Culture Magazine Thursday  11/02/2010 G Issue 298
فضاءات
الخميس 27 ,صفر 1431   العدد  298
 
وإذا، لباريسَ قصائد..!
فيصل أكرم

كثيراً ما يفاجئني صديقي اللبنانيّ الشاعر الكبير إلياس لحّود بما لم أكن أتوقعه، فبعد أن كنتُ أتحيّن - في الفترات الأخيرة - صدور أعماله الشعرية الكاملة (ثلاثة عشر ديواناً) في كتاب واحد يتجزأ بعدة مجلدات، إذا بي أتسلّم نسخة مهداة من ديوانه الشعريّ الحديث جداً - المعنون ب: (قصائد باريس) ثم بعنوان فرعيّ مصغّر: (سيرة بالمواكب الجبرانية).. فمع كل قراءة لمتفرقات من هذا الديوان، ألاحظ كيف كان تأثير باريس على التكوين الشعريّ لإلياس لحود منذ أن كان فتىً في السابعة عشرة من عمره، وكأنما كل ذلك التاريخ الذي له مع باريس والثقافة الباريسية قد عاد إليه مكثفاً حين زار باريس مؤخراً وأمضى فيها بضعة شهور يتأمل:

(هرمٌ من أشعار؟

برجٌ من أعصاب حديدْ؟!

الدمعة في باريسَ سماءٌ

تفرحُ حيناً

تحزنُ حيناً

تخزِنُ نصفَ حنين الدنيا بمآقينا

تروي للعشاق وللأولاد الباعةِ ما يمنعه الحبُّ

وفي كلّ الأحيان تقول أريد:

أريدكَ حين الكونُ يريد.......

ومضاتك مثل فمٍ لأديت بياف)

تلك قصيدة - خطيرة! - بعنوان (أيفل) في هذا الديوان الباريسيّ، أراد الشاعر أن يعنونها بالبرج الشهير ويختمها بالمغنية الأسطورية الشهيرة (إديت بياف 1915- 1963) ولعلّ قصداً في القصيدة ما لسيرة برج أيفل كعنوان وما لسيرة أديت بياف كمنتهى لصوتٍ تهجّر من أصول عربية فأصبح رمزاً للغناء الفرنسيّ الباريسيّ الكلاسيكيّ الخالد..

والديوان، في معظمه، قصائد من النوع المكثف القصير طولاً والطويل جداً في مداه وامتداداته وأبعاده.. وهذا النوع من الكتابة الشعرية تميّز به إلياس لحوّد مختلفاً كثيراً عن شعراء جيله - جيل الستينيات- ومتطوّراً على تاريخه الشعريّ في دواوينه القديمة (التي تكلمتُ عنها سابقاً، واعتبرتها من عيون الشعر العربيّ الحديث)..

يقول الآن في قصيدة قصيرة من (قصائد باريس) بعنوان (الباسبور):

(يمسكه المختار،

يمسكه الطيار،

تمسكه إبرُ الطيّارة ثم تخيّط في الشاشات لديها (أيربوس)؛

تمسكه روزي وتقول إلى السائقة المعقوفة:

كيف؟ أدخّله في العلبة لا يدخلُ. كيف؟

سيعبر هذا الطفل المدعوّ (برغمٍ) رالفَ على البوسّيت..

إلى مترو الأنحاء على بوسّيت الحبّ جليسْ

من ثُقب الحاء.. إلى الأنحاء وثقب الباء.. إلى باريس)!

ويأتي ذكر اسم (رالف) - حفيد الشاعر من إحدى ابنتيه - كثيراً في هذا الديوان، حتى إن قصيدة كاملة عنونها باسمه!

أما عن المطوّلات، فثمة أكثر من نصّ شعريّ مهمّ جداً في هذا الديوان الخاطف، ولعلي أظلم تلك القصائد إذا حاولتُ تناولها بشكل عابر كقراءة واستعراض، لذا سأفضل الانتظار أكثر والتمادي في الترقب ل(قديم الشاعر!) يأتي مجدداً في أعمالٍ كاملة!

حتى يكون امتدادُ القضايا القديمة للشاعر متصلاً بذات القضايا التي يشتغل عليها - بسخاء أقلّ وأسى (ممتزجٍ بالسخرية) أكثر - في قصائده الجديدة، فبرأيي أن في القراءة على ذلك التصوّر وتلك الأبعاد ما يكفي لدفع القيمة إلى مقامها في قمّة الذائقة الشعرية المتعطشة لإنجاز يبقى حاضراً جيلاً بعد جيل..

الديوان الجديد للشاعر إلياس لحود (قصائد باريس - سيرة بالمواكب الجبرانية) صدر حديثاً عن دار الفارابي ببيروت، في 120 صفحة، واللافت فيه - غير الشعر - هو أن الغلاف واللوحات الداخلية من أعمال المبدعة فاديا حداد (زوجة الشاعر وأم ابنتيه)!

حاولتُ في هذه المقالة العابرة، عن هذا الديوان الجميل والشاعر الأجمل، أن أذكر بعض ما لم يذكره الشاعر في الديوان شرحاً، متكئاً على صداقة حميمية وتواصل لم ينقطع بيننا منذ زمن شارف أن يكتمل عقدين.. ففي كلّ عملٍ جديدٍ له أزداد إعجاباً.. ثم أستمرّ في تحريضي له، حتى لا يتراخى عن المشروع الذي أراهن عليه: طباعة أعماله الكاملة في إصدار جديد!

f-a-akram@maktoob.com الرياض
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة