Culture Magazine Thursday  07/01/2010 G Issue 293
حوار
الخميس 21 ,محرم 1431   العدد  293
 
يؤكد أنه لم يكتب شيئاً يخجل منه
يوسف القعيد: ضمير الكاتب أهم رقيب في حياته

الثقافية - القاهرة - أحمد عزمي:

ينتمي يوسف القعيد إلى جيل الستينيات الذي هز عرش الكتابة المستقرة، فهذا الجيل يعتبر صاحب المغامرة الكبرى في تطوير فن الرواية، وقد أصدر الروائي يوسف القعيد حتى الآن ستة وثلاثين كتاباً ما بين الرواية والقصة وكتب الرحلات، ومن رواياته (يحدث في مصر الآن) و(قسمة الغرماء) و(أخبار عزبة المنيسي) و(الحرب في بر مصر) ومن قصصه القصيرة (طرح البحر) و(حكاية الزمن الجريح) و(البكاء المستحيل) ومن كتب الرحلات (الكتاب الأحمر رحلات في خريف الحليم السوفيتي) و(رحلة اليابان)

هنا الحوار مع يوسف القعيد فإلى التفاصيل....

إذا سألنا سؤلا تقليدياً يقول:يوسف القعيد من أنت؟، فهل نطمع في إجابة غير تقليدية؟

- السؤال في حد ذاته تصعب الإجابة عليه، لكن بقدر بساطة السؤال، كما يبدو، فأنا ابن الحلم القومي المصري، وأحد أبناء جيل الستينيات، هذا الجيل الذي هز عرش الكتابة المستقرة، التي وصلت إلى طريق مسدود آنذاك، إلى أن قام أبناء هذا الجيل بمغامرتهم الكتابية، وإذا كان د. محمد حسين هيكل وجيله قد أسسوا فن الرواية، ثم جاء تجيب محفوظ وجيله، ليؤصلوا فن الرواية، فإن جيل الستينيات، هو صاحب المغامرة الكبرى في تطوير فن الرواية.

لكن هناك من يرى أن جيل الستينيات لا يزال عقبة في طريق الأجيال اللاحقة؟

- ظهر مصطلح (عقبة) لأول مرة في العام 1969 عندما كتب الناقد الراحل رجاء النقاش مقاله الشهير في مجلة (المصور) متسائلاً: (هل أصبح نجيب محفوظ عقبة أمام الرواية العربية؟) ورأيي الشخصي أنه لا يوجد جيل يمكن أن يكون عقبة أمام الأجيال التالية له، لقد عانينا الأمرين في سبيل نشر إبداعنا في المؤسسات الثقافية الرسمية، واليوم ظهرت دور النشر الخاصة التي أصبحت نافذة حيوية أمام المبدعين الجدد، فهم أفضل حظاً من جيلنا، كذلك هناك النشر الإلكتروني الذي أتاح أمام الكتاب الشباب بدائل لم تكن مطروحة أمام جيلنا، وليس في ذلك أي انتقاص من قيمة وأهمية هذا الجيل الذهبي.

وكيف ترى حال الرواية العربية الآن؟

- الرواية العربية تمر بحالة ازدهار وانتعاش، وهناك مؤشرات جيدة تدل على المزيد من الازدهار وهناك العديد من الكتاب الذين يعبرون ببراعة عن الحياة، والأوضاع التي يعيشها المواطن في العالم العربي.

كيف كانت النشأة، وكيف أثرت على تكوينك الأدبي؟

- نشأت في إحدى قرى محافظات الوجه البحري، وبقيت هناك حتى سن الثامنة عشرة، واكتسبت خبراتي الأولى من تقاليد القرية وأحوال الناس هناك، وعرفت الواقع الاجتماعي عن قرب، واستطعت الكتابة عنه، وأنا مستريح الضمير.

لماذا كل هذا الاهتمام بالريف في كتاباتك؟

- يعتمد السرد في رواياتي على التفاصيل الصغيرة، ورصد الأمكنة، وهذا لا يتأتى إلا بعد معايشة طويلة، وقد عرضت العلاقات الاجتماعية في الريف، التي شكلت المادة الأساسية لرواياتي، وأنا لا أستطيع الكتابة عن شيء إلا بعد معايشتي الطويلة له.

تعيش في القاهرة منذ عقود طويلة، فأين المدينة في أعمالك الإبداعية؟

- تسللت المدينة إلى أعمالي الأخيرة على استحياء، مثل رواية (24 ساعة فقط) التي تتناول الزلزال الذي دهم مصر في 12 أكتوبر عام 1992، حيث ينقطع خط الاتصال الهاتفي بين الأم (محروسة) وأبنائها الذين يعيشون في القاهرة، وتقوم برحلة خرافية من الريف إلى المدينة، للاطمئنان على أبنائها، لكنها تكتشف أن الزلزال الحقيقي هو الذي جرى داخل عقول أبنائها، وليس الزلزال الذي أسفر عن وقع عشرات الضحايا.

وفي رواية (لبن العصفور) تناولت المناطق العشوائية في القاهرة، وتشير الرواية إلى أن البشر أنفسهم أصبحوا عشوائيين، وصبغوا المكان بعشوائيتهم، كذلك تناولت تحولات المدينة الحديثة في روايتي (بلد المحبوب)

كتاباتك تشي بحنين إلى عالم القرية، رغم أنها تختلف كثيراً عما كانت عليه في الماضي؟

- أتناول في رواياتي القرية التي كانت، والمدن التي كانت، القرية اليوم تأثرت بتحولات المجتمع المصري حيث يسعى أهلها إلى جعلها مدينة، والمدن تريفت، لأن المهاجرين الذين ينزحون إليها يسكنون في أحزمة المدن، فيما يسمى بالمناطق العشوائية، وبالتالي لم تعد المدن مدناً.

بين القصة والراوية ينتقل يوسف القعيد.. أيهما الأقرب إليك؟

- الرواية طبعاً حيث أفقها أوسع، ورقعتها الزمنية تعطيني قدراً من البراح، وشخصياتها وأبطالها أكثر اكتمالاً، من أبطال القصة القصيرة، وأفق الرواية يصل إلى عنان السماء، وحينما أتصدى لكتابة القصة القصيرة فكأنني أقف أمام عمارة سكنية شاهقة، تحجب نظري عن الوصول إلى الفضاء ، كما أن الرواية تسير في الزمن طولياً، بينما القصة القصيرة تمر عرضياً، وهناك فرق شاسع بين التقدم بالطول والتقدم بالعرض.

القصة القصيرة كفن تعاني من تراجعات عديدة، وما يكتب فيها الآن ليس إلا مجرد ألاعيب لغوية كيف تنظر إلى تلك الظاهرة؟

- أنا ضد الاستعراض الفصلي للغة، فالسرد يجب أن يكون سرداً فقط، أما التلاعب اللغة فهذا مجاله شيء آخر، لكن لو كانت هناك أحداث تساوي الاستعراض اللغوي، فأن أقدم السرد على الفور، وهذه الظاهرة تعد إفلاساً سردياً للكاتب، حتى لو نجح في استعراض مهاراته اللغوية.

لماذا يبدو هذا الاهتمام بالمكان واضحاً في أعمالك؟

- المكان يخلع على الرواية الكثير من جمالياته وإمكاناته التاريخية والحديثة، ما يشكل إطاراً فنياً متنوعاً، يكسر النمطية الروائية، ويمنحها أفقاً لا محدوداً من التجدد والمغايرة، فضلا عن دور مكوناته الأساسية في تشكيل الفضاء الدلالي الذي ترسمه الأحداث وتجعله، يلعب دوراً بارزاً في البناء الروائي ذاته، سواء كان المكان حقيقياًَ أم متخيلاً، قريباً أم بعيداً، وذلك من خلال ما يقيمه من علاقات وثيقة بين شخوص الرواية والواقع، وما يكشف كذلك من مواقف حميمة أو رافضة تجاه أماكن بعينها، أو أجزاء من هذه الأماكن.

وماذا عن الزمن الروائي؟

- إذا كان المكان هو الذي يحدد أبعاد الفضاء الروائي ويرسم بالسرد منظورة الواقعي أو المتخيل، فإن الزمن الروائي هو الذي يضبط إيقاع المواقف، ويرسم تسلسل الأحداث في الرواية، واقعية كانت أم خيالية، تقليدية أم حديثة.

تمارس العمل الصحافي منذ سنوات، فكيف استطعت الوصول إلى أسلوب خاص بك؟

العمل الصحافي مقيد جداً للكاتب، لأنه يرفع القداسة عن كل ما يكتبه، وقد قرأت كتبة (البلاغة العصرية) لسلامة موسى، وهضمته واستوعبته، ما أكسبني أسلوباً سهلاً، وتأثرت بالصحافي الكبير محمد التابعي الذي ذبح ككاتب وروائي، لأننا تعاملنا معه كصحافي فقط، فله روايات وقصص مجهولة كثيرة، ويكفي أن كتابة الشهير عن (أسمهان) تم استنساخه في كتب كثيرة، كذلك كتابه عن (أحمد حسنين باشا) وبالرغم من أنني لم أر هذا الرجل، ولم أعمل معه، لكنني سحرت بقدرته الشديدة على كتابة الجمل الرشيقة، لدرجة أنه أطلق عليه لقب أمير الصحافة العربية.

ألم تفكر في كتابة مذكراتك؟

حتى الآن لم أتخذ قراراً بشأن هذا الموضوع، بالرغم من وجود أحداث كثيرة أريد الكتابة عنها، لكن مشكلتي أنني لا أحب أن تنشر في حياتي، فأنا أخشى أن أكتب ما لا يستحق أن ينشر، وأتجاهل ما يستحق النشر.

وأفكر حاليا في كتابة مايسمى ب( الدرج المغلق) حيث أدون ما أريد تدوينه، ويوضع ما أكتبه في الدرج المغلق، ويقوم الورثة بنشره بعد وفاتي.

كيف تتعامل مع الرقيب؟

- لايوجد كاتب عربي يكتب ما يريد بعيدا عن أي مؤثرات، والكاتب الحقيقي هو من يكتب ما يرضي ضميره، ولا أشعر بأنني قدمت شيئا حتى الآن أخجل منه، وضمير الكاتب هو أهم رقيب في حياته.

هل لديك طقوس محددة في الكتابة؟

- أستيقظ مبكرا حيث يكون الذهن صافيا، والهدوء يسيطر علي أجواء القاهرة، وأكتب علي ورق (دشت) وأحتفظ منه بكميات كبيرة، ولا أستخدم الكمبيوتر حيث لا توجد لدي علاقة حميمة معه.

يبقى السؤال الأخير عن نجيب محفوظ ماذا تبقى منه بعد ثلاث سنوات من رحيله؟

- أهم ما يميز نجيب محفوظ أنه صاحب مشروع كبير، يحتاج الي قراءة مغايرة في غياب صاحبه، قراءة تحرره من وجوده العملاق.

وأود أن أشير إلى أنه لايوجد من (حرافيش نجيب محفوظ) على قيد الحياة، سوى المخرج الكبير توفيق صالح والفنان جميل شفيق، وأنا لست حرفوشا بهذا المعنى، لأن (الحرافيش) كانوا يلتقون في مكان مغلق أسبوعيا، دون غيرهم وهم يشكلون (شلة) صاحبة تاريخ اجتماعي وثقافي مهم جدا، وتعتبر أشهر شلة في الأدب العربي في القرن العشرين حيث بدأ نشاطها في منتصف الأربعينيات حتى منتصف التسعينيات، دون محاولة تسجيل ما جرى فيها، وما وقع منها، وانتقالها من مكان إلى آخر.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة