Culture Magazine Thursday  15/04/2010 G Issue 306
فضاءات
الخميس 1 ,جمادى الاولى 1431   العدد  306
 
حفلة كُتُب
د. صالح زياد

يُمَثِّل لي معرض الرياض الدولي للكتاب فضاءً دورياً للبهجة التي أجدها في الاطلاع على جديد الكتب، وفي لقاء الأصدقاء الذين يجمعهم المعرض بطريقة نوعية يصنعها الهدف نفسه الذي يأتي بي إلى المعرض فتتكرر زيارتي له في كل دورة من دورات انعقاده مرات عديدة. وهو تكرار أجدني منقاداً إليه بنوع من قلق البحث والترقب والاصطياد أمام ازدحام الإصدارات وتنوعها، خصوصاً وأنا أحد أولئك الذين لا ينحصر اهتمامهم في دائرة اختصاص معينة، وتجذبني كتب الأدب واللغة بقدر ما تجذبني الأفكار الفلسفية والنظرية في الحقل الإنساني، واشتاق إلى الحديث بقدر ولعي بالقديم.

وكما هي العادة، يفيض علي المعرض بما اشتريه، وبما يتيحه لقاء الأصدقاء من إهداءات ثمينة، بحيث ينتهي الموسم وقد تراكم في جوانب من أرض الغرفة الكبيرة المخصصة في منزلي للمكتبة، عشرات الكتب التي أتحين الفرصة لمطالعتها والتعرّف عليها. هذا الاطلاع الذي يعرّفني بالكتاب لا يستغرق إلا زمناً يسيراً لا يجاوز دقائق أو أقل منها أحياناً، وهي ممارسة قديمة لم تفارقني منذ عرفت الكتب. ومقدمة الكتاب وفهرسه تكفيان غالباً لاكتشافه على مستويات مختلفة، تستدعي متابعة قراءته، أو تركه، أو إرجائه للإفادة منه لاحقاً. وهذا غير الاستدلال على الكتاب باسم مؤلفه الذي يحتل مرتبة معينة في المعرفة به أو في الجهل، وغير دلالة العنوان التي تكفي أحياناً لتلخيص موضوع الكتاب أو وجهته الفكرية والمنهجية، أو دلالة جهة النشر وهي جزء نسبي من هوية الكتاب.

وقد تسلَّمتُ كتاب عبد العزيز السبيل «عروبة اليوم: رؤى ثقافية» في أول أيام المعرض. وهو يضم مقالات ينتمي معظمها إلى حقل الدراسات الأدبية، وبعضها على درجة من الأهمية للباحثين، سواء في ما تطرحه من رؤية نقدية، أم ما تثيره من أسئلة وجدل، أم ما تتصف به من تدقيق واستقصاء للمعلومات. ولهذا كنت أتمنى على عبد العزيز أن يخص الكتاب بهذا النوع من المقالات ذات الهم النقدي أو التاريخي الأدبي، ويحرره من مزاحمة المقالات التي تتخذ وجهة ثقافية واجتماعية عامة. ولنقف - مثلاً - على تطرقه لريادة شعر التفعيلة في المملكة، فقد اتخذ من مجادلة الأسئلة التي تبدي ارتيابها في حساب الريادة على إصدار ديوان كامل، منفذاً لخلخلة الدعوى من أساسها والاسترسال بعيداً في رصد البدايات التي تجاوز من بعض الوجوه أبرز الأوليات العربية المُعْلَنَة للسياب ونازك الملائكة.

والمنطق النقدي النقضي نفسه يبدو في صكه مصطلح «السَّيْسَنَة» الذي يشتغل على فرضيته في مجادلة أطروحة «الشعرَنَة» التي أطلقها عبد الله الغذامي، وفي حديثه عن مصطلح الأدب الإسلامي، حيث تتكشّف الدلالة الصامتة والمُغْضية عمّا يستبطنه من تعدد واختلاف يَسِمُ الموقف الإسلامي فقهياً وثقافياً، بقدر ما يَسِمُ السياقات التاريخية والواقعية. ولذلك فإن مصطلح الأدب الإسلامي في الهند، حيث المسلمون أقلية يحمل تبريراً، لا يحمله بالمعنى نفسه في المملكة العربية السعودية، وهو التبرير الذي سيختلف مغزاه ومدلوله في مصر حين يغدو المصطلح جزءاً من أطروحات الجماعات الإسلامية ذات الإيديولوجيات السياسية المتناحرة فيما بينها فضلاً عن مناحرتها للسلطة ولغيرها من التوجهات السياسية.

أما كتاب حافظ المغربي «أشكال التناص وتحولات الخطاب الشعري المعاصر» فيضم مجموعة من الدراسات اتخذت من التناص محوراً لقراءة أطروحات نظرية ونصوص شعرية وتطبيقات نقدية. وقد لفتني أن الصديق المغربي يأخذ دلالة التناص بتبسيط يعزلها عن سياقها. فالتناص ليس جوهراً نظرياً متجانساً ومكتملاً ومغلقاً على دلالته، إنه جزء عضوي من سياق ما بعد الحداثة، حيث التفكيك وإرجاء المعنى واستبداد اللغة ودور القارئ. ولم تكن دلالة التناص في هذا السياق لدى جينيت مطابقة لها عند باختين أو هارولد بلوم، ولم تكن في دراسات التابع وما بعد الكولونيالية أو النقد النسوي هي المعنية في لذة النص لدى بارت.

ولهذا عجبت من استئناف المغربي من جديد البحث عن أصل تراثي عربي لمقولة التناص، وهو موقف يتردد منذ أن اتصلنا بسياق المصطلحات الغربية، فكان هناك من ينبهنا دوماً إلى النظير إن لم يكن الأصل العربي لكل مقولة غربية. كما عجبت من مقدار القيمة التي يضفيها على بعض جوانب كشفه عن التناص في ما عرض له من قصائد، وهو لا يكاد يجاوز مفاهيم تداول المعاني والاقتباس والتضمين والمعارضات وتعاور الأساليب والتراكيب... إلخ مما تنبهت إليه بلاغتنا القديمة. وعلى رغم ذلك فالصديق المغربي أنموذج بما يطرحه للتوق العربي الحديث إلى مرجعيات ذاتية تكافئ عمق التقدم الفكري لدى الآخر، وهو توق لا نبرأ منه جميعاً.

ويأتي كتاب حسين المناصرة «وهج السرد مقاربات في الخطاب السردي السعودي» في سياق الجهد المتصل الذي يبذله بصدد المتابعة للمنجز السردي السعودي، وقد صدر له عام 2008م كتاب عن الرواية في ما يقارب 400 صفحة بعنوان «ذاكرة رواية التسعينات». لكن الكتاب الذي بين أيدينا يختلف عن كتابه السابق في جهة انقسامه إلى فصول يناقش كل منها قضية أو موضوعاً من خلال عدد من شواهده الروائية. وبالطبع فهو يفيد في أطروحاته هنا من نتيجة بحثه وكشوفه التي تضمنها كتابه السابق، فيعيد بناءها وصياغتها بما يستبدل بتناول النماذج مفردة تناولها مجتمعة، وإلى جانب ذلك فالكتاب يحفل بدراسة نماذج روائية من روايات هذا العقد.

أما كتاب معجب العدواني «مرايا التأويل: قراءات في التراث السردي» فيتجه إلى قراءة حكايات ذات طابع شفاهي في معظمه، ومنها حكايات الأمثال وحكايات عن السعلاة والغول والجان، وحكايات عن الشعراء. وهي حكايات تنتمي إلى الأدب الشعبي، ولذلك يلفت الكتاب بما يكشفه من دلالات هذه السرديات التراثية إلى ما يمثّله الأدب الشعبي من قيمة معرفية ثقافية أدبية واجتماعية، وهي قيمة - للأسف - لا تعترف بها المؤسسة الأكاديمية. وتذكرت وأنا أطالع كتاب معجب كتاب ناصر الحجيلان الذي أصدره العام الماضي بعنوان «الشخصية في قصص الأمثال العربية» وهو كتاب ضخم يقارب نحو 500 صفحة، وفيه تحليل لنماذج عديدة من قصص الأمثال من زاوية النقد الثقافي، بقصد الاكتشاف لما تنطوي عليه من أنساق ثقافية للشخصية العربية. وأتصور أن جمعية اللهجات والتراث الشعبي، في جامعة الملك سعود، معنية بهذا الجهد مثلما هي معنية بجهد غير واحد ممن بادر بجمع وتدوين الأمثال المحلية والسبحونات والحكاوي والرواية.

وليس بعيداً عن عيني ويدي، بعد ذلك، كتاب عبد الله الحيدري «ابن الثقافة وأبو الرواية، حامد دمنهوري: مقالاته وشعره وقصصه» وهو كتاب - كما هو واضح من عنوانه - يجمع مقالات حامد دمنهوري (ت1385هـ) - رحمه الله - وشعره وقصصه، وهو الأديب الذي لا يكاد يعرفه معظم أبناء جيلنا إلا بروايته الشهيرة «ثمن التضحية» (1378هـ)، وملحق بالكتاب سيرته الذاتية، وببليوجرافيا بأعماله وما كُتِب عنه. والصديق الحيدري بهذا الكتاب يؤكد نزوعه إلى الجمع والرصد والفهرسة، الذي أكده قبل هذا الكتاب أكثر من مرة، في جمعه لمقالات حسين سرحان، واستقصائه الأدباء السعوديين في الرسائل الجامعية، ورصده للنتاج النقدي في المملكة، ونصوص السيرة الذاتية... إلخ. وهذا طراز نادر من الاستعداد ونوعية خاصة من الجهد الذي يأخذ في العادة طابعاً مؤسسياً لأنه أكبر من الجهد الفردي.

وإلى جانب هذه الكتب، تأتي مجموعة أخرى من بينها ديوان أحمد قرَّان الزهراني «لا تجرح الماء» وديوان عيد الحجيلي «جوامع الكمد» وقد أسَرَني عيد بقصائد تشبه البرق، إنه أحد أبرز كتاب «قصيدة الومضة» هذا اللون من الكتابة الذي لا وقت لديه للثرثرة! كثافة ومفارقة تخلعان عن الواقع ألفته فإذا هو جديد، وإذا جِدَّته هي جِدَّة العين التي تنظر إليه. نقرأ بكلمات قليلة في صفحة كاملة - مثلاً - قوله: «حياة: الجماد حياة طواها الحياد» أو «عادة: كلما أينعت رعشة في شفاهكِ حان قطافي» أو «وأد: كلما وُلِدت فكرة وأدتها العبارة». أما أحمد فأشجانه جِدِّيَّة إلى حد المأساة، وقصيدته بوجوه عديدة تتماهى مع الطفولة وتطل من نافذة الروح وتغدو سر الغياب وسر الحضور، ولكنها في وجوه أخرى: أمٌّ تُظَلِّل أبناءها بالدموع، وشيخ يبيع السلاف المعتق في حانة الشعر، وعبدٌ يخاتل أسياده بالتودد.

الرياض
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة