Culture Magazine Thursday  09/12/2010 G Issue 324
ترجمات
الخميس 3 ,محرم 1432   العدد  324
 
وصَفَ شعوب الجزيرة والخليج بالجهل والتخلف وعدم القدرة على الإبداع...
تفكيك «الروائي» علاء الأسواني
رواية «شيكاغو» في ميزان النقد الغربي (1-2)
حمد العيسى

تمهيد لا بد منه:

قال الدكتور علاء الأسواني لمراسل صحيفة غربية كبرى كانت قد أرسلته ليكتب تحقيق على شكل بروفايل مفصل عن علاء الأسواني كروائي: «بدو الصحراء لم يبدعوا أي شيئ مطلقا»، وكان قبل ذلك في نفس البروفايل قد وصفهم بالتخلف!!! وعلامات التعجب من عندنا طبعا، وكانت هذه إشارة من علاء الأسواني لبني قومه ودينه من العرب المسلمين من شعوب شبه الجزيرة العربية والخليج العربي، وجاءت في سياق حديث الأسواني مع كاتب البروفايل (وهو روائي هندي يعيش في بريطانيا وأصدر ستة كتب بالإنجليزية منها ثلاث رويات أي أكثر من إنتاج الأسواني) عن سبب تخلف المجتمع المصري حاليا بحسب رؤية الأسواني العنصرية الكريهه التي تتنافى تماما مع ما يدعيه في مقالاته وحواراته عن كونه ينتمي فكريا للتيار القومي الذي يسعى لوحدة الأمة العربية أو على الأقل التقريب بدل التنفير بين شعوبها. ورغم أن مثل هذه البذاءة اللفظية كانت معهودة سابقا بصورة رمزية ضد الأنظمة السياسية، لكن الأسواني هبط إلى الدرك الأسفل من الخصومة والعنصرية البغيضة عندما نقلها إلى الشعوب. ولذلك، وجدت من واجبي كمثقف ينتمي لهذه المنطقة، ويمارس الترجمة وهي نوع من الإبداع الذي أكد الأسواني لكاتب البروفايل أننا لا نعرفه، الرد عليه خاصة لأني أفتخر وأعتز تماما بكوني من أحفاد «بدو الصحراء» الذين حملوا راية الإسلام إلى كل مكان.

ولأن كاتب البروفايل كفاني البحث عن رد مفحم، وجدت في ترجمة هذا البروفايل الطويل (7000 كلمة) أفضل رد على الأسواني خاصة لأن كاتبه كشف بمكر عن آراء شاذة للأسواني لا تنسجم مع المواقف التي يجمع عليها الشارع العربي عامة والمصري خاصة الذي لن يعجبه، بكل تأكيد، ما ورد على لسان الأسواني في البروفايل من كلام شاذ مثل ازدرائه ردود فعل الشارع العربي والإسلامي الغاضبة على الرسومات الدنماركية، وكذلك دفاعه عن سلمان رشدي باسم حرية التعبير: «أنا لم أقرأ رواية «آيات شيطانية»، ولكن «مهما» كان محتواها فإنه لا يبرر صدور فتوى ضده»!!! وأيضا تهكمه على فكرة الاستشهاد في الإسلام: «شخصياً، أفضل معاشرة امرأة من هذا العالم على الذهاب إلى الجنة». وكان كاتب البروفايل ذكيا ولماحا حينما كشف وتهكم بقوة على العديد من مواقف وتناقضات الأسواني السياسية والأدبية والاجتماعية وحقيقة مستواه كروائي حيث قال: «لكن الأسواني لا يملك شيئاً مطلقا من مهارة أسٍلوب محفوظ المراوغ بحذر؛ فرواية «عمارة يعقوبيان» مكتوبة بأسلوب تفسيري مباشر...». كما كشف كذلك تناقضاته الفكرية المضحكة بل ووصفه مع زملائه جميعاً بتهكم قاتل بأنهم «نخبة علمانية قومية تجاوزها التاريخ». ووجدت من الملائم بعد ترجمة البروفايل الذي اخترت له عنوان «تفكيك علاء الأسواني» لكي يعكس محتواه وقررت أن يحتل الفصل السادس في كتابي المترجم القادم الذي يصدر في أوائل ديسمبر الحالي في بيروت عن «الدار العربية للعلوم- ناشرون» بعنوان «قضايا أدبية: نهاية الرواية وبداية السيرة الذاتية» أن أضيف مراجعتين نقديتين غربيتين لرواية الأسواني الثانية والأخيرة «شيكاغو» كملحقين للفصل السادس حتى تكتمل وتتضح الصورة عند القراء الكرام حول ماجاء في البروفايل عن تواضع مستوى الأسواني الفني كروائي الذي كشفه بشجاعة نقدية مذهلة الدكتور جابر عصفور دون خوف أو رهبة من لوبي «الأدب السياسي» (على وزن الإسلام السياسي) المساند للأسواني الذين احترفوا «التكفير السياسي» لأتفه خلاف. ولا يخفى على المتابعين وأنا منهم، أن الأسواني يبرر دائما عدم حصوله على جوائز مصرية للرواية بمواقفه السياسية المعارضة للنظام المصري، وهذا غير صحيح. بل الحقيقة هي أن مستواه الروائي ضعيف فنيا كما سنقرأ جميعا في هاتين المراجعتين الصريحتين حيث لا يوجد لوبي يساند علاء الأسواني ويخشاه الناقدون هناك كما في مصر وبعض الدول العربية. ولذلك وربما لهذا السبب بدأ الأسواني بعمل مثل تلك التصريحات الشاذة السابقة وغيرها كما ورد في البروفايل للصحف الغربية لعله يحظى بجائزة عالمية خاصة بعدما أخبر الكاتب بأنه التقى كاتب إسرائيلي كبير في فرنسا وتصافح معه بكل احترام حسب وصفه، وكال المديح الكثير وغير المباشر لأمريكا واصفا الفترة التي قضاها هناك للدراسة أنها أجمل فترة في حياته، إلخ، إلخ. وبالفعل، حصل مؤخرا على جائزة أمريكية يستحقها على مثل تلك التصريحات والمواقف الشاذة عن إجماع الرأي العام في الشارعين العربي والإسلامي.

ثانيا:«هزيمة الأسواني في شيكاغو»

مراجعة رواية شيكاغو في صحيفة نيويورك تايمز

هذه مراجعة بقلم الناقدة ليغايا ميشان* نشرت في صحيفة نيويورك تايمز في 2 يناير 2009:

علاء الأسواني طبيب أسنان وكاتب صحافي معارض في القاهرة، بزغ على الساحة الأدبية في 2002 مع رواية «عمارة يعقوبيان»، وهي الرواية التي سببت صراحتها الفجة في تصوير الجنس في المجتمع المصري المعاصر فضيحة للعالم العربي المحافظ (وبقيت على قوائم أفضل الكتب مبيعاً هناك لمدة خمس سنوات). والآن في «شيكاغو»، روايته الثانية باللغة الإنكليزية، يواجه الأسواني أمريكا.

والنتيجة، على الأقل بالنسبة إلينا نحن القراء الأمريكان محيرة، فمثل المرآة الهزلية في مدينة الملاهي لا نتعرف على أنفسنا إلا بشكل متقطع ومشوه خلال الرواية. وبالرغم من أن موقع أحداث الرواية هو ظاهرياً شيكاغو في ما بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر حيث درس الكاتب في الثمانينيات، إلا أنها يمكن أن تكون أي مدينة أميركية غارقة في الخلاعة والفجور وتمزقها الاختلافات العرقية والطبقية بحسب رؤية الأسواني. ومع غموض شديد بسبب قلة التفاصيل الحسية لموقع الرواية، فإنها تعمل كمجرد خلفية غريبة ومزيفة للحديث عن الشخصيات المصرية الذين يعيشون هناك.

هؤلاء الأبرياء في الخارج (وربما ليسوا أبرياء بتلك الدرجة) منهم شاعر محبط سمح لنفسه أن تصطاده سمسارة أسهم يهودية في بار به بيانو (تعرفت عليه ببساطة هكذا: «ما هي اللغة التي تتحدث بها؟!»)؛ ومنهم فتاة ريفية تحن لوطنها ولا تزال عزباء بالرغم من تقدم سنها وصديقها الغامض، الذي يعتقد أنها ربما لا تستحقه؛ ورئيس اتحاد الطلبة المصريين الاستبدادي والذي يعمل سراً مع المباحث المصرية لكشف الطلبة المعارضين، وعروسه الجديدة، التي تنتظر منه أن يفعل شيئاً رهيباً بما يكفي لتبرير الطلاق (وعملاً بمشورة والدتها: صفعة على الوجه، أو عدم القيام بالمداعبة غير كافيين).

قصصهم تتشابك مع تلك القصص للمهاجرين المصريين القدامى الذين تعتبر تجاربهم بمثابة إنذارات تحذيرية ضد السعي إلى تحقيق الحلم الأميركي. أحد الرجال وهو عاجز جنسياً بعد عقود من الزواج من امرأة امريكية تطارده ذكرى فتاة مصرية أحبها ذات يوم وهي ناشطة سياسية وصفته بالجبن للتخلي عن بلده. ورجل آخر تنكر لأصله المصري وصار يستغل كل فرصة ليعلن أن المصريين يعانون من الجبن والنفاق والكذب مراوغة والكسل وعدم القدرة على التفكير بشكل منهجي. ولكن عندما هربت ابنته مع صديقها، يجد نفسه منسحباً فجأة من الحياة الغربية التي خلقها بعناية لنفسه بسبب انبعاث مفاجئ لإحساسه التقليدي بالشرف.

الأسواني يكتب عن شخصياته المصرية بسحر ونكتة لطيفة وقناعة حقيقية. ولكن المحير للقراء هنا هو طريقة تصويره السطحية للأميركيين في بيئتهم الطبيعية «الآن». امرأة سوداء جميلة وشابة تطرد من وظيفتها في مول تجاري بسبب لونها!!! ولعدم عثورها على عمل تستسلم للمهانة لتعمل موديل لتصور عارية في ملابس داخلية مقابل 1,000 دولار للساعة. وامرأة في منتصف العمر، منبوذة من قبل زوجها، تدخل تتلقى محاضرة عن «البقعة جي» التي تسبب نشوة جنسية للمرأة ودورها في تحرير المرأة («المرأة لم تعد أداة لمتعة الرجل أو للخضوع الجسدي») مع استشهادات ببليوغرافية كاملة لطبيب النساء الذي اكتشف البقعة جي (غرافينبرغ، بيري، ويبل) تصلح لكتاب طب جامعي.

وكذلك لا يبدو حتى أن الأسواني لديه استيعاب متمكن لأسلوب الحديث الأمريكي. هو أو مترجمه فاروق عبد الوهاب قد يكونون أحسنوا الإصغاء وعملوا بكلمات أحد شخصياته المصرية والذي يقول بأسى: «طوال سنوات دراستي كنت أحصل على درجة كاملة في مادة اللغة الإنجليزية، ولكن هنا يتكلمون نوع آخر من الإنجليزية». (تعليق المترجم: تهكم لاذع وماكر من الناقدة يدل في الغالب على عدم إتقان الأسواني للإنجليزية وعدم مراجعته لترجمة روايته وتصحيحها رغم كونه درس ماجستير طب الأسنان في أمريكا ومن المفترض أن يتقن الإنجليزية).

أهل شيكاغو - بحسب الأسواني - يصفون العرب بازدراء بأنهم «ملونين»، والناس في الشارع يضايقون الرجل الأبيض مع صديقته السوداء ويصرخون بوحشية: «كم دفعت ثمنا لهذه العبدة؟» والاختصارات المعهودة في الكتابة والحديث باللهجة الأمريكية مثل ( can’tو don’t) لا وجود لها مطلقاً في الرواية. في واحدة من أكثر لحظات الكتاب طرافة، من دون قصد الأسواني طبعا، وبعد أن اكتشف أب مصري أن ابنته الأمريكية تستنشق الكوكايين وقام بضربها، ليهتف صديقها الأمريكي بتعال: «لقد كشف والدك عن «ألوانه» الحقيقية. إنه يريد أن يسيطر عليك كما لو كان لا يزال يعيش في الصحراء» (تعليق المترجم: تهكم لاذع من الناقدة عن الاستعمال الحرفي الخاطئ لكلمة «لون»).

في نهاية المطاف، الأسواني يهتم أقل بالبحث عن الحقيقة والواقع على حساب إلقاء مواعظ كبرى عن الظلم الاجتماعي والقهر العنصري والفساد الحكومي. أحد شخصياته، وهو ناشط شاب شجب طويلاً الولايات المتحدة لدعم النظام غير الديمقراطي في مصر، لخص مأزق وجود العرب في الغرب هكذا ببساطة: «هؤلاء الأميركيين العطوفين الذين يعاملون الغرباء بلطف، والذين يبتسمون في وجهك ويحبونك من أول نظرة، والذين يساعدونك حتى تتفوق عليهم، ويشكرونك بغزارة لأتفه الأسباب، هل يدركون الجرائم البشعة التي ترتكبها حكومتهم ضد الإنسانية؟».

في «عمارة يعقوبيان»، تتبع الأسوانى حياة متداخلة لسكان مبنى تاريخي في وسط القاهرة. ومن خلال تراكم وافر من التفاصيل، نتج بورتريه كامل للمجتمع. وقد حاول عمل «ترقيع» مماثل في «شيكاغو»، ولكن المشهد الأميركي في المناطق الحضرية مع سكانه المعزولين عن بعضهم البعض في الحياة الخاصة يبدو أنه «هزم الأسواني»: لا يوجد في شيكاغو ضوضاء ولا خلفية ولا احتقان كما في مصر. إنها «خسارة للأسواني»، وربما، لنا!!!

* ليغايا ميشان: ناقدة أمريكية ولدت في لوس أنجليس ونشأت في هونولولو وتعيش مع زوجها في حي بروكلين، نيويورك. تكتب بانتظام مراجعات كتب في نيويورك تايمز.

كاتب ومترجم سعودي - المغرب hamad.alissa@gmail.com
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة