Culture Magazine Thursday  03/06/2010 G Issue 313
أقواس
الخميس 20 ,جمادى الآخر 1431   العدد  313
 
يرى أنها تعاني من « فرط الحركة وقلة الانتباه »
الماجد: الروايات إعادة لصفحات الحواداث وليس فيها نبوءة الفن

الثقافية - عطية الخبراني

فاجأ الكاتب والناشر عبدالله الماجد الأوساط الأدبية والثقافية، بما يشبه الصدمة، حينما أطلق رأيه المثير للجدل حول نشر الرواية السعودية وأنه لا ينشرها لأن هذه (الروايات) أصبح لها ناشرون يتاجرون في البذاءات، وتعرية المجتمع بما ليس فيه. ثم هم يدفعون أجراً لهذا النوع من النشر».

الثقافية التقت الماجد وتحدثت معه عن شجون الرواية والشعر والقصة والمسرح والفنون بشكل عام وخرجت معه بهذه المادة.

يقول الماجد مجيباً عن سؤال الثقافية حول رأيه عن نشر الرواية وهل ينكر أنها تعيش مرحلة ازدهار: في كلامك بعض الحقيقة أو جزء منها، وليس كلها، وأعترف بأن في كلامي هذا قسوة ولكن ليس فيه تجن؛ لم يكن بقسوة ما في بعض تلك الروايات، من سرد لوقائع «إخبارية» لا تختلف عما يجري في أي مجتمع نام انفتح بشكل مفاجئ على مجتمعات تمور بتفاعلاتها الاجتماعية المتلاحقة التي هي سببية لمراحل سابقة. ما أقرأه في بعض تلك الروايات لا يختلف عن إعادة لما في صفحات الحوادث في الصحف من مادة، وليس فيها استشراف للأحداث أو ما يمكن تسميته «نبوءة الفن» أو المحاكاة الدرامية التي قالها أرسطو منذ آلاف السنين، أن تنقل الواقع كما هو، فأنت مجرد «حَكاّء» يُعيد اجترار الواقع وأحداثه المتكررة، الواقع الصامت غير المتحرك، إلا في حركته اليومية الدؤوبة، أو تُعيد صياغة الواقع بصياغة فنية عالية، كاشفة لما يمكن أن يحدث أو يكون، فإن ذلك يرقى إلى مستوى الأعمال الفنية الأدبية المتميزة. وللأسف هذا هو ما نفتقده في معظم الأعمال الروائية السعودية التي صدرت خلال عقدين متتاليين.

ويضيف الماجد: ويبدو للناقد المتابع، أن صدور هذا الكم من الروايات، كان استجابة لنمو وحركية المجتمع، منذ صدور المجموعة القصصية ل «أحمد السباعي»، «خالتي كدرجان» منذ أكثر من نصف قرن ورواية «التوأمان» لعبد القدوس الأنصاري (1930)، وصدور روايتي «حامد دمنهوري» في شكلهما وبنائيتهما المتطورتين، منذ أكثر من أربعين عاماً «ثمن التضحية» (1959) و»مرت الأيام». وهذا الرأي صحيح من وجهة نظر أكاديمية تاريخية، لكن من وجهة نظر أدبية ترصد جودة العمل الفني لها خطورتها، إذا ما أصبح الإبداع الفني يلهث ويتعجل في مسابقة خطى تطور المجتمع، دون هضم للتجربة الفنية، حينئذ يصبح هذا الفن تقريرا ورجع صدى مباشر واجترارا لحراك المجتمع. وهذا الرأي ينطبق على معظم الروايات التي صدرت خلال العشر سنوات الماضية وحتى الآن.

ويستطرد الماجد قائلاً: ولو راجعنا تاريخ الرواية العالمية وحتى العربية، لوجدنا أن روائع الروايات هي نتاج بيئات مجتمعية سمتها ما يعكسه الفعل أو الحدث في بنائية وحركية تلك المجتمعات، التي تمور بالأحداث وتفاعلها، وعليك أن تراجع روايات الكتاب الروسيين ابتداء من «تولستوي» و»دوستويفسكي» و»مكسيم جوركي» وروايات الغرب الأمريكي، ثم ذلك الإبداع الذي انهمر من أمريكا اللاتينية معبرا عن حركة المجتمع وتحولاته، وكذلك الأدب الأوروبي الذي بدأ قبل أن تأخذ القارة تشكيلاتها الجيوبيلتيكية.

ويشير الماجد إلى أنه يقصد من كل ذلك أن فن الرواية يزدهر في المجتمعات الكثيفة التي تشكل الأحداث فيها ملامح الدراما الخارجية للرواية، وبلا شك أن المجتمعات الأدنى كثافة هي الأخرى ليست خارج نطاق وجود الرواية فيها. فحيث يكون الإنسان، تنشأ جدلية الأحداث مع الحياة، ولكن ليس بالكم الذي بدا عليه حجم إنتاجنا الروائي وفي مدة وجيزة. وربما أن سحر الرواية قد أغرى الكثيرين لكي يصبحوا كتاباً روائيين، وفيما يتعلق بمضمون بعض الروايات والأحداث التي تجري عبر الحدث الدرامي، فقد لاحظت سعياً مباشرا، وفكرة مسبقة وجاهزة لدى بعض الكتاب لإعلان تناقضات المجتمع من خلال ما يراه كشفاً للمستور الذي يتناقض مع الخارجي، ولا اعتراض على هذا الاتجاه لو تم في بناء روائي محكم ليس فيه افتعال وخطابية ونثرية حتى لو حاول كاتبها التستر خلف أساليب شعرية. لكنها حين تتحول إلى ما يشبه التقارير الصحفية وأخبار الحوادث تصبح إعلاناً مترصدا لاتهام المجتمع والتعريض به.

ولهذا فإن الماجد يرى أنه حينما يقول إن الرواية السعودية تمر بمرحلة المراهقة الفكرية والفنية، فإن رأيه هذا يصدم الكثير من الكتاب أنفسهم أو من المبتهلين بهذا الحراك الروائي. وبحسب الماجد فإنه وربما يصدق على توصيف هذا التزاحم في إصدار هذا الكم من الروايات، المصطلح التربوي والنفسي أنها تعاني من «فرط الحركة، وقلة الانتباه» فالسمة الطاغية على معظم ذلك الإنتاج الروائي هي: الانفعال بالفكرة، وتوظيفها على حساب الشكل الروائي، أي أن معظم التجارب الروائية تقوم على فكرة مسبقة تلح جاهزيتها على الكاتب على حساب الإبداع الفني.

ويشير الماجد في معرض حديثه عن الرواية إلى مثل أو نموذج الرواية العربية حينما كتب «نجيب محفوظ» روايته الرائعة «ثرثرة فوق النيل» لم يعترض عليها النقاد بحجة أن محتواها افتعال على مجتمعها أو أنها كانت انشقاقاً على المجتمع واعتداء على قيمه، بل جاءت انعكاساً لحالة مجتمع كان يعاني من أزمات، وأن هذا المجتمع مقبل على كارثة. فهذه الروايات صدرت عام 1966، وكانت أحداثها تدور في عوامة تطفو على النيل بما يرمز له من خلود وبما ترمز إليه هذه العوامة وبما ستؤول إليه الأحداث القادمة التي كانت ذروتها أحداث نكسة يونيو 1967. بعد أقل من سنة من كتابة هذه الرواية. إنها نبوءة الفنان في هذا العمل الروائي الرائع.

ويؤكد الماجد أن رواية «سفينة الموتى» لإبراهيم الناصر التي صدرت في الستينات الماضية وبما توحي به مما لا يزال ماثلاً حتى هذه الأيام، أهم بكثير من عديد من الروايات الحديثة التي صدرت بعد ذلك بأربعين عاماً، تلك الروايات التقريرية والمباشرة التي نالت شهرة وذيوعاً إعلامياً وصحفياً. وللأسف فإن معظم تلك الروايات هي أقرب إلى التحقيقات الصحفية أكثر منها فناً روائياً، وبلا شك فإن في أدبنا الحديث كتاب مهمون ومبدعون ورواياتهم علامات مضيئة في هذا التاريخ الأدبي، ولعل أهمهم الراحل «عبدالعزيز مشري» الذي أثرى هذا الفن بإبداعاته الناضجة فنياً، وكذلك بعض أعمال «عبده خال» الذي لا يزال مخلصاً لفنه بدأبه المتواصل.

ويمتد الحديث لينتقل إلى القصة القصيرة والشعر وموقعها من هذا الحراك الأدبي فيجيب الماجد قائلاً: قلت من قبل إن الفن القصصي، يزدهر وينمو في مجتمع مثل مجتمعنا الحديث وأحادية إيقاع الأحداث في هذا المجتمع تستجيب لها القصة القصيرة أكثر من الرواية، وأنت ترى معي أن لدينا أجيالاً من كتاب القصة القصيرة متميزون لا يقل فنهم عن أمثالهم في البلدان العربية، بل إن الشكل في القصة القصيرة يمتاز بالتطور والتحديث لطبيعة هذا الفن، وربما يكون هو الطريق لرواية ناضجة بعد ذلك، أما الشعر، فنحن سادته منذ بدايات هذا الفن، وقد شابه ما شاب الشعر العربي من تقليد، وظل لسنوات مخلصاً للنموذج الكلاسيكي الرديء فنياً. لكنه كان أكثر استجابة للتطور والتطوير في أشكاله منذ وقت مبكر سابق على ما تحاول الرواية أن تفعله. لدينا شعراء قاماتهم عالية لا تقل عن أهم الشعراء في البلاد العربية، وما يمكن أن يُقال عن الشعر يمكن أن يُقال عن الفن التشكيلي؛ فالقصيدة لوحة ناطقة واللوحة التشكيلية قصيدة صامتة لكنها في صمتها تقول أشياء كثيرة، لدينا فنانون تشكيليون لديهم الموهبة الفطرية التي تدعمت باستيعاب تقنيات هذا الفن، واستوعبت تطوره ومدارسه، ولأن الفن التشكيلي بطبيعته فن عالمي لأن لغته عالمية، فإنني أجرؤ على القول بأن لدينا فنانون عالميون في هذا المجال.

وفي مختتم الحديث حول الفنون يعرج بنا الماجد للمسرح فيقول: لابد أن نتفق على أننا نوصف حالة أو ظاهرة ثقافية –كما هو الحال في الرواية– المسرح من أعقد الفنون، وأكثرها عناء، لكي يكون لديك حركة مسرحية لابد أن تكون لديك بيئة مسرحية. أهمها إنشاء معهد للفنون المسرحية لإعداد الكوادر الفنية للمسرح، ثم إنشاء مسارح مجهزة للعروض المسرحية. كيف ننشئ ملاعب رياضية على أحدث مستوى وتقنية ولا ننشئ للثقافة مثيلاً لذلك. ثم هذه النهضة في التعليم العالي وانتشار الجامعات في أرجاء الوطن وليس لدينا -حسب علمي- جامعة أو كلية للفنون تلم شتات الفنون في إطار علمي أكاديمي! بعد ذلك يمكن أن نتحدث عن المسرح وغيره من الفنون. الفن التشكيلي تطور وازدهر لأنه فن فردي يقوم على موهبة الفنان الذي يصقلها بالتجارب ويستطيع أن يُعلم نفسه عن طريق القراءة وقراءة الأعمال الفنية في كل متاحف الدنيا. أما المسرح فهو فن المجاميع التي لابد من تدريبها وتعليمها من تمثيل وكتابة وإخراج وأعمال الديكور وإضاءة وغير ذلك مما يتطلبه هذا المجال الذي يجمع فنوناً في فن واحد.

ويذكر الماجد أن الراحل أحمد السباعي قد دعا منذ أكثر من نصف قرن لإنشاء المسرح، وهبت عليه عاصفة من الازدراء والتكفير لهذا الطلب واعتبر خارجاً عن النهج. وقد كررت هذه الدعوة بعد ذلك منذ أكثر من ثلاثين عاماً ولو أننا منذ ذلك الوقت أخذنا بتلك الدعوات لأصبح لدينا فناً مسرحياً يمتص كثيراً من التجهم والانشطار في التفكير الذي وجد الطريق خالياً فأخذ يصب في منهج واحد هو الوقوف أمام تطوير العقل وتهذيبه بالفن.

/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة