Culture Magazine Thursday  21/01/2010 G Issue 295
فضاءات
الخميس 6 ,صفر 1431   العدد  295
 
السنوات الثقافية العجاف
سهام القحطاني

عندما تتأمل الساحة الثقافية في السنوات الثلاث الأخيرة 2007 و 2008 و2009 ستلاحظ أن هناك هدوءاً تاماً سيطر على المشهد الثقافي، ولم تستطع المشكلات الثقافية، التي أثارتها أزمة اللجان النسائية في الأندية الأدبية وأزمة تعيين أعضاء مجالس الأندية الأدبية ولائحة الأندية الأدبية ومسألة الانتخابات الثقافية واستقالة بعض أعضاء مجالس الأندية الأدبية أو حتى محاور الملتقيات الثقافية، من إحداث أي حراك ثقافي ينتج تحولاً ثقافياً؛ وقد يكون السبب في ذلك اكتشاف المثقف هشاشة الإدارة الثقافية في وزارة الثقافة، وهو اكتشاف أفقد المثقف الثقة في تلك الإدارة في التدخل الإيجابي لحل تلك الأزمات أو تقديم بدائل فاعلة لحل تلك الأزمات؛ وبالتالي فسلبية السلطة الثقافية على التغيير أو التحويل الذي قد يقترحه المثقف أنتجت الدور السلبي للمثقف نحو أزمات المشهد الثقافي.

ولو قربنا المسافة الزمنية سنجد كذلك أن كلاً من مؤتمر الأدباء وحيوية موضوع الحوار الوطني التاسع لم يستطيعا أيضاً أن يستفزا المشهد الثقافي ويقلبا الهدوء إلى نشاط وتفاعل مع الحدثين؛ كونهما نشاطين ثقافيين لإبراز المشكلات الثقافية واستثمار الحدثين كورقة ضغط على الإدارة الثقافية لحل تلك المشكلات. وقد يكون هذا الاستقبال الفاتر لهذين الحدثين من قِبل المثقفين هو إحساس المثقفين بأنهما مجرد تحصيل حاصل.

فمؤتمر الأدباء جاء على شاكلة النهايات السعيدة للدراما التلفزيونية العربية لإغلاق مرحلة ثقافية لم تحقق أي إنجاز ثقافي تنويري، ومن الطبيعي ألا يُثار أي تفاعل ثقافي لا قبل المؤتمر ولا بعد المؤتمر، وحتى توصيات المؤتمر فقدت بريقها من كثرة تكرارها في المتلقيات والصحف دون أن تجد لها أي أثر عند صناع القرار الثقافي، وهو ما عزَّز عدم الجدية في تنفيذها.

أما الحوار الوطني الذي قفز بموضوع الخطاب الثقافي وقضاياه على مراحل، ما زلنا في حاجة إلى تأسيسها البنيوي الشعبي قبل النخبوي، فجاء لمجرد توسيع لأجندة موضوعاته، وهذا ما يجعل جديّة موضوعات الحوار الوطني محل شك عند المثقفين على مستوى التفاعل والتطبيق الثقافيين، خاصة في ضوء غياب التنفيذ الجدي لتوصيات الدورات السابقة للحوار الوطني، وغياب الإحساس الثقافي بجدية المسؤولية الثقافية للحوار الوطني هو ما يجعل الحوار الوطني دائماً حدثاً ثقافياً عارضاً لا يثير أي تأملات أو تفاعلات ثقافية تثري الساحة الثقافية وتقود تحركاتها أو توسع جدلياتها الثقافية.

كما استقبل المشهد الثقافي ترشيح ثلاث روايات سعودية لجائزة بوكر بفتور غريب، وبدلاً من أن ينهض المشهد الثقافي على قدم وساق للتفاعل مع هذا الحدث الثقافي واستشراف آثاره على صناعة الرواية عندنا بدأ البعض في التشكيك في جدية ذلك الترشيح وما يخفي خلفه من مآرب لا تتضمنها مواصفات الجودة والقيمة والتأثر والتأثير.

ثم جاءت استقالة الدكتور السبيل وتنحية الدكتور البازعي (الإرادية) عن إدارة نادي الرياض الأدبي، صحيح أنهما استطاعا أن يحركا المشهد الثقافي ويخرجاه عن هدوئه كحدث ثقافي طارئ، لكن ما يلبث بريقهما في الخفوت فيعود المشهد الثقافي إلى سابق عهده من الهدوء الثقافي بسبب الطريقة الوجدانية التي تعامل بها الجميع مع هذين الحدثين، وغياب التعامل العقلاني مع الحدثين كونهما يثيران أزمة ثقافية تتعلق بطرد غير مباشر لكل كفاءة ثقافية وتكريس فكرة أن المسؤول الثقافي يجب أن يكون بلا طموح ثقافي أو جرأة ثقافية في الوعي الثقافي.

وعندما تضبط موقف المثقف من كل تلك المشكلات الثقافية ستستنتج أن هناك عدم تفاعل جدي غالباً من قِبل المثقف نحو تلك المشكلات الثقافية، ولا تدري كيف تصف عدم جدية تفاعل المثقف، هل هي سلبية أم إحباط؟ ولا شك أن لكل منهما أسباباً هي التي ساهمت في هيمنة الهدوء على الساحة الثقافية.

والهدوء الثقافي أحسبه مؤشراً على إفلاس المشهد الثقافي من القضايا الثقافية الاختلافية، وليس مؤشراً على السلم الثقافي أو التوافق الثقافي أو النضوج الثقافي كما قد يحسبه البعض.

لأن الثراء الثقافي لا يتحقق إلا في ضوء الصراعات الثقافية والأزمات الثقافية والتحولات والتغييرات الثقافية؛ فذلك الحراك هو الذي يجدِّد الخطاب الثقافي.

وقد يرى البعض أن سبب هذا الهدوء هو غياب القضية الثقافية الاختلافية التي تتزعم الصراع الثقافي وتبث روح النضال على الساحة الثقافية، وهو قول لا يتفق مع الصواب أو مع مستجدات الواقع الثقافي حسبما أعتقد.

فقضية الإصلاح التي تبناها الخطاب السياسي لدينا كانت وما زالت مصدر إثراء ثقافي ومفتاحاً للكثير من التحولات والتغيير الثقافي والجدليات.

لكن المثقف لم يستطع استثمار قضية الإصلاح لمصلحة إثراء الساحة الثقافية حتى الآن وصناعة الجدليات الفكرية، وهذا ما يُحيّر متأمِل الساحة الثقافية؛ أي لماذا لم يستثمر المثقف السعودي قضية الإصلاح الثقافي كقضية ثقافية خلافية من حيث المصطلح ومن حيث إشكالياتها من حيث مستوياتها الفكرية واستراتيجيتها ووظائفها ومعاييرها الاقتضائية وعلاقاتها بالعقل الثقافي والعقل الاجتماعي والعقل العرفي، وهو ما يجعل قضية الإصلاح الثقافي قضية فكرية تنظيرية فلسفية جدلية تضمن حراكاً اختلافياً جدياً ومستمراً للساحة الثقافية.

ويمكن طرح بعض الاحتمالات التي توضح أسباب عزوف المثقف السعودي عن تبني قضية الإصلاح الثقافي وإشكالياتها وجدلياتها الفكرية، منها:

عدم تعود المثقف السعودي على التعامل مع القضايا الفكرية والتنويرية والجدليات التي تحتوي على خطابات ثقافية؛ لأن الأعم الأغلب من المثقفين السعوديين الذين يتناولون من فترة لأخرى القضايا الفكرية هم قادمون من الفنون الأدبية (القصة والشعر والرواية)، ونصنصة القضية الفكرية لا تعني فكرنتها؛ لأن النصنصة مرتبطة بنشاط درامي يعيق المسار التنظيري للقضية، كما أن المعالجة الدرامية والأسلوب الوجداني اللذين تعوّد عليهما المثقف في مناقشة القضايا الثقافية لا يتناسبان مع الجدليات الفكرية لقضية الإصلاح الثقافي؛ وبذلك فالثقافة السعودية تفتقد "المثقف المفكر" باستثناء الغذامي وتركي الحمد وراشد المبارك وزكي الميلاد والشيخ حسن الصفار، وإن اختلف كل منهم من حيث مستوى التأثر والتأثير.

وقد يقول قائل إن المثقفين السعوديين كمفكرين قد نجحوا في قيادة الساحة الثقافية في عهد الحداثة، وهذا القول صحيح وفق الاعتبار الآتي: وهو أن الحداثة كان لها قائد فكري هو الذي كان يحرك الاتجاه الفكري للقضية، كما أن قضية الحداثة كانت تسير وفق مسارين: المسار الفكري الذي تزعمه الغذامي، والمسار التطبيقي أو الأدبي من خلال النصوص الشعرية والقصصية التي قدمها المثقف المبدع، وفي المقابل كان هناك التيار المحافظ، وأيضاً كان يتحرك وفق مسارين: المسار الفكري الذي عبّر عنه عوض القرني والمسار التطبيقي أو الأدبي.

إذن كان هناك توازن ثقافي للقضية ما بين الجانب التنظيري والجانب التمثيلي مقصود ومحسوب؛ فقد كانت الساحة الثقافية كطاولة شطرنج، الكل يعرف دوره ووظيفته، أما اليوم فالساحة الثقافية تبدو حظيرة دواجن، مسكناً لكل الضالين وأبناء السبيل.

هل هذا يعني أن عودة النشاط والتفاعل إلى الساحة الثقافية لن تتم إلا بالتعامل مع قضية الإصلاح الثقافي على طريقة التعامل مع قضية الحداثة؟

أنا لا أقول يجب أن تكون هناك مشابهة في التعامل بين القضيتين؛ لأن مراعاة الفرق بينهما ضروري.

لا شك أن هناك فرقاً بين جدليات قضية الحداثة وجدليات قضية الإصلاح الثقافي؛ ليس بسبب توافر الجانب التطبيقي في القضية الأولى وغيابه عن القضية الثانية، وإن كانت المعالجة الدرامية للجدليات الفكرية للإصلاح الثقافي أو تحويل تلك الجدليات إلى نشاط درامي ممكنة شريطة توافر إمكانيات ذهنية وثقافية وتقنية خاصة يتمتع بها المبدع لتحويل الجدلية الفكرية والفلسفية إلى جدلية درامية؛ بل بسبب الطبيعة التنظيرية لكليهما وكيفياتها.

فقضية الحداثة هي قضية فكرية مستوردة، أي أن أطرها النظرية منجزة، في حين أن قضية الإصلاح الثقافي تحتاج إلى تأسيس للأطر النظرية لها، وهو ما يستوجب على المثقف امتلاك قدرة تنظيرية لتحديد المستويات المعرفية لتلك القضية وفنيات جدلياتها الفكرية وممثلات تطبيقاتها.

فهناك فرق معرفي وتقني بين أن تفكك نظرية فكرية وأن تصنع نظرية فكرية.

فالمثقف المفكر السعودي مطالب بصناعة نظرية الإصلاح الثقافي، لكن ما قد يُعيق المثقف السعودي عن إنجاز هذه النظرية هو قصر نفس المثقف السعودي في مجالات التحليل والفكر والبناء التنظيري.

وقد يمكننا المراهنة في هذا المجال على المثقف الأكاديمي صاحب الخبرة والتجربة الثقافيتين في تأسيس نظرية الإصلاح الثقافي؛ لأنه الأقرب بفضل ما يملكه من تقنيات وآليات نظرية لا يتصف بها المثقف الإبداعي أو الميداني.

* غياب القائد الثقافي هو محور سأتوسع فيه في مقال آخر.

* عدم امتلاك المثقف الشجاعة الكافية للتعمق داخل تلك القضية لمصلحة تجديد الخطاب الثقافي؛ لتداخل جدلياتها مع البنى الرئيسة للعقل الاجتماعي والسياسي، وهو تداخل يتطلب من المثقف مراعاة الفروق الدقيقة بين الثوابت والمتحولات.

وأعتقد أن بعض المثقفين لدينا، خاصة من يكتبون في قضايا "الإرشاد الثقافي" لا يميزون بين الثابت والمتحول وخصوصيات الهوية ومكتسباتها.

* افتقاد المثقف الوعي الثقافي الكافي للتعامل مع تلك القضية واستنتاج جدلياتها؛ فنحن نتعامل مع قضية الإصلاح بوجه عام، والإصلاح الثقافي بوجه خاص، على أساس أنها مجموعة من الأفكار.

في حين أن الإصلاح الثقافي هو مجموعة من البنى الفكرية والاستراتيجيات التطبيقية التي تلزم منهجاً ومقرراً يراعي السقف الاجتماعي والسياسي والاجتماعي للعقل العرفي ولا يتأثر به.

كما أعتقد أن التركيز اليوم على قضية الإصلاح الثقافي واستثمارها لمصلحة تجديد الخطاب الثقافي وتأسيس منهج ومقرر فكري وفلسفي للثقافة السعودية وإعادة ثيمة القائد الثقافي والحيوية والصراع الثقافيين إلى الساحة الثقافية قد يعوضنا عن السنوات الثقافية العجاف السابقة.

****

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة 7333 ثم أرسلها إلى الكود 82244

جدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة