Culture Magazine Thursday  21/10/2010 G Issue 320
فضاءات
الخميس 13 ,ذو القعدة 1431   العدد  320
 
ما بين الدكتور عبدالعزيز خوجة والدكتور عبدالعزيز السبيل..
ما أشبهَ الليلة بالبارحة!
سهام القحطاني

أعادت استقالة أعضاء نادي الشرقية الأدبي إلى سطح المشهد الثقافي السؤال الذي كاد يضيع مع زحمة الأحداث الثقافية المتتابعة للموسم الثقافي المنصرم ووهج الوزارة الجديدة للثقافة وفراغ الصيف، والذي تكرر طرحه مرات كثيرة زمن الدكتور عبدالعزيز السبيّل عندما كان وكيلاً لشؤون المثقفين، وهو السؤال عن «جدية التغيير الثقافي» الذي تبنته وزارة الثقافة في زمن الدكتور السبيل أو تتبناه الآن بقيادة المثقف الوزير الدكتور عبدالعزيز خوجة، وهو السؤال الذي ظل مؤجلاً حتى ظهور اللائحة التي ملأت الدنيا وشغلت الناس قبل ظهورها، ثم بدأ بالظهور على استحياء بعد صدور اللائحة ما بين مشكِك في حقيقة وجدية وقيمة التغيير الذي تحمله اللائحة، ومتريِث في إصدار حُكْم نهائي بعدم نفعية اللائحة على مستوى التغيير حتى تتم التطبيقات، حتى جاءت استقالة نادي الشرقية الأدبي «المسببة» الفاضحة لنية الوزارة فيما يتعلق بتطبيق مواد لائحة الأندية، التي ثبّتت ادعاءات المشكِك بعدم جدية حقيقة وقيمة التغيير الذي تحمله اللائحة، ودفعت المتريث لإصدار حكمه المؤجل عند فشل أول تطبيقات لجدية اللائحة على ممارسة التغيير، إضافة إلى سلسلة التجديدات التي أصبحت تُمنح لإدارات الأندية وهو ما يؤكد نية الوزارة في عدم تطبيق مواد اللائحة أو إجراء تغييرات ثقافية حقيقية على المستوى المنظور.

واكتشف من اكتشف أن الفرق ما بين وكالة الدكتور السبيل «عراب» لائحة الأندية الأدبية اليوم ووزارة الدكتور عبدالعزيز خوجة هو أشبه «بخمور قديمة في أوان جديدة»! وأن «وَهْم التغيير» الذي كانت تروج له وكالة الدكتور السبيل، الذي وقع هو ضحيته فقدم «استقالته» مكفرا عن مشاركته في ذلك الوهم، أو أظن ذلك، ما زال قائما في وزارة الدكتور خوجة حتى الآن، وإن كنت أتمنى أن ما يحدث الآن هو الأزمة المعتادة التي تسبق الانتقال والتحول، وما زال هناك متسع من الوقت ليكون القادم مختلفا ويحمل تغييرا حقيقيا لأنظمة القنوات الثقافية لدينا.

وإنَّ وزارة الثقافة اليوم مطالَبة بتقديم دليل مادي على مصداقيتها على التغيير الثقافي؛ لقطع الشائعات التي تروّج عن وَهْم التغيير الذي تدعيه وزارة الثقافة الجديدة، وحتى لا تفقد ثقة المثقف في مصداقيتها وجديتها على التغيير الثقافي، وحتى لا تصبح مثل «صاحب الذئب»! وإذا اقتربنا من مشكلة الأندية الأدبية ولائحتها سواء في زمن الدكتور السبيل أو وزارة الدكتور خوجة، وأنا أجمع بين الوزارتين؛ لأن جذور مشكلة الأندية الأدبية «التعيين» في زمن وزارة الدكتور خوجة تعود إلى زمن الدكتور السبيل الذي سنّ نظام التعيين، وكما أن التعيينات التي حدثت زمن الدكتور السبيل اعتمدت على أصدقاء الدكتور السبيل وأصدقاء أصدقاء الدكتور السبيل ومعارف أصدقاء أصدقاء الدكتور السبيل، دون أن تعتمد تلك التعيينات على مرتكزات الجودة والكفاءة على مستوى إدارة الثقافة، ولا أقصد الجودة والكفاءة الثقافيتين لأعضاء إدارة الأندية. وقد لا نلوم السبيل؛ لأن الاختيار لم يكن متاحًا له في غياب تعدد الاختيارات، وهيمنة الصوت المحافظ على القنوات الثقافية الرسمية، إضافة إلى كون الدكتور السبيل من المثقفين الذين ينتمون إلى تيار المحافظين الجدد، والمرء يميل في اختياره إلى تياره الثقافي دون مراعاة لسقف كفاية الجودة والكفاءة، وحساسية المؤسسة الثقافية الرسمية من المثقف المجدِّد أو المقاوِم، وعدم إيمان المثقف الليبرالي منذ البدء بوكالة السبيل وعزوفه عن المشاركة الرسمية في إدارة الثقافة؛ ما ضيّق دائرة الاختيارات عند السبيّل.

وقد يرى البعض أن خطوة «التعيين» كانت ضرورية في هذه المرحلة وقرارا صائبا من قِبل وكالة السبيل لاستقرار أوضاع الأندية والعمل بهدوء على إنجاز لائحة تسن تغييرا لأنظمة الثقافة وأشكالها.

وذهبت وكالة السبيل، وقدّم السبيل استقالته، وورثت وزارة الدكتور خوجة تركة الأندية الأدبية بكل مشكلاتها المطروحة والمتعالقة. وأصبح الدكتور خوجة أمام ثلاثة مآزق: مأزق اللائحة التي لم تنجز، ومأزق التعيينات، ومأزق ضغوط المثقفين عليه بتفعيل الانتخابات الثقافية في الأندية الأدبية، وجاء حلّ المأزق الأول من خلال إصدار «لائحة الأندية»، وكان هذا يعني أن عليه أن يحل المأزقين الباقيين، حلّ التعيينات وتفعيل الانتخابات. وهناك مسألة أخرى يمكن أن نعتبرها مأزقًا رابعًا، وهي أن الدكتور خوجة بوصفه وزيرا جديدا كان يسعى لكسب ثقة وصداقة كل المثقفين من كل التيارات بمن فيهم رؤساء الأندية، ولا يريد أن يربي له أعداء أو معارضين من المثقفين، وتعامله مع «ملف مشكلات الأندية الأدبية» بصورة جريئة أو حازمة قد يربي له أعداء أو قد يُخسّره تيارا معينا من المثقفين؛ ولذلك فهو يحاول أن يتعاطى مع هذا الملف بسياسة الباب الموارب ليرضي من خلالها كل الأطراف ويُذيب من على كاهله كل الضغوطات الثقافية بتفعيل التغيير، وهي سياسة أظن أن نفسها قصير، ولن تقوى على ملاحقة نقد المثقفين لها.

فكان من الطبيعي في بدء الأمر أن يُصدر قرارا بتمديد سنة لرؤساء الأندية الأدبية، وقد قُبل هذا التمديد من قِبل المعارضين لنظام التعيين تحت مبرر عدم إنجاز اللائحة، وأن أي خطوة في تغيير أنظمة الأندية لا بد أن تنطلق من شرعيّة اللائحة، ولكن تجديد التعيينات لبعض الأندية أو إصدار تعيينات جديدة لأندية أخرى في ضوء وجود اللائحة قد يوقع الدكتور خوجة في مُساءلة من قبل بعض المثقفين المعارضين لنظام التعيين لإيجاد تفسير مقنع لهذه الخطوة، لماذا يستمر تجديد التعيينات أو تُفعل تعيينات جديدة في وجود اللائحة؟ إضافة إلى: ما دلالة قرار الدكتور الجاسر بتفعيل المواد التي تنص على المسائل المتعلقة بالشؤون الإدارية والمالية فقط وتجاهل بقية مواد اللائحة التي دفعت أعضاء إدارة نادي الشرقية الأدبي إلى الاستقالة الجماعية؟

كل هذه الإشارات لها دلالاتها التي لا أظن أن تحليلها سيكون في مصلحة مصداقية الوزارة فيما يتعلق بحل مشكلات «ملف الأندية الأدبية». ومن قرأ لائحة الأندية سيلاحظ أنها تُرسخ الخط العام لأنظمة الأندية الأدبية، وهو ما يعني أن اللائحة لا تقدم سوى إجراءات تنظيمية لإعادة «ترتيب هيكلة الإدارة الثقافية» للأندية الأدبية وفق ما اعتادت عليه ولا تقدم تغييرا حقيقيا لإعادة «بناء هيكلة الإدارة الثقافية للأندية»، وهذه إحدى مشكلات اللائحة التي صدمت بعض المثقفين المراهنين على القيمة التغييرية التي ستتبناها اللائحة بأن اللائحة لم تقدم ما يُعين على بناء هيكلة جديدة لأنظمة الأندية الأدبية، وأن المواد المتعلقة بالجمعية العمومية وأنظمة الانتخابات من الصعوبة تطبيقها على الأندية الأدبية قبل تفكيك خلاياها. إن العملية أشبه بوجوب حرق الأرض قبل أن تزرع فيها محصولا جديدا، وهذا ما يُصعّب دور وزارة الثقافة؛ فلن ينجح تطبيق الجمعية العمومية ولا الانتخابات إلا بعد تفكيك الأندية الأدبية وأنظمتها. ولن يحالف النجاح الوزارة إن فكرت أن تحتفظ بالأنظمة الثقافية القديمة للأندية لتطبق عليها أنظمة الجمعية العمومية والانتخابات، أو أظن ذلك. ولذلك فعلى وزارة الثقافة أن تكون «واضحة» في تحديد اختيارها فيما يتعلق بهذا الملف.

هل تريد استبدال الأندية الأدبية بمراكز ثقافية؟ وما خطتها في ذلك؟

هل تريد البقاء على أنظمة التعيين المتبعة الآن في الأندية الأدبية؟

هل تريد إنشاء جمعية عمومية وتفعيل الانتخابات الثقافية؟.. إذن عليها تفكيك الأندية الأدبية وأنظمتها، وما تفسيرها لتجديد تعيينات بعض الأندية وإصدار تعيينات جديدة لأندية أخرى؟

مع ملاحظة أنه لا يمكن الجمع بين اختيارين أو أكثر من تلك الاختيارات.

أو أن لدى الوزارة خطة مرحلية ومتدرجة لتفكيك الأندية الأدبية وأنظمتها وإنشاء مراكز ثقافية أو إعادة بناء هيكلة الأندية في ضوء مواد الجمعية العمومية والانتخابات الثقافية. وسواء على مستوى وجود خيار فعلي لملف الأندية يملك منظومة تبريرية لتجديد التعيينات وتفعيل التعيينات الجديدة، أو خطة مرحلية متدرجة لإعادة هيكلة الأنظمة الثقافية للمشهد الثقافي لماذا لا تعلن عنها الوزارة وتوضح وجهة نظرها بكل شفافية في الإجراءات التي تعالج من خلالها مشاكل هذا الملف؟

وإن كانت هناك صعوبات في تطبيق مواد الجمعية العمومية والانتخابات على الأنظمة الحالية للأندية الأدبية فلماذا لا تعلن عنها أيضا الوزارة؟ وإن كانت الوزارة تريد أن تتريث في تطبيق بعض مواد اللائحة لظروف ثقافية أو تنظيمية فلماذا لا تعلن عن ذلك؟

وإن كان هناك نظام ثقافي بديل تعمل على إنتاجه الوزارة أيضا فلماذا لا تعلن عنه؟

أعتقد أن من حق كل مثقف أن يعرف بكل شفافية - وهو النهج الذي اتبعه المثقف الوزير الدكتور عبدالعزيز خوجة منذ البدء مع المثقفين بوصفهم شركاء في صناعة القرار الثقافي مع الوزارة - ما الطريقة التي سوف تتعامل بها الوزارة مع ملف شائك مثل ملف الأندية الأدبية والمنظومة التبريرية لتلك الطريقة؛ حتى يستطيع بعض المثقفين أن يملكوا الحجة للدفاع عن مصداقية الوزارة في قيادة التغيير الثقافي وجديته، وما عدا ذلك لا يمكننا أن نقول سوى «خمور قديمة في أوان جديدة»!

sehama71@gmail.com جده
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة