Culture Magazine Thursday  03/06/2010 G Issue 313
فضاءات
الخميس 20 ,جمادى الآخر 1431   العدد  313
 
مبتدأ القراءة
لمياء السويلم

يشكو المثقفون كثيراً من عدم وجود متلقي قارئ للإنتاج الثقافي الجاد والمكثف، ويرد المتلقون الاتهام بأن المنتج الثقافي جامد ولا يتعاطى مع رغباتهم، وهي الحلقة التي تفرغ مع الوقت ولا تجد من يحلها، فلا المثقفون استطاعوا أن يقنعوا بمستوى المتلقي والوصول إليه ولا القراء تمكنوا من التفاعل مع إنتاج المثقفين بما يرضي جهودهم، لهذا يشكل الجهل ونسب القراءة المتدنية حقائق متفق عليها بين الطرفين لكنما باختلاف جوهري في السبب، فأيهما يتحمل مسؤوليته وأيهما يتحمل اجتراح الحل..

يقابل هذه الحلقة في اللحظة الراهنة نشاط جلي للمقالات اليومية وكتابة الرآي، فتسابق الصحف على الأسماء الأكثر مقروئية وإزدهار المواقع الإلكترونية بالتعليقات هما من الإشارات الواضحة على هذا النشاط الذي يعبر عن التفاعل الحي والمستمر في هذا النوع من الكتابة بين طرفيه الكاتب والقارئ، وهي كحالة تفاعلية لها أن تدفع التفاؤل وتزيده من حيث إنها تشير إلى نسبة قراءة جيدة وإن كانت محدودة، وهي في وجهها الآخر تدل على النفس القصير لدى الطرفين في تناول المواضيع الذي هو ميزة من جانب ونقص في آخر، فالقدرة على إيجاز الفكرة بأسلوب لا يخذلها يساعد كثيرا في وصولها على الأخص مع متلقي يعتمد على الإدراك فقط في قراءته للمقالة، بينما هي نقص من حيث إنها تختزل الفكر بعملياته المعرفية المعقدة والعميقة في فكرة واحدة مشذبة وتحيله دوما إلى حالة رأي تثير جدالا أكثر منها جدلية.

وبين نسب المقروئية العالية للمقالات والنسبة الضعيفة لإنتاج ثقافي يمثله الكتاب غالبا، ثمة ماقد يخسره المجتمع في مرحلة مهمة بالنسبة له قد تشكل تحولا جذريا في تاريخه، إنه المنتظر من كتاب المقال اليومي بأداء دور الوسيط بين القارئ البسيط والمتلقي الصعب، وساطة معرفية تحفز القارئ إلى قراءات أطول وأعمق تنقله من المعلومة إلى المعرفة ومن الفكرة إلى الفكر، ومن الرأي إلى الرؤية، على الكتاب أن يدركوا بأن مايحققونه على مستوى المقروئية يحسب لقدرتهم على التعبير عن واقع الحال ومشاكل الحياة التي يستشعرها عامة الناس الذين يمثلون قراء الصحف والمقالات تحديدا، لكنهم بالمقابل يجنون من نتاج المثقفين السابقين اللذين هيئوا لهم هذا النجاح من خلال خلق حس القارئ البسيط ولفت انتباهه إلى أهمية القراءة في مرحلة سابقة كان المثقف قد نال بها من الرفض والنبذ الاجتماعي مالا يسهل تجاهله.

الحديث إذن عن الوساطة المعرفية لكتاب المقال الذين يدركون تماما كيف تناولت أقلامهم عنواين كبرى وأخرى فرعية لمختلف المواضيع في مجالات عديدة، لكن من اللافت للانتباه أن الكتاب حاليا ينخرطون في قراءة الظواهر الاجتماعية بشكلها المعاش وفي قدرتهم على نقدها و تصويرها بالكلمات بشكل يغيب عنهم مساءلة أهل الاختصاص وتحفيزهم لأداء أدوارهم، فليس من دور الكاتب أن يكون مختصا اجتماعيا بقدر ماهو يكمن في تفعيل دور المختص بين الناس، لأن الملاحظة الفردية للظاهرة على أهميتها لا تعادل الدراسة العلمية القائمة بمنهج الملاحظة، ولأن الكتاب يعرفون جيدا أنهم ليسوا معنيون بالحلول قدر تسليط الضوء حول المشكل، فإنه من دورهم أيضا تحريك دائرة القارئ إلى المقالات العلمية المختصة ومن ثم الإسهام في إثراء القراءة وتحفيزها نحو الأعمال الجدية والعلمية، وليست الظواهر الاجتماعية وحدها ما يجدر بالكتاب تفعيل أدوار مختصيها، إنما هو مثال ينسحب على غيره من المجالات الاقتصادية والسياسية والنفسية والفكرية، وليست الحالة الدينية بأقل حاجة في هذا، فكتاب المقال الذين استطاعوا إيصال القارئ البسيط إلى حقه في التفكير الديني الخاص دون وساطة يدركون أيضا أن هذه الخطوة المهمة سوف لن تثمر على المدى الأبعد طالما لم تتمكن أقلامهم على حث أهل الاختصاص الديني على الاجتهاد، لأن الكتاب يعرفون تماما أن رأي الدكتور الغامدي مثلا في الاختلاط يحقق دليلا وبرهاناً بالنسبة للعامة وخطوة رسمية يطمئنوا إليها أكثر من مئة مقال تناولت موضوع الاختلاط، إن أي نجاح للكتاب في هذا الموضوع يكمن في أمرين، أوله تشجيع الدكتور الغامدي على قول رأي المختص والجهر به بعد أن انكسر هذا التابو من خلال تراكم المقالات في الحديث عنه، وثانيها في تهيئة الناس لاستقبال رأي الشيخ الجديد عليهم كل الجدة.

يمكن هنا أيضا ضرب أمثلة في الأحداث الماطرة في كل من جدة والرياض، كان لكتاب المقال دور مفقود في عدم مسائلتهم المسبقة للمهندسين عن تقديم رؤاهم العلمية حول التخطيط والبنى التحتية في مدنهم، هذا لأن عشرة مقالات وأكثر تنتقد مشاريع في المنطقة الشمالية من العاصمة لا تنتج معرفة حقيقية فيها ولا تحفز القارئ للبحث حولها، عدا عن أنها لم تتمكن من تحريك المهندسين لتقديم مقالات في الاختصاص الهندسي مثلا.

إذن القول هنا ليس في التطور الاجتماعي الذي ينشده الجميع، كما أن الحل ليس في المقالات العلمية والدراسات المختصة إنما في كيفية تحويل دائرة القارئ وتفعيلها في دور فاعل حقيقي، مايجب أن يدرك اليوم هو أن القراءة لم تعد متدنية لأن الكتاب لا يحقق مقروئية، فمنتديات الإنترنت وروايات الجوال ومدونات الفيس بوك إشارات صغيرة وواضحة في آن إلى أن القارئ موجود، هو حتما ليس القارئ الجاد والمتمكن لكنه القائم بفعل القراءة ولو بأبسط أشكالها، إن منتدى رياضي كشبكة الزعيم مثلا تحقق نسبة تواجد تفوق نصف المليون هي دليل على فعل القراءة وإن كان في مجال رياضي محدد، المسألة هنا لا تتعلق بتفاؤل أو تشاؤم بمستقبل القارئ ونسبة القراءة، إنما هي محاولة أولية لاكتشاف أي إمكان يساعد على تحوير هذه الدائرة من التلقي في الفرد الواحد إلى دوائر متسلسة ومتراتبة تنتج وتتقاعل، تؤثر وتتأثر، فإذا كانت الكتابة هي الفعل الإنساني الأول في تدوين الحقيقة التاريخية فإن القراءة هي الفعل الإنساني الذي تتخلق عنه الكتابة وتتطلع إليه، وما بين الكتابة والقراءة شوق المبتدأ للخبر، فليبتدأ الكتاب أخبارهم.

Lamia.swm@gmail.com الرياض
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة