Culture Magazine Thursday  20/05/2010 G Issue 311
الثالثة
الخميس 6 ,جمادى الآخر 1431   العدد  311
 
إمضاء
ناقد الاختلاف

يعتمره هدوء، وتصاحبه ابتسامة، يألفه من يعرفه، ويتأمله من يجهله؛ إذ تبقى شخصيته ممزوجة بشيء من الظلال؛ فهو - وإن كان بجانبك - يطل من «شرفاته»؛ فلا تدري: أهو قريب أم بعيد؛ ليبقى - كالكثيرين فينا - مجاملا في إطار العلاقات الاجتماعية العابرة، ثم تبدو شخصيته التي ترسم خيوطه وخطوطه في مواقف العمل ورسمية التعامل.

قدم اعتذاره عن «الرئاسة» وهو مرشح للتمديد، وضرب - مع قلة - نموذجا لتفسير معنى الكرسي المتحرك الذي يدور؛ فيترجل ساكنوه بإرادتهم، ما دام الأصل السكن بعقود مفتوحة النهايات، إلا حين يتداركهم هرم وخرف وممات.

وعينا في الأثر أن الإنسان يضعف كل شيء فيه كلما ازدادت خطوات العمر إلا علاقته بالحياة والمال فتقوى، والمنصب مرتكز اعتداد لمن شاخوا، وعند غيرنا تبقى «الستون» فاصلا بين مرحلتي السعي والوعي؛ فليكفِ ما فات، ولتستمتع بما هو آت، ولكن: هيهات.

غادر الكرسي «الشرفي» في النادي الأدبي، واعتذر عن الكرسي «الحيوي» في الوزارة الثقافية، واقتنع أن العمل «الشوروي» سيعطيه مسافة للركض الهادئ؛ فلا يفقد لياقته الذهنية، ولا يستنفد إمكاناته البدنية، وربما هو التخطيط الهادئ لعطاء علمي وثقافي نوعي.

الأستاذ الدكتور سعد بن عبد الرحمن البازعي (القريات -1953م) أكاديمي لم يغادر موقعه البحثي والتدريسي لأكثر من ثلث قرن، وكانت أطروحته للدكتوراه عن الاستشراق في الآداب الأوروبية من جامعة (بردو - الإنديانية الأميركية)، وله مجموعة مؤلفات أبرزها: دليل الناقد الأدبي، استقبال الآخر، شرفات للرؤية، المكون اليهودي في الحضارة الغربية، جدل التجديد، سرد المدن، قلق المعرفة.. وله أبحاث محكمة في مجلات عالمية، كما كتب في ثقافة الجزيرة «الملاحق الأحدية والخميسية والمجلة الثقافية الاثنينية ثم الخميسية» على مدى سنوات.

ولعل صورة البازعي الثقافية لا تكتمل دون قراءة الاختلاف العلني بينه وبين الأستاذ الدكتور عبد الله الغذامي، وفي حين سويت كثير من أمور الجدل الثقافي حتى بين ذوي التوجهات المتضادة فإن افتراق الغذامي/ البازعي لا يزال جذعا يطل بمناسبة وأحيانا بدونها، وقد جمعتهما «الجزيرة» يوما؛ فكان لكل واحد منهما مسار في الممرات ناء عن الآخر، وناقش مثقفون «قريبا» هذه الجفوة في مجلس خاص، وتساءل الأستاذ إياد مدني عنها، وكان البازعي حاضرا؛ فلم تشفنا المبررات العلنية للموقف العلمي المجرد من النظرية النقدية الغربية، وفي الجلسة أثنى «أبو مشعل» على»أبي غادة»؛ فأيقنا أن الكبار يعدلون في خصوماتهم؛ فلا تمتد وراء الظاهرة نفسها لتقرأ البواطن، كما دأب الخطاب المؤدلج في السنوات الأخيرة.

لا شك أن الوسط الثقافي أثرى بخلافهما المنهجي، وربما كانت ريادة حركة الحداثة سببا؛ إذ لا يُسلِّم البازعي للغذامي بها؛ فليكن؛ متمنين ألا تمس علاقاتهما الشخصية، وعلاقات محبيهما معهما؛ فكلاهما رقم ورمز، وللمناحي الخاصة - إن وجدت - مداراتها.

المفارقة في حكايتهما أن التراثي المتخرج في الأدب العربي يوظف النظرية الغربية اقتناعا بها، ودارس الأدب الغربي يتفحصها شكا في جدوى تطبيقها، ثم ينصرفان إلى جدل بينهما، ولا بأس، وآخر بالنيابة عنهما، وهو ما يمنع التقاءهما وما نتحفظ عنه.

نكون حيث نريد.

ibrturkia@gmail.com
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة