Culture Magazine Thursday  06/05/2010 G Issue 309
فضاءات
الخميس 22 ,جمادى الاولى 1431   العدد  309
 
فلسفة (الحياة).. و(عقوبة الموت)
حين يغضب (المنشار)/(SAW)
عمر بن عبدالعزيز المحمود

تقديم:

(أنا مُستاءٌ من الناس الذين لا يُقدِّرون النِّعَم)!، (بعضُهُم لا يستحقُّ الجسد الذي يَمتلكه، والحياة التي وُهبت له)!، (مَن لا يُقدِّر الحياة لا يستحقُّها)!، (الكثير من الناس يُنكرون نعمة الحياة)!

تكشف هذه العبارات عن (الفكرة) التي كان (جون كريمر) John Kramer قد آمن بها بعد أن اكتشف إصابته (بالسرطان)، ولم يستطع جسده أن يتحمل الخلايا السرطانية التي بدأت تنخر فيه، مِمَّا جعل موته قريبا جدا، ولذلك هو يُحاول (الانتحار) أكثر من مرة لكي يتخلص من العذاب والألم الذي يعانيه، لكنه يفشل في كل مرة، ويقرر بعدها (إنهاء حياته الطبيعية)، والعزم على بداية حياة أخرى مع (عمله الجديد) المتمثل في (اختبار بنية الطبيعة البشرية) طوال المدة المتبقية له في هذه الحياة، هذا الاختبار الذي يقتضي الإيقاع بأشخاصٍ يُعانون من مشاكل شخصية في حياتهم ليمتحن (مدى قدرتهم على البقاء على قيد الحياة) عبر فخاخ مُرعبة ومُميتة!

هذه هي (الفكرة) الغريبة والشيقة التي تقدمها سلسلة (أفلام الرعب) الشهيرة SAW بأجزائها الستة التي صدرت حتى الآن، وهي فكرة لافتة تَختلف عن أفكار بقية (أفلام الرعب) التي تقدمها (السينما العالمية) بين الحين والآخر، تلك التي تعتمد في أغلبها على التخويف (المبالغ) فيه، وتَعمُّد إفجاع (المتلقي) بالمشاهد (المتكلفة) والأصوات العالية للوصول إلى بث (الرعب) في نفوس (المشاهدين) دون أن يكون (للفكرة) التي يَحتويها (الفيلم/ القصة) أو (الموضوع) الذي يقدمه أي أهمية بعد ذلك، ودون أن يهتم كاتب القصة بربط (الأحداث) وتسلسلها تسلسلا منطقيا، وهو الأمر الذي يهمله كاتبو هذه النوعية من الأفلام مركزين على (طريقة الإخراج) و(تقنية المشاهد) و(الموسيقى المصورة) فحسب، مِمَّا يُوقعهم في فَخِّ (التكرار الممل)، و(العرض المبتذل). ويبدو أن القائمين على هذه السلسلة قد أدركوا ذلك وحاولوا تلافي كل ما من شأنه أن يَجعل (المتلقي) الذي يعشق هذا النوع من الأفلام يُعرِض عن (صالات العرض) و(مسارح السينما)، وأحسب أنهم قد نجحوا في ذلك؛ بدليل (استمرار) هذه السلسلة حتى يومنا هذا، و(الإقبال الشديد) عليها، و(الأرباح الخيالية) التي تَحصل عليها كل سنة؛ فقد صدر حتى الآن (ستة أجزاء) كان وقت صدورها كالآتي:

1- الجزء الأول SAW صدر في 29 أكتوبر 2004م.

2- الجزء الثاني SAW II صدر في 28 أكتوبر 2005م.

3- الجزء الثالث SAW III صدر في 27 أكتوبر 2006م.

4- الجزء الرابع SAW IV صدر في 26 أكتوبر 2007م.

5- الجزء الخامس SAW V صدر في 24 أكتوبر 2008م.

6- الجزء السادس SAW VI صدر في 23 أكتوبر 2009م.

وقد أكد كاتب سيناريو سلسلة (أفلام الرعب) الشهيرة SAW (ماركوس دونستان) Marcus Dunstan أنه لن يتم إنتاج (الجزء الثامن) كما كان منتظرا؛ وبالتالي سيكون (الجزء السابع) SAW VII هو (الجزء الأخير) المقرر عرضه في الثاني والعشرين من أكتوبر 2010م حسب موقع الأفلام IMDB.

إبحار:

(الفلسفة) التي يَحملها (الفيلم/ القصة) بأجزائه الستة تتمحور حول (التعريف بقيمة الحياة)، وترتكز على الدعوة إلى (رؤية الحياة من منظور مختلف)، وذلك عبر أساليب أقل ما يُقال عنها أنها (مأساوية) و(مُميتة)، ويتمثل ذلك في إجبار الذين لا يُقدِّرون نعمة الحياة على تقديرها، وإشعار أولئك الذين لا يُحِسُّون بنعمة البقاء بقيمتها، ومساعدتهم في تغيير أنفسهم وإيجاد أهداف لحياتهم! هذه هي (الفلسفة) التي يُقدِّمها إلى (المتلقي) بطل (الفيلم/ القصة) (جون كريمر) أو ما عُرف بعد ذلك في أوساط (الشرطة الفيدرالية) FBI و(أجهزة الإعلام الأمريكية) والمجتمع ب(جيجسو) Jigsaw الذي يقوم بدوره الممثل الأمريكي Tobin Bell الذي كان أداؤه رائعاً في تقديم هذه الشخصية ذات الفِكر المجنون والجديد في الوقت نفسه؛ فقد كان (جيجسو) يقوم بقتل كل من لا يعطي قيمة لحياته ويعرضه لاختبار الموت، غير أنه لا يعد نفسه (مسؤولاً) بشكل مباشر عن هذا الموت، إنما هو فقط يدير هذه الاختبارات المميتة من مكان بعيد؛ حيث يقول إن مستقبل (الضحايا) يعتمد على (قدرتهم على البقاء على قيد الحياة)! لذا فهو يقوم بنصب عدد من (الأشراك) للإيقاع بأولئك (الضحايا) بسبب (المشاكل) التي أوجدوها لأنفسهم في حياتهم الشخصية؛ لذا فهو لا يعد نفسه قاتلاً على الإطلاق، بل يربط موتهم بفشلهم في تلك الاختبارات، وهذا هو السر في (بروده العجيب) حين يقوم بِمثل هذه العمليات ومراقبتها أو حين يتحدث مع (الضحايا) قُبيل أن يقوم بأعماله المجنونة بهم، وذلك عندما يستيقظون من (المخدر) الذي وُضع لهم لحظة (الاختطاف)، إضافة إلى إيمانه التام بفكرتين: الأولى: (استحقاق الضحية) لهذا الجزاء من جرَّاء (عدم تقديرها لحياتها)، والمشاكل التي سببتها لنفسها أو لعائلتها أو لمجتمعها. الثانية: (الفعالية التامة) لهذه الأساليب وتلك العمليات في إشعار (الضحية) (بقيمة حياته) من وجهة نظره. و(الفيلم/ القصة) يُخبرنا أثناء ذلك بالحياة السابقة لهذا الرجل العجوز الذي ناهز (الخمسين) عاما، فقد كان (مهندساً) مدنياً ناجحاً، كرَّس جهوده مع زوجته (جيل توك) - التي تقوم بدورها الممثلة Betsy Russell - ليفتتح لها مركزاً لتأهيل (مدمني المخدرات)، وقد كان كل شيء هادئاً إلى أن أتت تلك الليلة التي تتعرض فيه الزوجة (الحامل) لعنف من أحد مدمني المخدرات دون قصد تفقد إثره (ابنها)، وقد أدَّت تلك الحادثة إلى ابتعاد (جون) عن أهله وأصدقائه بل وتطليق زوجته، وأحسَّ بعدها بضياع كل شيء، خصوصا وهو يعاني (السرطان)، وبعد فشله في الانتحار تتهيأ الظروف بذلك للبداية الحقيقية لأعماله الإجرامية التي يؤمن بها إيمانا يقينا، ويبدأ أول اختباراته على (سيسيل) الذي كان السبب المباشر لفقدان ابنه. يُدهشك (جون) وهو يتحدث بألفاظه الدقيقة ومعانيه العميقة، فالجُمَل الحوارية التي تصدر عنه تحمل (فلسفةً مدهشةً) و(فِكراً عجيباً)، ولعل هذا راجعٌ إلى المصائب التي ألمت به بدءاً من فقدان ابنه إلى فقدان زوجته إلى قرب فقدان حياته، وهذه بعض الجمل التي وردت في أكثر من جزء تدل على ذلك:

- (معرفة فكرة الموت تجعل كل شيء يتغير، تشعر بالأشياء بصورة مختلفة، ترى وتشم بصورة مُختلفة، تستمتع بكل شيء، حتى كوب الماء أو التنزه في الحديقة)!

- (كل شيء يتبدل إذا أخبرتك بتاريخ موتك ووقته)!

- (أغلب الناس لديهم رفاهية عدم معرفة متى ستتوقف ساعة حياتهم، والسخرية في ذلك أن الجهل يَجعلهم يعيشون حياتهم، يَجعلهم يشربون ذلك الكوب من الماء، ولكن دون أي شعور لأهميته)!

واللافت في (الفيلم/ القصة) أنَّ تَميُّزه ليس على مستوى (الفكرة) أو على مستوى (الشخصية) التي تُقدِّمها فحسب؛ بل إن هناك عدداً من الخصائص التي زادت من أسباب تفوقه، منها:

1- (استمرار) تبني هذه (الفكرة) عبر عدد من الشخصيات التي أُعجبت ب(جيجسو) وعمله، وهذا يضمن استمرار وجود (الرؤية) وتطبيقها حتى بعد وفاته؛ مما فتح آفاقاً جديدةً ومثيرةً بعد ذلك، وأول من قام بذلك (أماندا) - التي تقوم بدورها الممثلة Shawnee Smith - والتي تَعرَّف عليها (جيجسو) بعد أن نَجت من أوائل اختباراته ونَجحت فيه بعد أن كانت مُدمنةً للمخدرات، ويستكمل المحقق (هوفمان) - الذي يقوم بدوره الممثل Costas Mandylor - هذا العمل بعد أن كان (المتلقي) يعتقد بأنه الشخص الذي يُفترض أن يقبض على القاتل، ويُفاجأ بأن (هوفمان) كان يعمل مع (جيجسو) منذ البداية، لكن أعماله لم تبرز إلا بعد وفاته. وأعتقد أنَّ الدكتور (لورانس جوردن) الذي شخَّص سرطان (جون) - ذلك الدكتور الذي ظهر في الجزء الأول مع (آدم) المصور واستطاع أن يهرب حين قام بقطع رجله - هو الذي سيكمل العمل بعد ذلك في (الجزء السابع) والأخير. (هذا مُجرَّد اعتقاد؛ حتى لا يغضب المتابعون ويتهمونني ب(إحراق) (الفيلم/ القصة/ الجزء السابع/ الأخير).

2- (الإدهاش) و(المفاجأة) والأحداث (غير المتوقعة) التي تفيض بها مشاهد الأجزاء الستة، وهذا أبرز ما يُميز (الفيلم/ القصة)، ويَجعل أنفاس (المتلقي) مَحبوسةً حتى (اللحظات الأخيرة) منه، إضافة إلى ارتفاع (مستوى الإثارة) إلى درجة عالية جدا، وهو أمر مطلوب وضروري في مثل هذه النوعية من (الأفلام/ القصص)، وسببٌ رئيسٌ في نَجاحها واستمرارها و(بقائها في الذاكرة)، خصوصا أنَّ (مستوى الإثارة) لا يرتبط بوقت معين من (الفيلم/ القصة)، بل تبدأ الإثارة منذ الدقيقة الأولى أو المشهد الأول حتى الثواني الأخيرة أو المشاهد الختامية.

3- ترابط الأحداث ترابطاً منطقياً ومتسلسلاً، أو (الحبكة الفنية المتقنة) للأحداث؛ فالمتلقي يُدهش من ذلك (الانتقال الذكي) بين (خطوط العمل) وأحداث المشاهد، وعلى الرغم من أن كل جزء قادر على أن يكون (قصة مستقلة) ذات بداية مُخيفة ونِهاية مشوقة إلا أنك ما إن تشاهد الجزء التالي حتى توقن بأن كثيراً من الأحداث قد تكشَّفت للتو، واتضحت صورتها الكاملة الآن، فمشاهد (الفيلم/ القصة) مترابطة بشكل عجيب عبر الأجزاء الستة جميعا، فأولها مرتبط بثالثها، وثانيها له علاقة برابعها، وسادسها مُكمِّلٌ لخامسها.. وهكذا؛ ولذلك لا يُمكن الخروج بتصور واضح وحكم منصف على (الفيلم/ القصة) دون مشاهدة الأجزاء جميعا.

أضف إلى ذلك (الخيوط الدقيقة) التي تتوزع بين الأحداث ولا ينتبه إليها (المتلقي) في الغالب، والمفاجأة حين تكون تلك (الخيوط) هي (الأسرار) التي تؤدي إلى الحقيقة في النهاية، وبواسطتها تُفهم القصة بشكل كامل، وتترابط الأحداث في ذهن (المتلقي) بصورة واضحة.

4- ابتكار (آلات التعذيب) و(وسائل الموت)، وغرابتها وشدة إرعابها في كل جزء؛ فصار (المتلقي) يتشوق في كل مرة إلى ماهية (آلة التعذيب) وشكلها - أو كما يسميها جيجسو (الأحجية) أو (اللعبة) - التي سيحتويها الجزء الجديد، أضف إلى تنوعها وتنوع ضحاياها على المستوى الفردي أو على المستوى الجماعي.

5- وأكثر ما يُميز هذا (الفيلم/ القصة) أنك في كل مرة تراه تكتشف شيئا جديدا، ومهما ظننت أنك ألممت بالأحداث وتفاصيلها يَخيب هذا الظن، وتُفاجأ بتفاصيل وخيوط لم تكن قد لاحظتها من قبل، خصوصا في (سياق الربط) بين الأجزاء على (المستوى الكلي)، وهذا يدل على (الثراء) الذي يتمتع به (الفيلم/ القصة) على المستويات كافة.

6- ولا أستطيع هنا أن أغفل الأمور التقنية التي تخص (الفيلم) كعرض؛ (فطريقة الإخراج) كانت أكثر من رائعة، و(الموسيقى التصويرية) كانت ملائمة بشكل كبير للمشاهد المصاحبة لها، فهي تتسارع وتيرتها حسب درجة التشويق، حتى إنك لتكاد لا تجد مقطعاً موسيقياً بلا معنى، إضافة إلى (فنية التصوير) و(اللقطات المستخدمة)، إضافة إلى أن (المؤثرات مذهلة) وخصوصا (المونتاج) في آخر الفيلم؛ حيث يعيد وبشكل سريع أبرز (اللقطات المهمة) التي غالبا لم ينتبه إليها (المتلقي)؛ حيث ساهمت في تشكيل أحداث الفيلم.

مرفأ:

هذه (إطلالة سريعة) على هذه السلسلة الرائعة و(رؤية نقدية) تَحليلية موجزة لشخصيتها الرئيسة وأبرز خصائصها الفنية وأحداثها ومشاهدها، ولم يبق إلا أن أشير إلى أن إجمالي (التكلفة) للأجزاء الخمسة الأولى قد بلغت نحو (36000000) دولارٍ أمريكيٍّ، أما (الإيرادات) فقد بلغت نحو (668144114) دولاراً أمريكياً، وهي أرقامٌ تعكس النجاح الباهر الذي حققه الفيلم.

Omar1401@gmail.com الرياض
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة