Culture Magazine Thursday  21/01/2010 G Issue 295
فضاءات
الخميس 6 ,صفر 1431   العدد  295
 
إنه المنهاج والمنهجية
أ.د. يُمنى طريف الخولي

تحية مزجاة لجامعة الملك سعود المرموقة لهذه البادرة المحمودة حقاً، ألا وهي عقد ندوة دولية موسعة، نالت حقها من الإعداد الجيد والتنظيم المسبق، حول موضوع: (قضايا المنهج في اللغة والأدب: النظرية والتطبيق)؛ فقد أصبح (المنهج) مفهوماً محورياً ومرتكزاً أساسياً في الدراسات المعاصرة النازعة إلى الجدوى والجدية والانضباط. ولا غرو؛ فالمنهج في خاتمة المطاف هو الطريق الواضح والطريقة الناجزة.

وفي ميدان الدراسات اللغوية والأدبية تحديداً نجد قضايا المنهاج والمنهجية أشد إلحاحاً وأكثر ضرورة ومدعاة للمثول والحضور؛ فهي دراسات بصميم طبيعة موضوعها تشتبك مع العوامِل الموضعية والشخصانية الذاتية والانطباعية والذائقة الفردية؛ فيشتد احتياجها لحديث المنهاج والمنهجية، من حيث إنه حديث كفيل بأن يَعِد دائماً بمزيدٍ من الموضوعية، من حيث يعد بمزيد من الضبط والتقنين والتنضيد.

وأهمية المنهاج في ميدان الدراسات اللغوية والأدبية تتكاثف وتتعاظم في حال اللغة العربية بالذات والآداب العربية تحديداً، التي تتيه مجداً وشرفاً ومسؤولية كبرى واستخلافاً بأن العربية هي لغة الوحي القرآني المنزَّل الذي هو المعجزة اللغوية والأدبية العظمى.

ولئن كانت اللغة - أية لغة - هي عنوان الهوية - أية هوية -؛ فإن هذا يصدق على اللغة العربية والهوية العربية أضعاف ما يصدق على سواها. اللغة العربية هي عنوان الهوية العربية، شرفها ومجدها، عمودها وعمادها وأساسها الراسخ المكين، ويظل الشعر ديوان العربية الأكبر، والأدب فنها الأول؛ فتحمل الدراسات اللغوية والأدبية المسؤولية الكبرى في تجسيد الهوية العربية والشخصية الحضارية العربية، التي هي بمثابة الأصل والمبتدأ والمرتكز والنواة للشخصية الحضارية الإسلامية.. لكل هذا يكتسب تقنين دراسات اللغة العربية وآدابها، عن طريق مباحث المنهاج والمنهجية، أهمية مضاعفة. إنها مسؤولية جليلة، وجدت مَنْ هو أهل لها.

وعوداً على بدء، لا بد من التأكيد مجدداً ودائماً على أهمية وخطورة قضية (المنهج) على العموم و(منهج البحث) على أخص الخصوص؛ ذلك أنه في كل منشط يمارسه الإنسان على العموم سواء نظرياً أو عملياً، تخطيطياً أو تطبيقياً، مثالياً أو واقعياً.. يتقدم مفهوم المنهج ليبث في أعطافه النسقية والنظامية والضبط والتقنين، ورسم الطريق من المبتدأ والمقدمات إلى الغايات والمرامي والأهداف. على أن المنهج في ميدان البحث، البحث في شتى فروع العلم والمعرفة والدرس، يتقدم ويعلو على أي استخدام آخر لمفهوم المنهج؛ لأن المنهج في البحث ليس مجرد أطروحة واعدة بالأفضل والأجود، بل هو الشرط الضروري بألف ولام العهد. ولا بحث علمياً بلا منهج.

(منهج البحث) أو مناهج البحث - بتعبير أستاذ الجيل الدكتور زكي نجيب محمود - منجم أو مناجم نستخرج منها فرائد العلم والمعرفة.. التي هي القوة الحقيقية والمجد الحقيقي للإنسان الذي يمكنه من القيام بمهمة الاستخلاف العسيرة، وقد أناطها سبحانه وتعالى بالإنسان وجعله تاج الخليقة وبطل الرواية الكونية. فهل لحكمته سبحانه وتعالى ورد الجذر (نهج) في القرآن الكريم مرة واحدة وورد الجذر (بحث) أيضاً مرة واحدة، وكلاهما في سورة واحدة هي سورة المائدة. ورد (المنهج) في الآية الكريمة : {...لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا...} (48) سورة المائدة، وورد (البحث) مرة واحدة، أيضا في سورة المائدة في الآية الكريمة: {فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ...} (31) سورة المائدة، بمعنى حفرها وطلب شيء فيها. فالبحث لغة هو الحفر والتنقيب والتفتيش والاستقصاء، وبذل الجهد، أي الاجتهاد في موضوع ما لمعرفة حقيقته وجمع المسائل التي تتصل به. والخلاصة في كتاب التعريفات للجرجاني، حيث: «البحث لغة هو التفحص والتفتيش، واصطلاحاً هو إثبات النسبة الإيجابية أو السلبية بين الشيئين بطريق الاستدلال».

تُرى، ما النسب الإيجابية أو السلبية بين أشياء المنهاج والمنهجية في مضمار الدراسات الأدبية واللغوية التي سوف تسفر عنها أوراق هذه الندوة الدولية الموسعة؟

* أستاذ فلسفة العلوم ومناهج البحث كلية الآداب - جامعة القاهرة - مصر

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة