Culture Magazine Thursday  15/04/2010 G Issue 306
فضاءات
الخميس 1 ,جمادى الاولى 1431   العدد  306
 
أعراف
في ذكرى البردوني الدائمة 2
محمد جبر الحربي

والبردوني قريب من أبي العلاء المعري في عماه وتأمله وفلسفته وأسئلته الكاشفة:

لماذا المقطف الداني

بعيدٌ عن يدِ العاني؟1

لماذا الزهر آنيٌّ

وليس الشوك بالآني؟!

لماذا يقدر الأعتى

ويعيا المرهفُ الحاني؟!

وكذلك قريب منه في ارتهانه، وكان ذلك في عهد الإمامة، فسجن، وعمى، وقيد، وجرح:

هدّني السجن وأدمى القيد ساقي

فتعاييت بجرحي ووثاقي

وأضعتُ الخطوَ في شوك الدجى

والعمى والقيد والجرح رفاقي

في سبيل الفجر ما لاقيت في

رحلة التيه وما سوف ألاقي

سوف يفنى كلّ قيدٍ وقوى

كلّ سفاحٍ وعطر الجرح باقي

وهو مشغولٌ دائماً بالأضداد: الخير والشر، الحق والباطل، العدل والظلم، الورد والشوك، والسعادة والحزن... أو ليس كذلك الشعراء؟! وها هو في وقفة تأمل بارعة:

كلما غنت جرى من فمها

جدولٌ من أغنياتٍ وشكايا

أهي تبكي أمْ تغني أم لها

نغمُ الطّيرِ وآهاتُ البرايا

وهو يحتار في سر ذلك الصوت الجميل النقي، البهيج الحزين:

هل لها قلبٌ سعيدٌ ولها

غيرُهُ قلبٌ شقيٌّ في الرّزايا

أمْ لها روحان روحٌ سابحٌ

في الفضا الأعلى وروحٌ في الدنايا

وكما تَميز البردوني بموسوعيته، وغزارة شعره ونثره، وذاكرته المتقدة، تميز بسخريته اللاذعة

حتى من نفسه ومحبوبته صنعاء، ومن ذلك أنه سئل عن صنعاء التي يحب فأجاب بأنه من أراد أن يعرف أحوالها فلينظر في وجهي، أما عندما شكوه مرة على القاضي قال للجميع: ليس على الأعمى حرج!! ويكثر ذلك في شعره الناقد النافذ، وها هو يسائل اللص في قصيدة " لص في بيت شاعر":

ماذا وجدت سوى الفراغ، وهرّة تَشْتَمّ فأرة

ولهاث صعلوك الحروف يصوغ من دمه العبارة

يُطفي التوقّدَ باللظى، ينسى المرارةَ بالمرارة

لم يبقَ في كُوبِ الأسى شيئاً، حَسَاهُ إلى القرارة

وهو يسخر من فقره، ومن اللص عديم الحظ، سيء الاختيار:

ماذا؟ أتلقى عند صعلوكِ البيوت غِنى الإمارة

يا لصُّ عفواً إن رجعتَ بدون ربحٍ أو خسارة

لم تلقَ إلاّ خيبة، ونسيت صندوقَ السجارة

شكراً، أتنوي أن تُشرفنا، بتكرارِ الزيارة

وللفن لديه فلسفة، كما للجراح فلسفة:

بي ما علمت من الأسى الدامي وبي

من حرقة الأعماق ما لا أعلمُ

بي من جراح الروح ما أدري وبي

أضعاف ما أدري وما أتوهمُ

ورغم سوداوية بعض قصائد البردوني:

وكأن روحي شعلةٌ مجنونةٌ

تطغى فتضرمني بما تتضرّمُ

وكأن قلبي في الضلوع جنازةٌ

أمشي بها وحدي وكلّي مأتمُ

إلا أنه يجد مساحة للفال ولو في الحلم:

حرماني الحرمان إلا أنني

أهذي بعاطفة الحياة وأحلمُ

والمرء إن أشقاه واقعُ شؤمهِ

بالغبنِ أسعَدهُ الخيال المنعمُ

وفي النهاية فإن حداثة البردوني لا تتجلى في فكره، شعره، ومضامينه، بل هي بينة حتى في عناوين دواوينه، فأترككم مع بعض أسمائها العميقة الشاعرة: وجوه دخانية في مرايا الليل، ترجمة رملية لأعراس الغبار، رواغ المصابيح، والسفر إلى الأيام الخضر، لتطلقوا لأخيلتكم العنان!!

mjharbi@hotmail.com الرياض
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة