Culture Magazine Thursday  16/12/2010 G Issue 325
فضاءات
الخميس 10 ,محرم 1432   العدد  325
 
مصير المجتهد
من رجم الطبري إلى طرد ابن حزم
منصور بن عبدالله المشوح

تعاني الأمة الإسلامية منذ قرون من داء التقليد للتابعين، والجمود عند أقوال السلف، كما تعاني من سد باب الاجتهاد ومنع طارقيه، فمن هو يا ترى الذي تسبب في كل ذلك الانغلاق وذاك التزمت.

في تاريخنا الإسلامي تؤكد الروايات بأن السلاطين والعلماء هم من أجبروا الناس على لزوم المذهب، والمذهب هو إما أن يكون الفقه الحنبلي أو الفقه الشافعي أو الفقه الحنفي أو الفقه المالكي، وفي بعض الأحيان أجبروا الناس على اعتناق المذهب الظاهري.

في هذه الصورة يصبح الإسلام محصوراً في المذاهب الأربعة أو الخمسة، ويصبح الفقه في هذه الحالة قد بلغ ذروته، فالإسلام لا يجري إلا في دماء تلك المذاهب السالفة الذكر ولا يخرج عنها، فلو أن عالماً كبيراً أراد أن ينشأ مذهباً سادساً فلاشك بأن السياسيين والعلماء والعامة سيرفضون فعله هذا، بل سوف يتهمونه في نيته وعقيدته، كما حصل قديماً للإمام الطبري رحمه الله.

كان السلاطين والعامة يحبون العلماء كما نعرف، لكنهم مع الأسف لا يرتاحون إلا إلى العلماء المقلدين، أما العلماء المجتهدون فهم محل نظر، فالعالم المجتهد في نظر العامة لا يخلو من هوى النفس، والهوى هو أحد أبرز أسباب الانحراف الديني، أما السياسيون فإنهم يعتبرون الاجتهاد خروج على المذهب الذي تبنته الدولة.

لذلك فإن التاريخ يؤكد بأن العلماء المجتهدين معرضون للأذى والملاحقة والاحتقار أكثر من غيرهم، ولنأخذ مثالين على ذلك، وليكونا الإمام الطبري وابن حزم الظاهري.

أولاً: ظهر الإمام الطبري (ت 310هـ) في عصر كانت المذاهب الفقهية فيه قد تشكلت، وأصبحت أركاناً مقدسة لا يجوز النيل منها أو إظهار عيوبها، حيث بات انتقاد أيٍّ منها جريمة عظمى !

في هذه المرحلة الحرجة إذاً ظهر الإمام الطبري، وكان عالماً فذاً، وفقيهاً مجتهداً، بشهود علماء عصره، وأصبح يتلقى من الإكرام والاحتفاء شيئاً كثيراً، ولكنه عندما توجه بنقده إلى الحنابلة وإلى الإمام أحمد رحمه الله تحديداً، حصل ما لم يكن في الحسبان، حيث تحول هذا الفقيه إلى مبتدع، واتهم بالتشيع، ومُنِع الناس من الاستماع إليه، ورُمي في المسجد بالمحابر، وضرب بالحجارة، حتى قيل بأنه تراجع عن بعض آرائه بسبب تلك الضغوط القاسية التي وجهت إليه، ومع ذلك فإن تراجعه لم يشفع له عند أغلب الناس، حيث بقي مغضوباً عليه، وعندما توفي أخفي نبأ وفاته عن الحنابلة خوفاً منهم، ودُفن ليلاً.

بعد هذه الحادثة المؤسفة لم يعد أحدٌ من العلماء يجرؤ على الاجتهاد المستقل، أو الخروج الكلي على المذهب، وأصبحت حادثة الطبري هذه كابوساً مرعباً ينتاب العلماء الذين يتطلعون إلى الإصلاح والتجديد.

ثانياً: أما ابن حزم هذا العالم، المجاهد، العنيد، فإننا نخطئ كثيراً في حقه، ونتهمه بالحدة والاعتداء، وننسى أنه كان بحدته تلك يرد على المذاهب الأربعة، تلك المذاهب التي كانت تتهم كل من يخرج عليها بإتباع الهوى وسوء النية، لقد أراد ابن حزم بحدته تلك أن يحيي مذهب الظاهرية الذي أوشك على الانقراض، إنه الصراع من أجل البقاء.

كان ابن حزم يعاني من تسلط بعض العلماء المتزمتين، الذين كانوا يحتقرونه ويحطون من شأنه، لقد كان ابن حزم مضطراً إلى طريقته الحادة تلك في الكتابة، فلقد استخدم نفس الأدوات التي كانوا يستخدمونها. كانوا يحتقرونه ويشنعون عليه، فلو صمت كما صمت الإمام الطبري من قبل، لما كان لدينا مذهباً خامساً يدعى المذهب الظاهري.

تقول الروايات بأن المذهب الظاهري، ظل منتشراً قوياً إلى القرن الخامس الهجري، ثم قل أتباعه، وضعف أنصاره بعد ذلك، حتى أوشك المذهب أن ينقرض، فمن هو السبب في ذلك ؟

نحن نعرف بأنه عندما هبَّ ابن حزم لنجدة المذهب الظاهري الذي يواجه نقداً لاذعاً من قبل الخصوم، لم يستطع الفقهاء المعاصرون له مواجهته لوحدهم، لذلك لجئوا إلى السلطان، وبالفعل قام السلطان الموقر بالمهمة فأحرقت كتب ابن حزم ونفي من بلده، وشوهت صورته، ومن خلال هذا التدخل السياسي تم إحراج ابن حزم، وبه كانت نهاية المذهب الظاهري، وطويت صفحاته بعد أن كان حاضراً وبقوة - كما يذكر علي جمعة - في العصور الخمسة الأولى، وهذا لا يعني أنه لم يكن له ظهوره، بل إنه تواجد في بعض الحقب، لا سيما في آخر القرن السادس وأول القرن السابع، ولكنه سرعان ما تلاشى أو كاد.

بريدة
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة