Culture Magazine Thursday  14/10/2010 G Issue 319
فضاءات
الخميس 6 ,ذو القعدة 1431   العدد  319
 
جناية قصيدةٍ من «الشعر الحر» على شاعرها!!
علي الدميني

ربما يستحث هذا العنوان ذاكرة الأدباء الشباب أمثالي (حين كنا قبل ثلاثين عاماً، نكنّى بهذه الصفة المراوغة) لكي تتذكر كتاباً بعنوان «جناية الشعر الحر» الذي ألفه الأستاذ أحمد فرح عقيلان، من معقله كمستشار ثقافي للرئاسة العامة لرعاية الشباب.

غير أني في هذه الوقفة لا استعيد الموقف من ذلك الكتاب الذي صدر في نهاية السبعينات الميلادية، فقد صدر بعده ما يجعلنا نترحّم على الكتاب وكاتبه، جراء ما تضمنته تلك المؤلفات اللاحقة من الأحكام والمواقف التي لم تترك شجرة ولا عشباً إلا وقد جلّلتها بالحمم وركام الرماد، ولكنني أردت استعارة ذاكرة «الجناية» وحسب، في حديثي عن قصيدة قصيرة بعنوان «أرشيف» كتبتها في أواخر التسعينات، فكانت فأل شؤمٍ، سأفصّل فيه، بعد إيراد نصها:

«مثلما يحدثُ في الموت ِ،

إذا غادرتُ للخارج ِ

فاضتْ رحمة الأرشيف والذكرى

وغطّت صورتي

ظلّ الجرائد».

ولعل الدلالة الكامنة في مقابلة المغادرة إلى الخارج بالموت/ ومفارقة احتفاء الأرشيف والصحف بهذا «الراحل» كافية للإشارة إلى المحفز الأساس لتلك اللحظة الشعرية التي لا تحمل أكثر من شكوى «ودودة» من إهمال الساحة الثقافية لنتاجي الثقافي والإبداعي، واكتفائها بوضع صورتي مع خبر قصير عن سفري للمشاركة في بعض الملتقيات الثقافية خارج الوطن.

ولكن هذه القصيدة القصيرة سوف تكون في أحد مستويات قراءة «ما بعدها»، علامة شؤم لا يقل عما فعلته رسالة قصيرة حملها المتلمّس وابن أخته طرفة ابن العبد إلى عامل المناذرة على البحرين، في القصة التاريخية المعروفة، والتي انتهت بمقتل طرفة ابن العبد!

وبعد هذه التقدمة، يجمل بي أن أركز حديثي حول النقاط التالية:

1- القصيدة تنطلق من حالة السفر إلى الخارج، كخبر صحفي، ولكن ما حدث لي بعدها، أنني قد سافرت ولكن إلى الداخل.. إلى «عليشة» بالرياض، على خلفية حملي لبعض الرسائل إلى أصحابها.

2- وكما «يحدث في الموت»، فقد حرّرَتْ هذه الرحلة الداخلية رحمة الأرشيف من غبارها، والذاكرة من صمتها، فغطت كتاباتي المنسية وقصائدي المهملة فضاء الإنترنت وسواه من الوسائط الإعلامية، فقام الكثيرون بالبحث عبر الإنترنت عن ما يتوفر فيه من نصوصي الشعرية، وإعادة نشرها في عشرات المواقع، رغم ما كان يعتورها من حذف واختزال.

كما قام آخرون - مشكورين بطبيعة الحال - بإعادة تنضيد ونشر كثير من قصائدي المنشورة في دواويني الشعرية، ونتيجة لذلك فقد أصاب بعضها الكثير من الاجتزاء، وحفلت بالعديد من الأخطاء المطبعية والنحوية، وطال ذلك توزيع جملها الشعرية أيضاً، مما أخلّ بإيقاعها الموسيقي!

3- هذه الرحمة الخصبة للأرشيف والذكرى، أتاحت للآلاف من القراء إمكانية الاطلاع على عدد غير قليل من قصائدي، ولكن للمطر اشتراطاته أيضاً، فقد نال فيضانه من بعض قصائدي، ومنها نص «الخَبْتْ» الأكثر حميمية عندي، والأعمق توظيفاً «لطرفة» كقناع شعري، يعبر عن تقاطع تجربتي معه، ومع صفائه وسذاجته حين حمل رسالة حتفه بنفسه، وحملتُها بعده، وبنفس الحب والبراءة، حين قلت في خاتمة النص:

«لخولة أطلالٌ،

أجوس زواياها، ببرقة ثهمدِ

إذا جاوزتني الأرض، جاوزتُ للغدِ

أبوح بطعم الحب ِ، أقتات موعدي

أعاتب أحبابي، بلادي بفئها،

وأهلي وإن جاروا عليّ «فهم يدي».

وأحمد الله أن هذا المقطع بقي مثبتاً في النص المنتشر على شبكة الإنترنت، ولكنني أحزن حين أرى القصيدة وقد بُتِر منها مطلعها الحافل بأبرز مكوناتها الجمالية والدلالية.

«وظلم ذوي القربى» بلادي حملتها

على كتفي شمساً وفي الروح موقدي

إذا جفّ ماء القطر أسقيت غرسها

بدمعي، ووجهت الزمام لتهتدي

إلى الماء أحدو خطوها كل بارق ٍ

أشد على غاباتها الريح، في يدي

مسيلاً هبطنا ليلتين، وربوةً

تباعدُ عن عيني بلادي ومولدي»

ومن مفارقات هذا النص أنه قد تعرض من قبل إلى حذف مقاطعه الشعرية «الشعبية» حين تم نشره في مختارات من شعرنا السعودي ضمن مشروع «كتاب في جريدة» الشهير!

لذلك سأعمل على إعادة نشر هذه القصيدة على صفحات بعض الملحقات الثقافية المتميزة، لاعتمادها في مواقعها على الإنترنت كنسخة كاملة، حتى يتيسر لي لاحقاً تصوير دواويني الشعرية وتحميلها على المواقع المهتمة في الإنترنت، إن لم يصبها الإقصاء أو التصحيف أو سواه من الأساليب!

4- أما رابعة الأثافي (وهي خاصة بي ) فقد أتت من الأرشيف الشعري على الإنترنت، والذي أسهم فيه أولاً الصديق د. محمد عضيمة، ب «جناية ٍ» لا تغتفر!

والدكتور عضيمة، شاعر وناقد سوري استقر به المقام في مطلع الشمس في ديار «اليابان»، وتأثر بثقافتها وبقصائد «الهايكو» القصيرة في تراثها الشعري، ولهذا السبب ولغيره أعدّ موسوعة لمختارات من نتاج شعراء العديد من أقطا ر العالم العربي، ومنها ما خص به شعراء الخليج، حيث كنت بحكم علاقتي الثقافية الحميمة به، أحد الحقول التي أكرمها - أو عاث فيها - باختيار مقاطع صغيرة من نصوص طويلة، أخلّت بسياق المعنى وبالدلالة الكلية والجمالية للنص، ولم يكتف بذلك، بل منح بعضها عناوين خاصة من جانبه، فبدت كمقاطع مبتورة لا علاقة لها بمتونها الأصلية ولا بشعرية شاعرها.

وقد أفاد الأرشيف في فترة غيابي/ (سفري الداخلي ) من تلك النصوص فأشاعها في العديد من المواقع المهتمة بالشعر، ومن أبرزها موقع «الموسوعة العالمية للشعر العربي»، ويهمني أن أشير إلى بعضها هنا، لأعلن أنها مجتزأة من سياقها، ولا تعبر عن جوهر ولا عن عناوين نصوصها الأصلية، ومنها العناوين التالية على وجه التحديد:

( شبه خاص / فاعْ فاعْ فاعْ / واحد صفر / بعد أوانه / لافتة مرورية / رعود داخل باص / فوهات الوجد /هوز هوز / وبعير للسكارى/ وآخر للعدل / يا يا عبد الله /)، إضافة إلى قصيدة الخبت التي لم يتم تثبيت مطلعها!

وما دامت الذاكرة قد فتحت أبوابها، والأرشيف قد أخرج كمائنه، فإن الاجتهاد أو التضخيم - بدافع التعاطف بطبيعة الحال - قد شغّل أدواته على حواف هذه القصيدة القصيرة وعلى خلفية ما تبعها من أحداث، فتمت كتابة سيرتي الشخصية في موسوعة «ويكيبيديا» محملة بأطواق من عبارات المديح التي أثقلتني أو أنني لا أستحقها، وبمعلومات جانب الصواب كثيرا منها. ومن ذلك ما وصفته تلك السيرة لدوري النقابي، حين وضعتني من رموزه، وكأنني عشت إلى جوار حمد الجاسر وعبد الكريم الجهيمان وسيد علي العوامي ومحمد سعيد طيب وغيرهم، فيما لم أزل - اليوم - شابا غرا للتو يستمتع بنهايات خمسينياته!!

والحقيقة تقول بأن الحراك النقابي قد بدأ منذ الخمسينات الميلادية، ولم أتعرف عليه إلا في منتصف السبعينات، كما لا بد من تصحيح الكثير مما ورد في تلك السيرة، ومنها ما يتعلق بظروف توقف صدور مجلة «النص الجديد» والذي حدث لأسباب ذاتية بحتة في عام2000م، قبل سفري الداخلي إلى «عليشة» في مارس عام 2004م.

ولكي نكمل تصحيح التصحيفات الواردة في تلك السيرة التي أشارت إلى خلفية انضمامي للحزب الدستوري، فإنه لا بد من إيراد الحقيقة كما هي، حيث إنه لم يكن هناك تنظيم حزبي بهذا المسمى (رغم أن لي تجربة سابقة في هذا المجال)، وإنما كان هناك توافق بين العديد من المثقفين حول هموم وطنية عامة، رفعوا بموجبه خطابات إلى مقام رائد مسيرة الإصلاح الشامل التي تمضي فيه بلادنا، خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، حينما كان ولياً للعهد في تلك الفترة من عام 2003م.

وبعد

أيتها القصيدة القصيرة..أيتها الومضة الخاطفة.. كم جنيت على صاحبك من جرائر، وكم كنت «علامة» انفتح بابها على كثير مما لم يكن يتوقعه، أو يفكر فيه أو يحلم به!!

الدمام
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة