Culture Magazine Thursday  04/02/2010 G Issue 297
أوراق
الخميس 20 ,صفر 1431   العدد  297
 
تشويه الكتب

بحكم عملي في الكتب (ودروزتي) لها أي (تقليبها) طوال عقود في مكتبتي الخاصة، وفي مكتبة قيس للكتب والجرائد القديمة مرت عليّ (أو مررت على) موضوعات كثيرة تستحق الوقوف عندها. أهمها.. ما تتعرض له بعض الكتب من تشويه واختصار وإهمال لبعض الفهارس التفصيلية.

الهفوات النادرة

بين يدي الآن كتاب (الهفوات النادرة) الذي حققه د. صالح الأشتر رحمه الله (من سوريا) من مطبوعات: مجمع اللغة العربية بدمشق عام 1387هـ (1967م) الطبعة الأولى، عورضت بثلاث نسخ مخطوطة، مؤلفه: غرس النعمة أبو الحسن محمد بن هلال الصابي المتوفى سنة 480هـ.

جاء الكتاب في 542 صفحة، ومقدمة المحقق في 55 صفحة، وتضمن الكتاب أكثر من أربعمائة هفوة (أي زلة لسان) (405)

وفيه الفهارس التفصيلية التالية (9):

(الأعلام، البلدان والأماكن، الشعر والقوافي، الألفاظ والاصطلاحات الحضارية والغرائب، الألفاظ المشروحة، الآيات القرآنية، الكتب التي ذكرها غرس النعمة في المتن، الكتب والمراجع، محتويات الكتاب، ثم استدراك وتصويب.

النساء رياحين

هذا كتاب جديد للأستاذ د. عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر من كتبه الكثيرة (ما شاء الله)، أورد فيه هفوة نقلها من كتاب الصابي وهي عن المرأة التي أنقذت زوجها لما تورط بهفوة (زلة) حين اشترى ذلولا، وجدها صعبة عسرة فحلف أي يبيعها بدرهم، فاحتالت له زوجته بحيلة جميلة.

وهذه الهفوة نقلها د. الخويطر من الكتاب الناقص المشوه (الذي سيأتي ذكره) وذلك من ص58.

ابن عربي

(ابن عربي .. موطد الحكم الأموي في نجد) كتاب قيّم ألفه الشيخ حمد بن محمد الجاسر رحمه الله، أورد فيه هفوة نقلها من الكتاب الذي أتحدث عنه (الهفوات النادرة)، نقلها من الكتاب الأصل (قبل التشويه)، وهي تتعلق بحادثة طريفة بين المهاجر بن عبدالله الكلابي والي اليمامة وجماعته (ربعه)، جاءت في كتاب الجاسر ص (230) وفي الهفوات ص (371).

الطبعة المختصرة المشوهة

عمد أحد الإخوة (المتحذلقين) إلى كتاب (الهفوات النادرة) فحذف أكثر من نصفه، أثبت فقط 185 هفوة، وحذف أسقط (رمى) الباقيات، وعددها 220 هفوة، زاعما أنه هذب الكتاب، مبرراً عمله الذي يخالف الأمانة العلمية، ويخالف ما أراده المؤلف والمحقق الذي لم يستأذنه قبل وفاته، مما قد يعتبر سرقة أدبية، واعتداء على الحقوق الملكية (بكسر الميم وإسكان اللام)، برر علمه بقوله: ((إن المؤلف قد أرسل للقلم خطامه، فأورد الأخبار بلا تحفظ، مما قد يستقبح ذكره أو ما يجب ستره، فأحببت أن أهذبه وأنقيه مما قد علق فيه)). وهذه الطبعة الجديدة الناقصة طبعت مرتين، الأولى سنة 1419هـ، والثانية سنة 1425هـ وكتب عليها الطبعة الأولى، كما كتب ذلك على تلك الطبعة الأولى.

وقد حذف من هذه الطبعة -إضافة إلى الهفوات الـ220- مقدمة المحقق (55 صفحة) التي تضم فوائد كثيرة ومعلومات مفصلة عن المؤلف ومخطوطات كتابه، والفهارس التفصيلية التي تقدم ذكرها. وقد أتى المختصِر (بكسر الصاد) بفهرس مختصر جداً للهفوات التي أبقاها بدون حذف أو رمي!

كلام عجيب

والعجيب الغريب أن هذا المختصر (ع. ع. ح.) نقل كلاما ل(ابن قتيبة) بدأه بقوله (وليس لي قبل ختام هذه المقدمة (القصيرة جدا) إلا أن أذكركَ بقول ابن قتيبة ((واعلم أنك إن كنت مستغنيا عنه بتنسُّكِكَ، فإن غيركَ ممن يترخص فيما تشددت فيه محتاج إليه، وإن الكتاب لم يعمل لك دون غيرك، فيهيأ على ظاهر محبتك، ولو وقع فيه توقي المتزمتين لذهب شطر بهائه وشطر مائه، ولأعرض عنه من أحببنا أن يقبل إليه معك)) (عيون الأخبار). وهذا الكلام الذي أورده المشوِّه (بكسر الواو) عليه.. لا.. له، فليته عمل به ولم يشوه الكتاب.

مثال لما حذف

ولأثبت للقارئ خطأ صاحبنا الذي اختصر الكتاب (اختصاراً مخلا جداً) سأورد فيما يلي الهفوتين الثانية والثالثة اللتين حذفهما ورماهما.. وسترى أخي القارئ أنه ليس فيهما ما يوجب إبعاد هاتين الهفوتين (المسكينتين) وأمثالهما.. وهاهما:

2- وحدثني الوزير فخر الدولة أبو نصر محمد بن محمد بن جهير قال: حضر رسل نصير الدولة أبي نصر بن مروان الكردي أمير آمد وميافارقين (وأعمالها) عند معتمد الدولة أبي المنيع قرواش بن المقلد أمير بني عقيل، يستحلفونه على معاهدة بينت، ومعاقدة قررت، وفيهم المنازي الشاعر، فلما حلف معتمد الدولة أنشد المنازي:

كلفوني اليمين فارتعت منها

كي يغروا بذلك الارتياع

ثم أرسلتها كمنحدر السي

لـ تهادى من المكان اليفاع

فقال له قرواش: يا ويلك، قبحك الله وقبح ابن مروان، ما هذا الكلام! وبدا الشر في وجهه، وكاد يكون ذلك اليوم آخر أيام المنازي من عمره، فبدأ المنازي باليمين الغموس أنه أنشد ما أنشد عن سهو لا (عن) روية، وباتفاق سوء لا عن قصد ونية، فتحقق ذلك قرواش وصدق قوله، لأنه مما لا يقدم عليه مثله، فأغضى وعفا، عما غلط فيه وهفا.

3- وحدثت عن بعض المغنين قال: حضرت عند شرف الدولة أبي المكارم (مسلم) بن قريش بن بدران أمير بن عقيل يوما أغنيه، وجرى حديث عميد الملك أبي نصر الكندري -رحمه الله- وزير طغرل بك، فذكرت من محاسنه وما كان يستعمله معي ومع أمثالي من العطاء الذي مولنا، والإنعام الذي خولنا، طرفا قويا أسرفت فيه وزدت قصدا (لتحريك) مسلم لمثله، ثم انتهت نوبة الغناء إلى حيث انتهى ذكري لعميد الملك وترحمي عليه، فضربت وغنيت:

قواصد كافور توارك غيره

ومن قصد البحر استقل السواقيا

فقال لي مسلم: قبحك الله ما هذه المعاشرة! فاستيقظت لغفلتي وحلفت أنني لم أقل ما قلته عن نية فيه ولا عزم عليه، إلا بحسب ما اتفق لي وعرض على قلبي، وخفت بادرة شره، فكفى الله تعالى وأمسك عني. رحم الله المؤلف والمحقق، وعفا عني وعن المختصر.

هارون الرشيد

في مقال سابق لي قبل سنوات -لا أدري أين نشر- (إذا كان نشر)، قلت إن كتاب (هارون الرشيد) الذي ألفه د. عبدالكريم الجومرد (من العراق) وطبعته المكتبة العمومية ببيروت عام 1956م، وجاء في 628 صفحة، هذا الكتاب (ظل عقودا) لم تعد طباعته، رغم أنه مهم جدا، فقد أنصف الخليفة هارون الرشيد مما اتهمه به الشعوبيون.

وكتب عنه الأستاذ فيصل حسون مقالة في جريدة البلاد بتاريخ 27-3-1407هـ عنوانها (كتاب جليل لم يطبع سوى مرة واحدة خلال 30 عاماً، سيرة هارون الرشيد، وجرأة النزعة الشعوبية على تشويه تاريخه). وأشرت مرة إلى الكتاب وإلى مقال حسون، كما أشرت إلى كتابين آخرين يجد القارئ غلافيهما مع هذه الكلمة.

اليوم أتحدث للقارئ الكريم عن طبعة جديدة بها تشويه للكتاب، إنها طبعة شركة المطبوعات للتوزيع والنشر في بيروت عام 1999م وزعم الناشر أنها الطبعة الأولى.

وقد حذف الناشر من الكتاب ما أثبته المؤلف في الكتاب قبل مقدمته بعنوان (قيل فيه) (أي في الرشيد) لكل من: الجهثياري، الجاحظ، الطبري، ابن خلّكان، الطقطقي، الأصمعي، ابن عبد ربه، الخطيب البغدادي، ابن خلدون، ابن قتيبة.

ثم حذف ناشر هذه الطبعة (المتقدم ذكره) ما يلي:

- المراجع الأجنبية.. (الفرنسية، والإنكليزية) 9 مراجع.

- فهرس الأعلام، 12 صفحة.

- فهرس الشعوب والقبائل 4 صفحات.

- فهرس الأماكن، 6 صفحات.

كما حذف -سامحه الله- ذكر كتب المؤلف.. وهي:

- الدستور العراقي، طبع في باريس عام 1941م باللغة الفرنسية.

- مأساة فلسطين العربية، طبع في باريس عام 1945 باللغة الفرنسية.

- الأصمعي.. حياته وآثاره، طبع في بيروت 1955م

- هارون الرشيد دراسة تاريخية اجتماعية سياسية (وهو هذا).

كتب أخرى

كثيرة هي الكتب التي رأيتها وفيها مثل هذا التشويه، ولكني لا أذكر منها الآن سوى الكتابين المتقدمين.

كتب حققت أكثر من مرة

ورأيت كتبا كثيرة -في مكتبتي ومكتبة قيس- حققت أكثر من مرة، أثبتُّ بعضها في ورقة علقتها في المكتبة (ليست أمامي الآن). ويحضرني منها: (شعر يزيد بن الطثرية) الذي حققه كل من د. ناصر بن سعد الرشيد، ود. حاتم الضامن من العراق. وكتاب: الدرر المفاخر في أخبار العرب الأوائل والأواخر (قبائل العرب)، تأليف محمد بن حمد البسام. حققه: سعود الجمران العجمي (1401هـ)، وحققته د. رمزية الأطرقجي (من العراق) (1989م). كتاب: من غريب الألفاظ المستعمل في قلب جزيرة العرب

في مقالي السابق المنشور في هذه المجلة العدد .... في ......... أثنيت على كتاب شيخنا محمد بن ناصر العبودي (معجم الأصول الفصيحة للألفاظ الدارجة) ببعض ما يستحقه، وبعد إرسال المقال للمجلة تذكرت أن لدي كتابا في نفس الموضوع للدكتور عبدالعزيز بن محمد الفيصل، بحثت في مكتبتي فلم أجده في الفهرس لأني نسيت اسمه، فلجأت لاسم المؤلف، ولما أخرجته ألفيته جيدا في بابه، بذل المؤلف الفاضل جهدا كبيرا في إعداده. وقد قارنت بين الكتابين في كَلِمَتَيْ (دردب ودلبح) فوجدتهما متفقين على أن يدردب: يسمع لشربه أصوات، ويدلبح: يطأطئ رأسه، إلا أن العبودي يتوسع في ذلك ويورد شواهد من الشعر العامي والفصيح، بينما الفيصل يورد شواهد من الفصيح فقط. كتاب د. الفيصل مجلد واحد صفحاته 436، بينما كتاب الشيخ العبودي 13 مجلدا. قال د. الفيصل في مقدمة كتابه القيّم ((يشتمل هذا الكتاب على كلمات قلّ استعمالها في مجتمعنا، مع أنها كانت قاعدة اللغة في قلب جزيرة العرب، فيها يدور الحديث، وعن طريقة التلفظ بها يتم التفاهم، ولما رأيت قلّة استعمالها، وأن المتحدث يتهرب منها إلى غيرها.. الخ))

الشيخ العبودي والأزهري

مصادر العبودي -كما أسلفت في مقالي السابق- 354 مصدرا ومرجعا، لعل من أهمها (تهذيب اللغة) للأزهري الذي عاش مع الأعراب في الدهناء والصمان (ردحا من الزمن). ولما أورد العبودي كلمة دلبح نقل عن الأزهري أنه قال: ((قال لي صبي من بني أسد دلبح أي طأطئ رأسك)) وقد علق أبو ناصر على ذلك قائلا: ((لا يزال بنو قومنا يقولون ذلك، ولو بعث الأزهري بعد هذه الألف من السنين الذي انقضى على وفاته، وذهب إلى الأعراب الموجودين في بلادنا الآن، (وليس منهم بنو أسد الذين ذكرهم) لسمع من صبيانهم من يقول له مثل هذا القول إذا احتاج المقال إلى ذلك، إلا أن ذلك الغلام لن يكون من بني أسد، لأن بني أسد لا تعرف لهم الآن بقية في أعراب نجد)). والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

محمد بن عبدالله الحمدان مكتبة قيس www.abu-gais.com
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة