Culture Magazine Thursday  21/01/2010 G Issue 295
فضاءات
الخميس 6 ,صفر 1431   العدد  295
 
منجز السبيّل الثقافي بين القبول والرفض
د.محمد عبيد

ما إن أعلن الدكتور عبدالعزيز السبيل عن رغبته في الاستقالة من أجل التفرغ للبحث العلمي، إلا وقد علت أصوات كثيرة تنادي بعودته، وقد ذكرت عددًا من شيم الرجل وخصاله التي لم يختلف عليها اثنان، وهو - بحق - رجل يستحق منهم الثناء والشكر فقد خبرته فترة ليست بالقصيرة في الرياض فعهدته كما قالوا عنه دون تزايد أو تزيد، ولست معنيًّا هنا بتعداد مآثر الرجل حتى لا أحسب عليه، وليس لي في ذلك مطمع ولا ناقة ولا جمل.

لكن ما أود أن أقف عنده هنا في هذه المقالة هو ذلك التناقض البعيد في الحكم على ما قدمه الدكتور السبيل خلال الفترة التي عمل فيها وكيلا لوزارة الثقافة، وسوف أختار من بين ما كتب عنه، أو كتب ضده مقالتين متناقضتين والغريب فيهما أنهما كانتا في عدد واحد من المجلة الثقافية في أسبوعها المنصرم.

فقد كتبت الأستاذة سهام القحطاني مقالة بعنوان» هل نجح السبيل كعراب للمثقفين» واستنكرت في بداية مقالها - كاستنكارها في العنوان- أن يكون الشكر والإطراء من نصيب السبيل لأنه كان يمثل جزءًا من مرحلة وليس هو مؤسسها أو مبتكرها أو قائدها، وإنما يجب أن يشمل فريق العمل .

ولا أرى غضاضة في أن يكون المقصود بالشكر فقط هو الدكتور السبيل خصوصا إذا اتفقنا على أنه قد نجح إلى حد بعيد في تقديم ما يستحق أن يشكر عليه، وذلك لأن العمل المؤسسي في الأصل قيامه على عاتق نوعية خاصة من الأفراد منحت بعض الميزات التي تؤهلها قيادة المؤسسة فلا غرو في أن يوجه الشكر له، وهو بعدُ- أعني الشكر- يشمل أيضا المجموعة التي كان يعمل السبيل معها، وأظنه أيضًا لو كان من المقصرين لكانت المساءلة موجهة إليه على المستوى الشخصي وليس على المستوى الجماعي باعتباره قائدا للمجموعة، ولستُ معنيا هنا بمناقشة المنجز الذي قدمه السبيل طوال فترة عمله فهذا له رجاله ومحللوه من ذوي الخبرة الإدارية والثقافة العليا.

وذكرت الأستاذة سهام أن الدكتور السبيل رجل خلوق ومحترم ومؤدب، وأضافت بين قوسين» أكثر من اللازم المطلوب للمسئول الثقافي»، وكأن هذا الاحترام والخلق الرفيع الزائد على حده غير مطلوب في رجال الثقافة، وقد يفهم من هذا أن ذلك مما يعاب عليه السبيل وليس مما يحمد له، وأم هذا السلوك لا يؤثر في تقويم المجهود العلمي للمسئول الثقافي، وهذا الكلام - بلا شك- وإن كانت الكاتبة تراه مرسلا ولا يصلح معيارا من معايير التقويم، فليس أقل من أن يحسب له دماثة خلقه في احتواء كثير من المواقف الثقافية التي كانت تظهر على سطح المشهد الثقافي، كان يمكن أن تكون النتائج عكسية لو كان المسئول - لا قدر الله- على قدر غير كاف من الخلق الرفيع.

ورأت كذلك الأستاذة سهام أن الأمة العربية لها طريقة خاصة في استقبال المسئولين وتوديعهم، وهم غالبا ما ينشقون على أي مسئول إما بالمدح أو الذم.

لكني لا أتفق معها في أن الذين مدحوا السبيل يشترط فيهم أن يكونوا من أصدقائه وأحبائه أو من الذين استفادوا من ظل مظلته، وأن الذين انشقوا عليه هم أعداؤه، فلست أرى النخبة التي تكلمت في حق السبيل بما يجب قد قالت ما ليس في الرجل، أو ادعت ما ليس فيه، فالغالبية قد اتفقت على الدكتور السبيل قد اتفقت على أن السبيل قد بذل أكثر ما في وسعه ولم يدخر جهدًا للمحاولة إصلاح المشهد الثقافي في السنوات الأربع الماضية، وكثير من الذين يختلفون مع رؤية السبيل على المستوى الشخصي أنصفوه عندما وضعوا أعماله تحت المجهر؛ فبان ما للرجل من فضل، وليس كل الذين انتقدوا السبيل من أعدائه- وإن كنت لا أوافقها على مصطلح أعداء، ولكن أحسبه - من وجهة نطري- نوعا من اختلاف وجهات النظر، ومن الصعب أن يفسر أي خطاب مخالف على أنه عداء شخصي، وإلا لساغ للبعض أن يعد خلافي مع الأستاذة سهام من باب العداوة، وهو على خلاف ذلك بلا شك.

وليس هناك ما يدعو للدهشة من موقف الشخصية العربية- المثقفة وغير المثقفة- في استقبال أو توديع المسئولين، إذ لا بد أن يكون هناك من يوافق ومن يعارض، ومثل هذا الأمر ليس مقصورا على بلادنا فقط، وإنما هو سمة من السمات الملازمة لأي مجموع له رأي، فلا يمكن أن نتصور اتفاق الجميع، أو اختلاف الجميع على شخص واحد، فهذا - الاتفاق أو الاختلاف الكامل- يخالف السنن الكونية التي جُبل عليها الناس، بل حتى الأنبياء لا نجد التاريخ يذكر أن أحدا منهم كان محل اتفاق- أو اختلاف- من جميع الناس- النخبة وغير النخبة.

كما ذكرت الأستاذة سهام أن الأجندة التي طرحها السبيل لم تحقق أي شيء على الإطلاق، فقد أخفقت الأجندة في تحقيق أهدافها، وفي ظني أن هذا كلام يُعوزه الدليل والحجة والبرهان، فأجندة الدكتور السبيل لا اشك أنها - على الأقل - قد حققت بعض الخطوط العريضة التي من الصعب تجاهلها، ولا أدعي أيضا أنها قد حققت كامل المدونة بسبب قصر الفترة التي تولاها السبيل مما يجعل الحكم صعبا على تقويم أداء أي مسئول ثقافي.

أما حديثها عن تحول السيد إياد مدني والدكتور السبيل والدكتور باقادر إلى جزء من التاريخ الثقافي السعودي ن فهذا صحيح، أما ما أعترض عليه فهو غض نظر الكاتبة عن مستوى ونوعية ما قدموه من إنجازات تحسب لهم، وكأني ألمح هنا تقليلا من الجهد الذي قدم خلال تلك المرحلة، وعبارتها: التاريخ يتسع لاستيعاب الجميع فعبارة تحتاج إلى مراجعة لأن التاريخ - من وجهة نظري- ينسى الجميع إلا الذين تركوا بصمات جلية في مشهده الثقافي.

وإذا ذهبنا غلى مقالة الدكتورة لمياء باعشن بعنوان» متولية قطع الدومينو» في الصفحة المقابلة لمقال الأستاذة سهام نجد أنفسنا في طرف النقيض فيما ذهبت إليه الأستاذة سهام، فالدكتورة لمياء ترى في الدكتور السبيل أنه ليس مجرد إداري ترك مقعده لمن جاء بعده فحسب، وإنما هو رمز يتقدم صف النخبة الفكرية في الوطن، وهو من أصحاب الكفاءات العالية التي تجعله يستحق- وبجدارة- منصب الثقافة العليا،وأن السبيل قد قام بمهامه على خير وجه، وأسهم في استشراف المستقبل وتصويب الاستراتيجيات في الساحة الثقافية على مدى سنوات طويلة.

وهذا الكلام بعض مما ذكرته الدكتورة لمياء، وهو يمثل الاتجاه المعاكس في إطلاق الأحكام المعيارية على شخصية السبيل كمسئول ثقافي، وهي لا تراه- بعكس الأستاذة سهام- مقصِّرًا في أي عمل من الأعمال التي وكلت إليه، وأنه قد أداها على خير وجه، وهو بهذا يستحق الشكر من الجميع إذا كانت هذه هي الصورة التي خلت من السلبيات.

كنت أتمنى أن تقوّم أعمال الدكتور السبيل بشكل موضوعي بعيدًا عن الإطراء المبالغ فيه، وبعيدًا أيضا عن الانتقاص المبالغ فيه، وحينها سوف يكون المشهد الثقافي في ميزان الغرض منه ليس التقطيع في «فروة رأس المسئول» وإنما هو نقد لبناء مرحلة قادمة نقدم فيها الصورة كاملة - بحلوها ومرها- أمام المسئول القادم حتى يستطيع أن يكمل المسيرة الثقافية على هدى، ولعلنا نجعل من أحكامنا على المسئولين نبراسًا مضيئًا لهم، وليس سياطًا تجلد بها أعمالهم.

جدة Abeed1974@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة