Culture Magazine Thursday  07/01/2010 G Issue 293
ذاكرة
الخميس 21 ,محرم 1431   العدد  293
 
الشيخ (محمد عبدالرحمن الشيباني)....واحد من السلف الصالح كان بيننا! 2-2

في حوالي الساعة الثانية والربع من بعد ظهر اليوم الحادي والعشرين من محرم من عام ألف وثلاث مائة وأربعة وثمانين للهجرة، الموافق الأول من شهر حزيران (يونية) من عام ألف وتسع مائة وأربعة وستين للميلاد، أقلعت طائرة الركاب السعودية من طراز (DC6) ذات المحركات العادية من مطار (دمشق) القديم في ضاحية (المزة) متجهة إلى مدينة (جدة) متوقفة بعض الوقت في مطار (المدينة المنورة)..

كنت على متن تلك الطائرة كواحد من ركابها في أول رحلة جوية لي، أختبر من خلالها امتطاء أجواء الفضاء وقد ودّعتني في مطار (دمشق) ثلة من الأقارب والأصدقاء كان على رأسهم والدي عليه رحمات الله..

كنت أرتدي في تلك الرحلة (بذلة) إفرنجية، وأحيط رقبتي بربطة مناسبة.... وما إن وصلنا إلى مطار (جدة) وحطت فيه الطائرة، حتى نزلنا منها وكان بيننا وبين مبنى المطار حوالي مائتي متر لا بد أن نقطعها على أقدامنا... وصلنا حول الساعة السادسة... كان الجو حاراً وكانت الرطوبة عالية، بحيث لم أواجه مثيلاً لها في حياتي من قبل!

وما إن وصلنا إلى مبنى المطار حتى اخترق العرق الذي أفرزه جسمي ملابسي الداخلية إلى قميصي الذي ناسب لونه ربطة العنق إلى الرداء الخارجي (الجاكته) الذي كنت أرتديه!

وتفرست في وجوه المستقبلين الكثيرين فلم أجد واحداً من بينهم أعرفه فاستوحشت كثيراً.. وإن هي إلا دقائق حتى تبين لي أن يداً تلوّح في الهواء يحاول صاحبها أن يتقدم الصفوف باتجاهي.. وإذا هي يد زميلي وصديقي العزيز الأستاذ الشاعر (منير الأحمد) عليه رحمات الله، وقد لبس ثوباً سعودياً جعلني لا أتمكن من معرفته أول الأمر حينما كان بعيداً... وباختصار فقد شعرت أن روحي عادت إلى صدري من جديد... استقبلني (منير) ورحّب بي كثيراً وأخذني إلى بيته الذي كان في منطقة (البغدادية) في (جدة) وأصرّ على استضافتي فيه أكثر من عشرين يوماً... ولازلت أذكر تلك الفترة بكثير من الغبطة والسعادة، ولازلت أذكر ل(منير) وزوجته السيدة (حسيبة) عليهما رحمات الله كرمهما الأصيل ورعايتهما التي أحاطاني بها تلك الأيام...

وانطلقنا جميعاً.. وكان ذلك في منتصف عام ألف وثلاثمائة وثمانية وثمانين من القرن الهجري الماضي.

انطلقنا في (إذاعة الرياض) العبد الفقير والشيخ (ثاني المنصور) والشيخ (محمد إبراهيم الهويش) و(عبدالله هليل) و(محمد عثمان المنصور) و(سعود الضويحي) و(محمد موسى المجددي) و(محمد مصطفى الخواجة) و(ماجد الشبل) و(إبراهيم الضويحي) و(محمد علي كريم) و(محمد الدعيج) و(راشد الجهني) و(عبدالكريم الخطيب) و(حسين أحمد بخش) و(صدقة محلاوي) و(حسان الحسيني) و(غالب كامل) و(خالد بوتاري) و(عبدالرحمن المقرن) و(حمد الصبي) و(محمود أبوعبيد) و(مسلم البرازي)، و(سيف الدين الدسوقي) و(عبدالمحسن الخلف) و(عبدالرحمن الغلاييني) و(سيف الدين الفضل) والسائق (محمد الحوشان) والمراسل (سعد بن فهد بن خميس) والمراسل (حامد السوداني)....

ومعنا باقي المذيعين والمحررين والمترجمين والمهندسين والإداريين...

ومعنا المتعاونون مع (إذاعة الرياض) من المذيعين: (عبدالرحمن زارع) و(محمد معروف الشيباني) و(عوني محمود كنانة) والأخوان (علي ومنصور الخضيري) و(بندر الدوخي) و(علي آل علي) رحمه الله (ومحمود عواد) و(حمد الهذيل) و(علي ياسين)...

ومعنا أيضاً المتعاونات النساء مع إذاعة الرياض: (عائشة مصطفى حماد) و(دنيا بكر يونس) و(زكية إبراهيم الحجي). و(نبيلة السلاخ) و(سميرة أبوحبيب)، و(بتول مراد) و(نبيلة فادن) و(منيرة العبرة) و(سلوى نجم) و(أمل عبدالهادي النجار)، و(عزة فؤاد شاكر) و(نوال أحمد بخش) و(نزيهة التونسي) و(سلوى عبدالمعين شاكر)...

انطلقنا نعمل كفريق متجانس متآلف لا يعرف الكلل، ولا يرضى بغير السبق والتقدم.. واستطعنا بفضل الله وتوفيقه أن نعيد الحيوية والنشاط إلى أوساط (إذاعة الرياض) فأصبحت وخلال فترة قصيرة ينتج في استوديوهاتها كل أنواع البرامج الإذاعية بما فيها المسلسلات الثلاثينية، والتمثيليات الطويلة، وبرامج المنوعات وبرامج المسابقات الجماهيرية...

ودبت الحياة في أوساط الفرقة الموسيقية، بقيادة المشرف عليها الأستاذ الشاعر (مسلم صبري البرازي)، فأنتجت كثيراً من الأغاني والأناشيد.

وعادت الثقة بالإذاعة من جماهير المشايخ والمفكرين والأدباء بعد تنظيم صرف المكافآت البرامجية، واغتنت الإذاعة بالكثير الكثير منهم.

وبعدما كانت (إذاعة الرياض) تكتفي بإعادة إذاعة البرامج التي تأتيها من (إذاعة جدة) صارت تقوم بإنتاج نصف البرامج المطلوبة من الإذاعتين.. وأصبحت تلاحظ كمستمع أن نصف البرامج المذاعة من (جدة) منتجة في (الرياض) والعكس بالعكس، وأصبحنا في (الرياض) وخلال فترة قصيرة سابقين لإذاعة (جدة) في مجال إنتاج البرامج.

فقد كنا نقوم بإنتاج البرامج المطلوبة منا، ونرسلها في الأوقات المحددة إلى هناك بواسطة الشحن الجوي.. وأصبحت (إذاعة جدة) تقصّر في بعض الأحيان أو تتأخر في إرسال البرامج المطلوبة منها، على الرغم من أن مبنى الإذاعة في (جدة) كان مبنى حديثاً في تلك الأيام، يحتوي على ثمانية (استوديوهات) مختلفة الحجوم تنتج جميع أنواع البرامج الإذاعية صغيرها وكبيرها.

ولم يكن يوجد في (الرياض) في حينها إلا ثلاثة (استوديوهات) للإنتاج.. فضلاً عن أن عدد موظفي الإذاعة في (جدة) يزيد على عدد موظفي إذاعة (الرياض) بأكثر من أربعة أضعاف!!

كان الشيخ (محمد عبدالرحمن الشيباني).. متديناً صادق التدين، جم التواضع، لين الجانب، يزينه الحلم، واسع الصدر، يُسلِسُ لك القياد إذا حزت على ثقته، وكنت موضع حسن ظنه، عاقلاً حكيماً، مرناً، بعيد النظرة، في أدائه لعمله، وإدارته لهذا الجهاز الحساس الذي أنيطت به قيادته، وهو (الإذاعة والتلفزيون).

وأحسب أن تدينه ذاك المعتدل الجميل الشيق اكتسبه من بيته ومن بيئته التي تربى فيها منذ نعومة أظفاره، في (المدينة المنورة) فقد كان صديقاً مصاحباً للقرآن الكريم منذ السنوات الأولى من حياته.. ولذلك فلا عجب إن رأيناه أحد أئمة صلاة (التراويح) في (الحرم النبوي) إلى جانب الأستاذ (علي الشاعر) والأستاذ (محمد عمر توفيق)..

وأما في عبقريته في إدارة عمله، وتعامله مع الناس فهي إلى جانب ما حباه الله به من مواهب.. إلى جانب ذلك فأعتقد أن الخبرة التي اكتسبها خلال المدة الطويلة وهو يشغل منصب (رئاسة ديوان إمارة المنطقة الشرقية)، وكان رأس الإمارة فيها هو سمو الأمير (سعود بن جلوي) عليه رحمات الله، الرجل الذي اشتهر بالعدل والحرص على تحري أسبابه، والحرص على تطبيق حدود الله دون تهاون.. أقول إن الخبرة التي اكتسبها في ذلك المنصب وكانت كما فهمت حوالي عشرين عاماً أكسبته الحرص على إقامة العدل، والتعامل مع الناس بالتي هي أحسن، والعمل على خدمتهم وتحقيق مصالحهم بما يرضي الله سبحانه وتعالى.

كان الشيخ (الشيباني) عليه رحمات الله لا يمانع بصورة عامة في تلبية طلب من يود الانتقال من (وزارة الإعلام) إلى أي مكان آخر يرتضيه، وربما اختلفت معه في هذا الموضوع.. وكان جوابه في كل مرة يوافق فيها على طلب موظف يعمل معي في (الإذاعة) إلى مكان آخر.. كان يقول لي عند اعتراضي على ذلك، وأنّ العمل بحاجة إليه: (يا وليدي إللي ما يبغانا ما نبغاه).

وكثيراً ما كان يردد عندما تبدر من أحدهم مشكلة تدل على تقصيره أو تهاونه أو إهماله أو تعديه على غيره أو إهماله لواجباته، أو تضييعه لحقوق الناس.. كان يردد الحكمة العظيمة الشائعة:

(من أمِنَ العقوبة أساء الأدب).

تزوج الشيخ (الشيباني) عليه رحمات الله أكثر من مرّة.. وأنجب عدداً طيباً من البنين والبنات.. وأكبر أبنائه هو الدكتور (خضر) الأستاذ في كلية (العلوم) بجامعة (الملك سعود).. ومنهم زميلنا الحبيب رجل الأعمال الشيخ (محمد معروف) وآخرون لم يحصل لي شرف التعرف عليهم.. بارك الله فيهم جميعاً وفي أمهاتهم.

ولأنه كان كثير العيال، كثير النفقات، فقد كان يضطر في الأيام الأخيرة من الشهر، إلى الاقتراض أحياناً من بعض أحبائه وأصفيائه، وقد حدثني أحدهم بأن (الشيخ) طلب منه ذات يوم مبلغاً من المال يقترضه! يقول صاحبي: ففرحت فرحاً شديداً لأن في (حسابي) المبلغ المطلوب، وكان ألفين أو ثلاثة آلاف ريال.. وحينما رغب (الشيخ) في سداده عملت كل ما في وسعي على أن لا يعيده، لكنّه أصّر وأقسم على أن يسدده وكان له ما أراد.. أقول ذلك وقد كان (الشيخ) وكيلاً لوزارة الإعلام.. أي أنه يكاد يكون في قمة وظائف الدولة!!

كان الشيخ (الشيباني) يحب الاستماع إلى صوت المقرئ الشيخ (محمد رفعت) عليه رحمة الله وهو يتلو القرآن إلى درجة العشق.

وكان يحب كذلك الاستماع إلى تلاوات الشيخ (عبدالباسط محمد عبدالصمد) القرآنية.. كذلك كان يتابع برنامج (المصارعة الحرة) وينفعل مع أحداثه، وربما انحاز في أكثر الأحيان إلى أحد المتصارعين وأسمعه الكثير من عبارات التشجيع، وأسمع خصمه أو وجه إليه الكثير من عبارات التقريع!!

حدثني الدكتور (عمر الخطيب) عليه رحمة الله، العبقرية الإعلامية العربية الفذة، وكان ممن يحبون (الشيخ) ويقدرونه، وممن يحبهم (الشيخ) ويقدرهم.

قال الدكتور (عمر): حدث أن تحصّل ابن (الشيخ) الدكتور (خضر) على شهادة الدراسة الثانوية العامة (القسم العلمي) في ثمانينيات القرن الهجري الماضي، وكان الأول في ذلك على جميع طلاب المملكة.. الأمر الذي أهّله للحصول على بعثة لإتمام دراساته العليا في إحدى الجامعات البريطانية..

وسافر (خضر) إلى (بريطانيا) وسكن مع إحدى الأسر البريطانية كما يفعل كل الطلبة القادمين إليها.. وكانت الأسرة تتألف من رجل وزوجته وعدد من الأولاد..

وكانت صاحبة البيت سيدة بريطانية عاقلة في منتصف العمر.. وقد لاحظت مع مرور الأيام والأسابيع أن (خضر) هذا الشاب الذي هو في مقتبل عمره.. حريص على وقته وعلى تنظيمه.. يصحو مبكراً فيؤدي صلاته، ويقرأ ما تيسر من القرآن، ثم ينصرف بعد الإفطار إلى الجامعة التي يدرس فيها ويحرص على أن يصل إليها في الوقت المحدد.. حتى إذا انتهى الدوام والمحاضرات عاد إلى سكنه، فأخذ قسطاً من الراحة، ثم انكب على دروسه وتحضيراته إلى وقت العشاء، فنال منه ما تيسر، ثم صلى العشاء.. وربما شاهد بعض برامج (التلفزيون) فأخلد بعد ذلك للنوم.. وهكذا كان ديدنه في كل أيام العمل في الأسبوع.

وكان لا يخرج من السكن في عطلة نهاية الأسبوع إلا لزيارة صديق، أو عيادة مريض، أو التعرف على حديقة من الحدائق، أو لمشاهدة فيلم سينمائي يجمع بين المتعة والفائدة.

لم يكن أصدقاؤه كثيرين وهم إما من أهل بلده من السعوديين، وإما من زملائه في الدراسة.. وكان حريصاً على نظافة غرفته، ونظافة دورة المياه التي يستخدمها.. وكان يتعامل مع أهل البيت الذي يسكن فيه بكل دماثة، ولباقة، وحسن خلق.. وكان حريصاً على عدم إيذاء أو إزعاج أي واحد منهم.

لم يكن يحتسي الخمر.. ولم تكن له صداقات نسائية تتخللها الرذيلة أو يجللها الانحراف!!

وكانت صاحبة ذلك البيت تلك المرأة التي تتوغل في خريف العمر، تزداد إعجاباً بهذا الشاب السعودي القادم من الصحراء، وبسلوكه، وبممارسته لحياته اليومية.

وبعد سنة أو أكثر، خطر على بال (الشيخ) أن يزور ابنه (خضر) في بلاد الغربة، فشدّ رحاله وتوجه إلى (بريطانيا).. وبعد وصوله واستقبال الابن له في المطار.. قال الابن: أين تريد أن أحجز لك.. أي (فندق) تريد؟

قال (الشيخ): أريد أن أنزل عندك، وأسكن في الغرفة التي تسكن! قال الابن: سمعاً وطاعة.. وتوجها إلى السكن العتيد.. وتعرف (الشيخ) على سكن ولده بصورة مباشرة، وتعرف كذلك على الأسرة التي يسكن معها الابن.. ومكث (الشيخ) مع ابنه عدداً من الأيام، وإذا (بالشيخ) يكرر بحرصه على وقته، وتنظيمه، وتوزيعه بين اليقظة والمنام، والصلوات في أوقاتها، وقراءة القرآن، والقيام بالأعمال العادية، والحرص على النظافة في الأكل والشرب، والنظافة في القول والعمل، والنظافة في الثوب والمكان وفي كل التصرفات.. يكرر في سلوكه الأعمال والتصرفات التي شاهدتها صاحبة المنزل من قبل في ولده.. فما كان من هذه السيدة البريطانية العاقلة التي تخترق خريف العمر إلا أن وقفت خطيبة في حفل توديع (الشيخ) عائداً إلى بلاده.. تقول: (لقد تعجبت كثيراً حينما تابعت مسيرة (خضر) وتصرفاته، وأقواله وأعماله.. لكن عجبي زال تماماً ودهشتي انحسرت حينما تعرفت على أبيه (الشيخ) وعلى تصرفاته وأقواله وأعماله ولا يسعني إلا أن أقول من أعماق قلبي في هذه المناسبة السعيدة: هنيئاً لك أيها الشيخ بابنك هذا الشاب الواعي المهذب.. وهنيئاً لك أيها الابن الشاب بوالدك العظيم، الأب المربي الحكيم.. وأسأل الله لكما التوفيق والسعادة والنجاح في كل أمور الحياة).

وفي عام ألف وثلاثمائة وتسعين للهجرة من القرن الهجري الماضي تقلد الشيخ (إبراهيم العنقري) منصب (وزير الإعلام) بينما انتقل الشيخ (جميل الحجيلان) إلى وزارة الصحة..

كان الرجلان (الشيباني) و(العنقري) في أول الأمر على وفاق تام.. فالرجلان فاضلان كريمان عرفت الأول من خلال العمل المشترك معه في الوزارة، وسمعت عن الثاني الشيء الطيب الكثير من خلال عمله السابق وكيلا لوزارة (الداخلية).. وسرعان ما شبّ الخلاف بينهما واشتدّ لأسباب لا أعرفها حتى الآن وتقديري أن السبب يعود إلى أن الرجلين كانا إداريين ناجحين مميزين، لكن كل واحد منهما كان ينتمي إلى مدرسة إدارية تختلف عن الأخرى.

واستعجل الشيخ (الشيباني) الأمر على ما أظن وطلب إحالته على التقاعد!.. ووافق الملك (فيصل) عليه رحمات الله على ذلك بناء على رغبته، وأن يتقاعد بكامل راتبه.

وأصابنا نحن أنصار الشيخين (العنقري) و(الشيباني) الحزن الشديد على افتراق هذين العنصرين الكريمين النبيلين عن بعضهما، وابتعاد أحدهما عن (وزارة الإعلام) التي افتقدت ببعده عنها عنصراً متميزاً في التدين والاستقامة والنزاهة والخبرة والحرص على المصلحة العامة يصعب تعويضه بسهولة.

عاش الشيخ (الشيباني) عليه رحمات الله بعد تركه الوظيفة الحكومية (وكيلا لوزارة الإعلام).. عاش حوالي أربعين سنة متنقلاً بين (مكة المكرمة) و(المدينة المنورة) و(مصر) في بعض الأحيان.. عائداً إلى ما في رفوف مكتبته من كتب، أو متهجداً خاشعاً متغنياً بآيات كتاب ربه في الليل، متدبراً باقي شؤونه في النهار من خدمة الأهل، وصلة الأرحام، واستضافة الأصدقاء وزيارتهم.. حتى إذا حانت الساعة التي أذن الله تعالى له فيها بالقدوم إليه.. وجده بإذن الله مستعداً مهيأ قد أعد زاده، وهيأ راحلته.. كتاب الله بين يديه يتلو آياته ويتدبر معانيه.. قلبه مفعم بالإيمان بلقاء ربه، عيناه دامعتان خشية من الله.. يحدوه الأمل الكبير أنه سيلقى خالقه العظيم، البر الرحيم، الحنّان المنّان، الرحيم الرحمن.

{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي* وَادْخُلِي جَنَّتِي}.

بقي عندي كلام قليل لابد لي أن أقوله في هذا الموقف، وهو أن تلك المكانة المتقدمة التي وصلتُ إليها عندما كنت في وزارة الإعلام أقود جهازا من أكثر الأجهزة حساسية وأهمية وهو (الإذاعة)..

وكذلك تشرفي بالحصول على الرعوية السعودية أنا وزوجتي وأولادي منذ حوالي أربعين عاماً في عهد الملك الشهيد (فيصل بن عبدالعزيز) عليهما رحمات الله.. أقول: ما كان ذلك ليحصل لولا توفيق الله أولاً ورضاء والديّ عليهما رحمات الله ثم لولا فضل ثلاثة من الرجال الأفذاذ الذين ساهموا في بناء هذا الوطن العزيز.. وعملوا مخلصين على خدمته، وسعوا جاهدين إلى دعمه بالطاقات التي رأوا أنها تصلح أن تنضم إلى ركبه في معركة التقدم والبناء والسبق والتفوق.

هؤلاء الرجال الثلاثة، أو الفرسان الثلاثة، أقولها بكل فخر واعتزاز هم الشيخ (محمد عبدالرحمن الشيباني) والشيخ (جميل الحجيلان) والشيخ (إبراهيم العنقري).. الثالث والأول منهم انتقلا إلى رحمة الله، وفازا بإذنه وفضله برضاه ونعما بمغفرته التامة، والنعيم المقيم في جنة عرضها السموات والأرض أعدت بإذن الله وتوفيقه لهما ولأمثالهما من المتقين الصالحين المصلحين الأخيار.. وثاني هؤلاء الفرسان الثلاثة الأشاوس ما زال يعيش بيننا، ونسأل الله تعالى له المزيد من الصحة والقوة والعافية، والعطاء المتجدد بكل خير من الأقوال والأعمال.

ويا أسيادي الثلاثة.. يا شيخ (محمد عبدالرحمن) ويا شيخ (جميل)، ويا شيخ (إبراهيم).. لن أتمكن من أداء حقوقكم عليّ وعلى أولادي وأسرتي.. لن أستطيع ذلك مهما فعلت ومهما حييت.. لكن الله جل وعلا هو وحده من يستطيع أن يجزيكم على عملكم تجاهي بما تستحقونه من العطاء الجزيل، والمثوبة العالية، والأجر الكبير، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

z_alayoubi@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة