق لصاحبه قيمة في عالمه العربي ولوطنه قبل ذلك، والقيمة ليست مالاً،
لأن الثقافة أرقى من المال، وهي رسالة سامية، لا ينهض بها إلا أولو العزم من ذوي الإرادة والطموح!
وما يقال عن القوم في هم الثقافة يقال عن النساء، وأكثرهن لسن أحسن حالاً من الرجال، وقد قرأت كلمة الدكتورة لمياء باعشن في ملحق الأربعاء بتاريخ 1551425هـ، وكانت ترد على سؤال الأربعاء حول إيصال دعوات لنشاط نادي جدة الأدبي الثقافي إليهن، فقالت الدكتورة لمياء: (لن تجدي بطاقات الدعوة نفعاً في إحياء الوهن الذي يسري في الأجساد تجاه النواحي الثقافية والأدبية).
وكنت أظن أن سيداتنا المثقفات اللاتي كن يحلمن بزاوية أو زوايا يتحدثن من خلالها ويمارسن نشاطاً ثقافياً يرتقي بطموحهن أن أرى حماسةً وعطاءً متميزاً طموحاً للمرأة المثقفة غير أني من خلال إقامة نادي جدة لنشاطه السنوي: قراءة النص، رأيت هزالاً في مشاركة المرأة المثقفة، ولعل المسار واحد الذي يجمع بين المثقف والمثقفة، والعجيب أن الجنسين من الذين حضروا تلك الملتقيات الأربعة كلاهما أساتذة في جامعاتنا التي يتخرج فيها أجيال كل سنة، فماذا يكون مستوى الخريجين يا ترى؟ من خلال المحصلة التي شهدت عبر سنوات أربع؟ أترك الإجابة لغيري المدرك أكثر مني في تلك النتائج التي أستطيع أن أقطع بأنها لا يعوّل عليها، إلا إذا كان ثم ثقافة أخرى خفية لم نطلع عليها بعد، فالحكم إذاً سابق لأوانه!
والجيل الماضي من الأدباء والمثقفين على أي مستوى، ومن ذلك مستوى الطموح، ولكنهم أدركوا أنهم أصحاب رسالة شامخة عليهم أن يؤدوها، فقاموا بذلك في أحسن وأسوأ ظروفهم، وبقيت بصماتهم على صفحات الأيام شاهداً على مكانتهم وولائهم وصدقهم في تحمل رسالتهم التي أحبوها وعملوا عليها، وأدوها على أحسن وجه، لا يقال إن فلاناً حقق ونجح وأدّى، ولكنهم أدركوا متطلبات تلك الأمانة وحق المواطنة عليهم، فكانوا صادقين في انتمائهم وعطائهم، والصدق صفة الإنسان المثل، وهو ألصق الصفات بالمسلم. وأؤكد أنه ينبغي أن ننتج ثقافة ذات قاعدة قوية تتماشى مع التطور الذي أمامنا والتحديات التي حولنا من خلال آليات ثقافية مدركة واعية راقية، ونشر ثقافتنا في أنحاء العالم!
لعلي بما قدمت قد أشرت إلى الامتحان الذي ينتظر مثقفي وطني، وأطمع أن يكونوا في مستواه، بحسهم وإرادتهم القوية، ودورهم في أداء رسالتهم، التي هي عنوان أي وطن يعتز برموز مثقفيه، لأنهم جادون وعاملون وصادقون ومنتمون.. والله أرجو السداد والتوفيق لأمتنا في مساراتنا، للرقي بالبلاد وأهليها إلى خيرها وخيرهم!


* قاصة وكاتبة سعودية

الصفحة الرئيسة
الملتقى الأول للمثقفين السعوديين
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved