Culture Magazine Thursday  06/05/2010 G Issue 309
فضاءات
الخميس 22 ,جمادى الاولى 1431   العدد  309
 
نجاح المرأة السعودية:
نماذج فردية بين الإلهام والتقييم
لمياء السويلم

كيف يمكن للنماذج الفردية أن ينصفها التاريخ وتجحف هي مجتمعاتها، فاليوم حفظت وستحفظ المرحلة أسماء ذهبية من الأعلام من النساء السعوديات عدداً كبيراً ويزداد، لكنهن عند قراءة الواقع ووصف الحالة الاجتماعية للمرأة سوف لن يخرجن عن كونهن عدداً لا نسبة وأفراداً لا مجتمعاً.

في غالب المجالس النسائية العامة في السعودية لن يشكل استحضار أسماء النماذج الفردية الناجحة أي أثر قاطع في حالة الاختلاف حول الحكم بإمكانية استقلال المرأة أو قدرتها على خرق الشروط الواقعية كما تتمثل في الذهنية الاجتماعية، ذلك لأن العموم من الناس لا يغيرون اعتقاداتهم أو يراجعون مسلماتهم وبداهاتهم بدافع منهم إلى الأفضل أو بنزعة فردية للتقدم، ولا من خلال محاكاتهم لسير الآخرين الذاتية. هذا لأن مايتردد دوماً حول تشكيل النماذج الفردية حالة إلهام للآخر لا يصح إلا ضمن مجال ٍ ما محدد كالفن أو الرياضة أو حتى العلم، مايبدو مع الوقت أن في الإصرار على تقديم هذه النماذج المختلفة للعامة ليس إلا عملاً تسويقياً لأصحابه أكثر منه محاولات جادة لتغيير الرأي العام أو تعديل اتجاهات الفكر الشعبي.

إن في المحاولات المختلفة لقراءة وضع المرأة السعودية أو حتى المرأة في السعودية تكراراً واضحاً لخلطين، الأول بين النتائج والأحكام والثاني بين الإمكانات العامة والنماذج الخاصة، وهي حالة معرفية تتكشف عن تأزم عميق على عدة أصعدة، ففي الخلط الثاني تكشف الحاجة إلى إثبات إمكانات وقدرات الأنثى عن ما يحيل كل تجربة خاصة إلى أنموذج يمكن تعميمه، فيجعل على سبيل المثال نجاح مديرة الأعمال تدليلاً أو برهاناً على قدرات المرأة الاقتصادية، لكن واقع هذا الأداء الدلالي لن يشكل زحزحة فكرية أو تغييراً معرفياً عميقاً، ولن يفيد إلا في المحاججة والمجادلة فقط، فقد نتغلب بالرأي من خلال سردنا لبعض النماذج الفردية كلبنى العليان مثلا، لكن ربة المنزل المرأة أو حتى الموظفة لن تلهمها المرأة الأخرى التي تدير آلاف الموظفين وتتصرف بالملايين وأكثر وقد تؤثر بقرارات الغرفة التجارية حيناً، لأن الذهن الاجتماعي أو العقل الجمعي اللاوعي يميل إلى تحييد هذه النماذج وتعطيلها من خلال أسطرتها وحصرها في فئة المختلف الاستثنائي فتبقى أسير اللامفكر فيه، كما أن الفرد على المستوى الشخصي ينظر إلى من يجده في مثل ظروفه وأحواله وينعكس فيه شيئاً من نفسه، إن حالة امرأة واحدة ليست من أعلام النساء استطاعت خلع زوجها ستشكل حالة واقعية لجاراتها وسكان حارتها ومثال يمكنهن من قياس أنفسهن عليه لأنهن قد شهدن معاناتها اليومية وصراعها مع الحرية بالمفهوم الذي يستطعن فهمه ومن ثم إدراك ما أثمر عنه قرارها الشجاع.

كما أن تقييم وضع النساء في بلد ما لا يعتمد تعداد نماذج النجاح الفردي، فلا يمكن بأي حال قياس حرية المرأة الألمانية من خلال رئيسة الوزراء أنجلينا ميركل فقط بل من خلال الملايين من النساء الألمانيات اللاتي يملكن حقوقهن المدنية كاملة، لأن في المقابل من يرأس دولة الفلبين هي امرأة أيضاً فهل يمكن اعتمادها دليلاً على وضع النساء الفلبينيات عموماً، ومن ثم تساوي وضعهن مع نساء ألمانيا في الاستقلال والحقوق ! إنجلينا ميركل وجلوريا أرويو هما مثال النماذج الفردية التي تتعادل رغم اختلاف الهوية والظروف وشروط الواقع، لكن أن يحصل عالم كيمياء عربي وآخر ياباني على جائزة نوبل لا يعني بأي شكل تعادل الدول في مجالات هذا العلم، فالجزء يمثل الكل لكن لا يساويه والمجتمعات الإنسانية أعقد وأوسع أفقاً من تناولها أفراداً.

النماذج الفردية نجاحات شخصية وخاصة وليست حالة نبوة تدعو للاتباع، والمجتمعات عموماً والنساء هنا لسن بحاجة إلى الانبهار والدهشة بتلك النماذج، المرأة كفرد في مجتمعه لا تبحث عن حقيقة نجاح عالمة كحياة سندي أكثر ما تخضع لخيالها الخاص، والتغيير الذي تنشده النساء أو ينشده البعض لهن لن يتحقق في تعامله مع حياتها كسيرة مهنية تتطلع إلى الأنموذج الأفضل، بل من خلال الإدراك لذلك المخيال الشعبي الذي يحركها ويشكل دوافعها على وجه غير واعي، المورث المعرفي الجمعي للشعوب يكمن غالباً في اللاواعي من العقل، وليس في أي محاولة لإقناع الأنثى بإمكانياتها وقدراتها مايفيد طالما لم تتبصر بتلك القيود المعرفية التي تحكمها ويسميها المنظرون وهماً، الوهم لصاحبه حقيقة ومعاداته تساعد على ترسيخه أكثر من زحزحته، ولتفكيك المسلمات والبداهات كونها لاواعية بالأغلب يحسن معادلتها بنماذج تماثلها أو تمثلها كالمرأة التي عانت من زوجها واستطاعت خلعه أو المرأة التي أحالت مطبخها المنزلي إلى مطعم أو مهاراتها في النسيج إلى مشغل، هذه الأمثلة البسيطة هي التي يمكن لأنثى الفرد البسيط أن تعيها وتحاكيها، ففي الصراع الفكري والحوار المعرفي علينا أن نواجه المتدين بمتدين لا بملحد والشيوعي بشيوعي لا بمسلم.

يبقى السؤال عن الخلط الأول هل الهدف من التقييم هو الخروج بحكم أو نتيجة، والافتراض هو في عدم تصدير الأحكام لأن التحكيم يحمل الجائز والمحرم ويترتب عنه الثواب والعقاب وهو مالا يصح في التجارب الإنسانية لا في واقعها ولا في علمها التجريبي، فالنهضة والتنوير والحداثة ومابعدها هي نتائج تلك المراحل التاريخية لا حكماً عليها، وما يفترض في التقييم كعمل هو البحث عن هذه النتائج التي تمكن من التقويم بشكله تفادياً للخطأ واستيفاءً للصواب.

نجاح المرأة السعودية، هو حكم لا يحمل خطأه الموضوعي فقط، بل يحمل قولاً هو وجهه الآخر، فإن كان ما وصلت إليه النساء في البلد اليوم يمثل نجاحها فماذا نريد منها غداً ولماذا نبحث الحال، نفكر، نطالب، نرفض، نقبل، لماذا نقرأ الظواهر والبواطن ونسعى على تقييمها إن كنا حقاً قد بلغنا النجاح..

Lamia.swm@gmail.comالرياض
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة