Culture Magazine Thursday  03/06/2010 G Issue 313
أفق
الخميس 20 ,جمادى الآخر 1431   العدد  313
 
مقاربة
الشاعرة بديعة كشغري في ديوانها «لست وحيداً يا وطني»:
رسائل ألم لأوطان جريحة تعصف فيها الحروب
عبدالحفيظ الشمري

ترنو قصائد الشاعرة بديعة كشغري بعيون دامعة إلى ذلك الحلم البعيد، والمجد الأبيض الجميل هناك.. ذلك المتمثل في السلام الذي بات يعز على الطوى، بل صار إلى مجرد وعد يجتره الاستهلاك الرسمي، والرقص الشعبي، وللخطابات التضامنية الشكلية، بل أصبح مجرد ورود بلهاء لطاولات اللقاءات العقيمة، وشعارات لمناسبات الاعتصامات الزهيدة والواهنة.. تلك التي تجعل من حلم السلام مجرد نُفَاضة جِرَاب حرب مسعورة، أو باقي صُبَابة من ماء الحياء المغدور.. ذلك الذي يساوي بين الحب والحرب وبين الممكن والمستحيل، فالشاعرة بديعة لا تنجو أبداً من أهوال حزن القصائد بل غالباً ما تقع بما هو أشد ألماً.

فالشاعرة بديعة كشغري ذهبت ضمناً أبعد من ذلك حينما مهرت حبر القصائد في ديوانها «لست وحيداً يا وطني» على صقيل ورق الأمل بحثاً عن خيط ودٍ محتمل، أو قشة نعلق فيها نحن الغرقى في لجج وعود السلام الكاذبة لاسيما تلك التي تحاك عادة بعد الحرب، فليس بوسع الشاعرة إلا أن تصورها على هذا النحو الاستقصائي الأليم..

ديوان الشاعرة بديعة يأتي على هيئة بيان استدراكي لحالة الألم التي تخلفها الحروب على نحو قصيدة «من متون الأرض تنبع قصتي» وأخالها قصيدتي!! حيث تتلوى النبأ الأليم:

«من رجفة الموت

ينضج قانيا

والرصاص يقتحم الوريد

إلى الوريد.

كأني بالفضاء حشد مواسم ثكلى

أو طرائد من جماجم

لا تكذبها عيوني..»

تتراسل القصائد على نحو صور إنسانية معبرة يكون الإنسان والوطن هو محورها ورسالة وعيها، بل هو المحرك الجمالي الذي يحفظ للحزن هيبته وللجراح كبرياؤها رغم الألم.

قاموس الشاعرة هنا ينبئ بمحطات ألم قادمة حيث تفتش في جملها الشعرية بيأس عن الأمل، لأنها حقيقة تستحضر كشف حساب أليم للصراعات العقيمة، وفواتير الحروب الأليمة بل نراها تتفتق عن صور وبراهين تعكس للقارئ أن القصيدة في ديوان بديعة كشغري ليست نصاً فحسب إنما بيان ضد الجنون والهوس برغبة الحرب:

«خذوا ما أردتم من

بساتيني وزهري،

واقصفوا جوي وبري

أو أثباج بحري.

جردوني من غصوني

وأمطاري وشجري.

لكنكم لن تكشفوا سري»

فالفاجع الأليم الذي تكشفه الشاعرة هو أن وراء صور القتل ومشاهد الدمار رؤى تتعدى حدود الذبح اليومي للناس العزل إما لتركيعهم أو لنزع إرادتهم على نحو غزة وحصارها حينما وجد الأعداء الصهاينة ومن معهم أن الذين يموتون في المواجهة عاليو الهمم ومرفوعي الرؤوس.. فلم ينحنِ أي واحد منهم حتى وهو يموت وهذا ما صورته الشاعرة في قصيدتها «تعالوا صغاري» في الديوان (ص49) حيث أهدت الشاعرة هذه القصيدة لغزة وأهلها في الحصار الظالم.

فالقارئ المتأمل لديوان «لست وحيداً..» يدرك أنه أمام بيان إنساني متكامل سجلت فيه الشاعرة بديعة كشغري بيانها الرافض لكل أشكال الحرب وصنوف الدمار الذي يستهدف الإنسان البريء، فاللغة فريدة ومتجاوزة للخطاب المتألم إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث تأتي الفكرة مبنية على التراسل الفكري لكل قضية لا زلنا نتوارثها جيلاً عن جيل، بل تتمتع القصائد بحس واعٍ وبرؤية ناضجة تستدعي الأحداث بطريقة مبتكرة لتكوِّن لدى القارئ معادلة المتعة والفائدة ومحاسبة الذات.

***

إشارة:

لست وحيداً يا وطني (ديوان)

بديعة كشغري

دار الخيال - بيروت - (ط1) 2009م

يقع الديوان في نحو( 112صفحة) من القطع المتوسط

لوحة الغلاف للفنان عبدالرحمن السليمان والرسوم الداخلية

للفنانين نوال السريحي وإسماعيل شموط.

/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة