Culture Magazine Thursday  01/07/2010 G Issue 317
فضاءات
الخميس 19 ,رجب 1431   العدد  317
 
المضمرات الراكدة
خالد الخضري

الدكتور عبد الله الغذامي أعده فيلسوفاً، من أهم فلاسفة هذا العصر، فقد تجاوز كونه ناقداً أدبياً، وتجاوز كونه مفكراً ليتحول إلى فيلسوف يطرح رؤاه وأفكاره عبر أيديولوجيته الخاصة التي تعتمد على أنساق تأتي من مفكر تعمق في دراسة اللغة في أول الأمر ثم تدرج إلى دراسة النظريات النقدية التي قدم من خلالها دروساً ورؤى تمثل الأهم على مستوى الدراسات المطروحة باللغة العربية، فهو يمتاز بالتجدد من حيث الأطروحات والأنساق التي اشتغل عليها، ولعل أبرزها تفكيك نص «حمزة شحاته» في الخطيئة والتكفير، إلى أن وصل إلى النقد الثقافي الذي تحول فيه من العمل النخبوي البحت إلى دراسة السلوك الاجتماعي والخروج بنظريات من خلال هذا السلوك أو الظواهر الاجتماعية.

إذن: نحن أمام مفكر وقامة عملاقة في مجال البحث والدراسات، وبالذات إذا ما اعترفنا له أنه أهم منظري الحداثة، إبان ظهورها في الثمانينات من القرن الماضي، ولسنا بصدد ما كتبه في حكايته مع الحداثة الذي أرخ لمرحلة مهمة من مراحل التحولات التي عاشها المجتمع السعودي، عبر النخب المثقفة أو حتى السواد من العامة، لسنا بصدد ما قيل عن كتابه هذا الذي جعل البعض يتساءل عن أسباب تجاهله لعدد من الأسماء التي ساهمت معه في خوض هذه التجربة.

أتحدث عن اللقاء الذي أجراه الزميل سعيد الزهراني مع الغذامي في هذا الملحق والذي ورد فيه قول الغذامي صراحة «إن مقولة اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، أنها ادعاء واهم، وأن التاريخ كله يثبت أن أكبر وأعظم الحروب كانت بسبب اختلاف الآراء».

هذه الجزئية تحديداً قد أثبتها التاريخ المدون، كما قال الدكتور، ولكن عندما يشاع مثل هذا المثل بين الناس يمثل جانباً ايجابياً، وهو يدعوهم لأن يكونوا إيجابيين، فلماذا نستشهد على نماذج من خيبات الأمل التي تعرضنا لها عبر تاريخنا الدموي، المليء بالمأسي، لماذا نرتهن للأفكار النزقة التي عاشها أبطال تاريخيون، ونحن في عصر التحولات الذي يدعو إلى إشاعة الديمقراطية على مستوى العالم، إلى نشر السلم بين دول العالم والابتعاد عن كل وسائل العنف، سواء أكان هذا الأمر حقيقة مطلقة أم نسبية خاصة وأن الغذامي مثلي تماماً لا يؤمن بوجود الحقيقة المطلقة وبالذات فيما يخص الأفكار، لأن الأفكار بطبيعتها متحولة ومتجددة، والغذامي من خلال نسفه لفكرة «اختلاف الرأي لا يجب أن يفسد الود» يتناقض مع مقالة كتبها في مجلة الحوار -التي تصدر عن مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني- والذي أكد من خلالها أنه لا بديل للحوار إلا الحوار ذاته، معتبراً أنه هو الحل، والحوار كبديل، وكحل لكل الحلول لا يمكن أن يكون حوار إذا لم يتفق مع فكرة أنه لا يفسد الود، فالمتخاصمون لا يمكن أن يسود حوار بينهما، والمتعصب لرأيه -كما يرى الدكتور- لا يمكن أن يقبل الآخر، بل سيعمل على إلغائه، فالغذامي وأثناء الحوار دعا إلى صناعة الخصوم واختيارهم، وإن استشهد بالجاحظ في هذا الأمر، وحرصه على اختيار خصومه، أمر لا يمكن أن يتحقق في زمن انتشرت فيه الآراء عبر وسائل الإعلام المتعددة، واختلطت فيه الأفكار بصرف النظر عن مستوى من يطرح ذلك الرأي أو مقدرته على صناعة رأي، الجميع أصبح مشاركاً في صناعة الرسالة، الرسالة لم تعد مرسل ومستقبل وشفرة، كما هي في علم الاتصال بشكلها التقليدي، نحن في عصر التفاعل من قبل المتلقي الذي أصبح شريكاً للكاتب، وشريكا للمفكر، وشريكا للإعلامي، والفنان، وكل من يعمل على صياغة رسالة، وهذه الشراكة جعلتنا من المهم جداً أن نؤمن بنظرية «تعدد الآراء، تقبل الآخر في المقابل، وعدم التعصب لتلك الآراء» هناك فرق سيدي بين التعصب للآراء، وبين التمسك، أو الإيمان برأيك، فالذي لا يؤمن بالفكرة التي يطرحها هو شخص غير قادر على صياغة تلك الفكرة لأنه لا يملك القدرة على تبنيها، كما أن هناك فرق شاسع لدى من يتلقى الرأي، بين من يتلقاه مسفهاً صاحبه، أو غير مؤمن بوجود الرأي المخالف، الأمر الذي يخلق التشنج، ويخلق العداء، الذي يصل إلى العداء، والتكفير أو القتل، كما أشار الدكتور، أما عندما يحترم المتلقي الرأي المطروح، ويكون لديه القناعة الكافية بوجود الرأي المخالف عند ذلك تتولد فكرة الحوار السلمي الآمن، ومقال الغذامي -في مجلة الحوار- يشير إلى شيء من هذا الذي يتناقض كما أشرنا مع ما جاء في حوار المجلة الثقافية، الذي نقتبس منه هذه الجزئية مما قال: «ولا شك أن الحوار يكون قاسياً وحاداً، في بعض مناحيه، ولا شك أن بعض المتحاورين ترتفع درجات الضغط عندهم وكل هذا حادث وحاصل، وهناك من يسمي هذا بالصراع بدلاً من أن يسميه حواراً، ولكني أنا أرى أن توتراً يحدث نتيجة للحوار ليس سوى توتر لفظي يزيدنا اقتراباً من فطريتنا ويقلل نسبة الشكوك المتبادلة، ويكشف عن المضمرات الراكدة، وكلما تكشفت المضمرات سهل التعامل معها بواقعية من كلا الطرفين».

Kald_2345@hotmail.com الرياض
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة