Culture Magazine Thursday  02/12/2010 G Issue 323
فضاءات
الخميس 26 ,ذو الحجة 1431   العدد  323
 
تقريباً
الوثائقية.. جرح البيان
ضياء يوسف

بما أن الفن المفاهيمي هو دائماً مجال بحثي, فإني أشعر بالحيرة عند الكلام عن الصفة الوثائقية للبيان الفني للعمل. إن النظرة الفنية المعبر عنها من خلال قالب العمل لا يمكن أن تكون وثائقية. لأن تحليل المنجز يمكن بل وينبغي أن يتضمن مناقشة كيفية تنظيم الفنان لحياة عمله. لكن لا يمكن مناقشة المنهج المستخدم من قبل الفنان. ذلك أننا نفترض أن المتلقي الشكلاني الذي تعوزه الحساسية.. المتلقي الأكثر سطحية سوف يعجز عن التقدم عبر التفاصيل الوثائقية إلى الفن.. لدرجة يخفق معها في إدراك الرؤية الشعرية للعمل الفني.

هذا ليس رفضاً للبحث بالطبع إنما استهجان للنثر المبتذل. فعلى مستوى أعمق أعمق نعلم أن المعنى ودلالة العمل ومغزاه لا يمكن قياسها أو تقديرها إلا فيما يتصل بالشيء الذي يجعل الفنان فنانا بالأساس.. الدافع هو العامل الحاسم في هذا التوجه أما الطريقة والمنهج فهي أمور تصادفية وثانوية. وعلى البيان كخطوة في مواصلة جهود الفنان أن تأتي تأكيدا للعمل لا لتحطم أثر العمل نفسه. عند هذا فقط يمكن تجاوز معضلة أن يتحول إلى هدف ما عليه أن يكون وسيلة فقط.

إن التوكيدات غير المترددة لأفكار الفنان الخاصة هي ما يستحق التوثيق فقط. أي تعبير اختار لأجل هذا فهذا أمر راجع له. أما التناسب المفترض بين الشكل والمفهوم والاتحاد بين الإبداع النظري والممارسة فهذا يعود لشرط البيان كخطوة منطقية ثابتة يساعد تحديد حضورها تجاه شروط ومهام العمل على إيجاد معادل فني دقيق بين أفكار وأحاسيس المتلقي.

إن الحس الاختياري الدقيق الذي يكون فيه الفنان في صياغة بيانه يعد وضعاً صعباً بالنظر إلى طبيعة الخلق المفترضة لتجسيد فكرة يمكنها أن تتمدد وتكبر وتصغر في إطار اللغة. كما تكمن ذروة الصعوبة في ضرورة تحقيق التحام كامل بين تجربة تكتنز استعدادا مسبقا لإعطاء النظرية صيغة تامة في شكل العمل.. وبين مغامرة اقتراح معنى أكثر رسوخاً وثباتاً من ما يحد من تعبيرية العمل. بمعنى أنه من حيث يريد إجبار حياة عمله على أن تدوي بشكل نموذجي وتعبيري. عليه أن يتلبس خفة المراقبة المتواضعة البسيطة تجاه العمل.. ليعطي المساحة اللائقة بتأويل الجمهور. التأويل الذي ليأتي ناجحاً عليه أن يتحرر من التعميم العمدي لما هو ملحوظ لعين وإدراك الجمهور.

إن الوثائقية المتحكمة خطرة على الطبيعة المرنة لعجلة الفن حيث تسبح مراقبة الأفكار بشكل غير مألوف ومتجاوز في وعينا بالخاصية السامية للفن. وما يكسر من الحساسية الفريدة للمراقبة هو تلك العناية المفرطة بالتفاصيل التي توليها التوثيقية التي تنتصر بشكل تدريجي على فكرة العمل نفسه وفنية إخراجها إلى حيز الوجود. بل أصبح تصور مراحل إنجاز العمل وانتقال الفكرة من طور إلى طور لا أكثر من متطلبات ثانوية زائدة وربما أكثر.. مضجره! إن الوثائقية من شأنها أن تتناقض مع الحقيقة الفنية باتساعها.. ومع الحساسية الفنية لدى الفنان ولدي المتلقي.. بل ومن شأنها أن تتناقض مع العبقرية نفسها.. إذ صار الفنان يبدو أكثر ملموسية للجمهور بشكل فظ.

على البيان أن يغدو اكتشافا واستعارة من أجل البرهان وخريطة لخطاب يطول تأويله من أجل مجرى الحساسية الفنية.

الرياض
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة