Culture Magazine Thursday  21/01/2010 G Issue 295
أقواس
الخميس 6 ,صفر 1431   العدد  295
 
هل قناة الثقافة تغرد خارج السرب؟!
الألمعي: القناة بلا ملامح..والصقاعي:دون الطموح

الثقافية - عطية الخبراني :

انطلقت مطلع العام الجاري قناة الثقافة ضمن أربع قنوات سعودية أطلقتها وزارة الثقافة والإعلام، واستبشر الوسط الثقافي بهذه القناة معتبرينها رافداً من روافد الثقافة وقناة لإيصال صوت المثقف السعودي إلى الداخل والخارج وشاهداً على تسارع الحراك الثقافي والفكري داخل المملكة، ولكن يبدو أن انطلاقة القناة وما تقدمه لم يسر الكثير من المثقفين الذين وصفوها فيما بعد بالنمطية وعدم القدرة على الدخول في إطار الفعل الثقافي.

الثقافية استطلعت العديد من آراء المثقفين والمتابعين الذين عبر الكثير منهم أنه لم يشاهد القناة أصلاً ليحكم عليها وهذا بحد ذاته حكم نتركه للقارئ، فيما رأى آخرون أن المرحلة لا زالت مبكرة لتقييم القناة.

يقول القاص زياد السالم: لا أستطيع أن أصدر حكماً ناجزاً على (الثقافية) حالياً كونها ما تزال في حالة جنينية ولم تتشكل ملامحها بعد، إذ إنها في طور البث التجريبي، غير أن لدي حكماً أولياً حول ما تابعته حتى الآن، لقد ظهرت القناة مخيبة للآمال معتمدة إعادة إنتاج الصوت الأبوي والرؤية الأحادية وتكريس ندوات الجنادرية حد التخمة، كما أنها لا تواكب تحولات عصر الصورة وشساعة الفضاء البصري، ومن جهة أخرى مارست القناة دوراً ماكراً يتجسد بالعرض المكثف والمتواصل (عرض الأفلام الوثائقية) متعامية بصنيعها هذا عن استحقاقات معلقة حول أسئلة الحداثة والحرية والمستقبل والتنمية.

ويضيف السالم: في ظني أن القناة لم تبلور منظومة إستراتيجية كقاعدة ارتكاز ترسم مساراتها وآفاقها، لذا أتمنى على القائمين عليها - إذا أرادوا النجاح - أن يخلعوا عباءتهم الرسمية حتى يتسنى لهم الاشتغال على الجوهري عن طريق فتح الفضاء على كل ماهو مختلف ومغاير وغريب، وهنا يصبح الرهان على توسيع الميدان القيمي بإحلال النسبية في النظر إلى الحقيقة والأشياء والعالم، ولا بد أولاً من محو الوجوه الراكدة في المرآة.

من جهته عبر رئيس لجنة الشؤون الثقافية والإعلامية بمجلس الشورى السعودي الناقد الدكتور عبدالله الفيفي بقوله: لقد كان إنشاء القناة الثقافيّة السعوديّة مقترحاً ناديتُ به قبل سنوات من خلال أحد البرامج الحواريّة في قناة (الإخباريّة)، كما طالبتُ به وزير الإعلام السابق حين حضوره إلى مجلس الشورى، في مداخلة لي. كما أشرت مراراً إلى أن الثقافة في بلادنا حريّة بقناة ثقافيّة احترافيّة لمواكبة نشاطات الثقافة المحليّة والعالميّة. ولقد كان تفاءَلَ كثيرون بأنه بضمّ الشأن الثقافي إلى وزارة الإعلام ستُمنح الثقافة حقّها على غرار الرياضة في أهون الأحوال، ولاسيما بعدما تنادى إليه الجميع من حركة إصلاح فكري بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله، ومع نشوء مركز الحوار الوطني، وبالاتفاق على أن معالجة ظواهر فكرية واجتماعية- كالتطرّف والغلو مثلاً- لا يمكن أن تكون معالجة أَمْنِيَّة، بل قبل ذلك ومع ذلك وبعده يجب أن تكون معالجة ثقافيّةً فكريّة. هذا إلى جانب هدرٍ ثقافي محلّيّ يعوزه التوثيق والبثّ الإعلامي وكل ذلك غذاء ثقافي متنوّع يمكن أن يستثمر، وهو يستأهل أكثر من قناة لا قناة واحدة، في مسعى إلى جعل الثقافة رئة وطنية، وجسرًا عالميًّا.

ويستطرد الفيفي قائلاً: لقد آن إذن- من وجهة نظري- أن تكون لنا قنوات ثقافيّة، لا واحدة فقط، تسعى إلى الأهداف الاستراتيجية الوطنية المشار إليها. كما يمكنها- فضلاً عن ذلك- أن توصل صوتنا الثقافي إلى العالم، بلُغات مختلفة، وبدرجة أكثر نجاعة، وأقلّ كلفة، من الاتكاء على إقامة الأسابيع الثقافيّة خارج المملكة. شريطة أن لا يقتصر دور القنوات الإعلاميّة المنشودة على التغطية الإعلامية، بل تسهم في إثراء الحقل المعرفي والفكري بالتحليل والحوار. كما أنه ينبغي لقنوات كتلك أن لا تكون جافّة، محصورة في بث الندوات والمحاضرات، فتتحوّل إلى قاعات دروس وخُطَب، بل تضطلع ببث النشاطات المسرحية والفنّية والسينمائيّة، ونحوها. وكل هذا سيغدو من عوامل توطين هذه الفنون، التي لا حضور لها في الداخل، وإن كانت تسوّق في الخارج على أنها جزء من واقعنا الثقافي الحيّ! وهنا قد يكمن الخلل في إدارة الثقافة على نحو عصريّ فعّال، وفي تنظيم فعالياتها بصفة تراعي تعقيدات الحياة اليوم، وإتاحة تَلَقِّيها على نطاق واسع، وبأسلوب يواكب المستجدّات، بحيث لا يُحرم كثيرون من متابعة الأنشطة المختلفة والإفادة منها، ذلك الحرمان الذي ينشأ إمّا لتزامنها، أو لتعارضها مع ظروفهم، أو لبعدهم عن أماكن إقامتها. كما أن الأخذ بذلك سيلغي بعض العجز في فترات البيات الصيفي وغير الصيفي، التي تبدو خالية غالباً من الحراك الثقافي.

إن الثقافة اليوم لم تعد: محاضراً يلقي دُرره السنيّة على الجماهير من علوّ منبره، وجماهير تتجشّم المشاق وتقطع المسافات للتحلّق حول المحاضِر، كي تتلقّف ما يلقي عليها وتهزّ الرؤوس!

أمّا وقد هلّ أوّل الغيث بالقناة الثقافية التي افتتحت مطلع العام الجاري، فإن التطلّعات تتمثّل في تفعيل التجربة بما يتناغم مع الأحلام السابقة. غير أن من الحقّ القول هنا إن الوقت الآن ما زال مبكّرًا جدًّا للحكم على التجربة أو نقدها. ففي تقديري أن القناة ما زالت في طور التسويق لنفسها، وهذا جزء من عملية نجاحها المستقبليّ المرتقب، وهو جزء مهمّ ينبغي عدم إغفاله، فكثير من الناس لم يسمعوا بعد بهذه القناة فضلاً عن أن يشاهدوها.

أما الكاتب محمد زايد الألمعي فيقول: إن هذه القناة بلا هوية حتى الآن، وتبدو غير مكتملة الكادر والتجهيزات، وأرى أنها لو ابتدأت بشارة بث تجريبي على مدى الستة أشهر الأولى، وشكلت لها هيئة استشاريّة من النخبة المعنيّة بالعمل الثقافي ومنها تؤسس لرؤية وانطلاقة احترافيّة لكان أولى.

ويواصل الألمعي: نحن بحاجة إلى وثائقيّات محليّة، واستنطاق للواقع، وحضور في الأسئلة الراهنة وبرامج حواريّة واستضافة للشخصيّات الوطنيّة الإشكاليّة والمؤثرة في حراك الثقافة، ومحاولة جادة لرفع سقف الطروحات إلى مستوى الصحافة المحليّة التي نجحت في السنوات الأخيرة وكسرت الكثير من حواجز التعبير الحر، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن القناة حتى الآن فقيرة - بكل معنى الكلمة - وتعاني من عدم وضوح الأسلوب والمعالجة، ولا تعتمد على أي أصوات فاعلة في الحراك الثقافي، وتبدو كمن يختط منهجاً انتقائيّاً يبعد الفاعلين والمبدعين المغروسين في الوجدان العام كما أنها بوضوح لا ترى المبدعين في فنون مختلفة، ويتابع الألمعي: وأجد أنها لو لم تنجح في استقطاب قيادات ذات مصداقيّة في الوسط الثقافي وذات نزعة منفتحة على كافة المشارب والأذواق، فإنها ستصطف في مواجهة الحراك الثقافي، ولن يستجيب لها المبدع والمثقف إلا بمقدار استجابته للقنوات ذات الأفق الضيّق، وعود على بدء أرى أن تضيف لشارتها أن البث تجريبي، وتحشد الآراء من أجل بداية بث احترافي للثقافة السعوديّة فهي حتى الآن بلا ملامح واللعبة الثقافيّة تدور بعيداً عنها وبقوة وسقف مرتفع لا يضاهي ملامح ما نرى.

فيما يرى الشاعر غرم الله الصقاعي أن الحكم عليها الآن يعد حكماً مبكراً لكن الآمال تدعو لأن تكون القناة الثقافية قناةً منافسةً للقنوات الأخرى التي أصبح حضورها مؤثراً وفاعلاً بغض النظر عن ما تقدم، الفنية منها والشعبية.

مشيراً إلى أن الدور المناط بالقناة كبير وليس من السهل القيام به برتابة القنوات الرسمية عادة ولكنه يحتاج إلى دعم حكومي يساعد على بناء جسر من التواصل بين الثقافة والمشاهد.

ويضيف الصقاعي: وربما لو حاولنا الاستفادة من تنوع ثقافتنا وتعدد مشاريعها القائمة ومن الرغبة الحقيقة لدى عدد كبير من المثقفين للمساهمة فيها لاستطعنا منافسة القنوات الأخرى، ولعل ذلك يتطلب وجود مراسلين للقناة في كل المناطق لتغطية كل المناشط الثقافية بمفهومها العام وليس الاقتصار على المناشط الأدبية وكذلك إشراك كل مثقفي الوطن في البرامج وعدم التركيز على مناطق معينة وهي ما تسمى بالمركز، بل القيام بإعداد وتنفيذ برامج في كل مناطق المملكة والتعريف بكل أوجه الثقافة في بلادنا,

معتبراً أن ما تقدمه القناة الآن لا يرقى إلى مستوى الطموح فما يقدم وليس هو المؤمل من قناة تعبر عن ثقافة وطن أو تعبرعن فكرة تثقيف بقدر ماهو إنتاج وإعادة لبرامج سابقة.

وفي حديث للثقافية قال مدير قناة الثقافة حسن الحمدان: إن ما يظهر على شاشة القناة هي البدايات فقط وسترون بإذن الله في القريب العاجل من البرامج والمواد التلفزيونية ما سيرقى إلى رغبات المشاهد، وعما إذا كانت البداية ليست في مستوى المأمول فأنا أكرر أنها ليست سوى البداية التي ستنمو معها هذه القناة, وسنة التنامي موجودة في كل كائن حي, والعمل الإبداعي جزء منه, فلا يمكن أن تصل إلى الكمال في أول أيامك ونشأتك, وأفضل القنوات التلفزيونية ممن لها مكانة كبيرة حتى على مستوى العالم كانت لها بدايات متواضعة وتلمس للطريق وهذا أمر لا يعيب، وليس هنالك ما يظهر من أول يوم مكتمل النمو والبنية إلا الأحجار التي لا تنمو ولا تتطور بل تتفتت بفعل الزمن وحركة الحياة، وحتى يكتمل البناء آمل من المثقفين عموماً ممن لهم حق العتب والعشم في القناة أن يتذكروا أن هذه القناة هي في النهاية لهم وهي دارهم وما نسعى إليه هو قناة تخدم المثقف السعودي أين ما كان.

ويواصل الحمدان: أرى أن القناة لم تقدم سوى النزر اليسير مما خطط لها وفي المشروع أشياء كثيرة، فالقناة ستحوي برامج ومواد تغطي المشهد الثقافي ككل وتعكس ما يمور في داخل الحراك الثقافي ليس المحلي فقط بل والعربي وقريباً العالمي, وتشمل الإبداعات في كل مجال فهي تغطي الحركة الأدبية بكل أشكالها والحركة الفنية بأوجهها المختلفة من تشكيل ومسرح وسينما وتلفزيون وصحافة وغيرها وهذا ما سترونه في القريب العاجل إن شاء الله.

وفي رد على القائلين بأن القناة تجتر الصورة النمطية وتقدم الأفلام القديمة وتغرد خارج السرب يقول الحمدان: هذه مرحلة عابرة وهذه متطلبات البث التلفزيوني وإن كانت أغلبية المواد المقدمة هي في الإطار الثقافي, مع التأكيد بأن طموحنا وطموحكم في نفس مسار السباق واتجاهه، أما أن القناة تغرد خارج السرب فأنا أرى أنها حتى الآن لم تغرد لكنها حين تغرد فإني آمل أن يكون تغريدها يشجي و يطرب الآذان بأصوات مثقفينا ومبدعينا الذين هم روح القناة ورائحتها بعطاءاتهم وإبداعاتهم.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة