Culture Magazine Thursday  21/10/2010 G Issue 320
فضاءات
الخميس 13 ,ذو القعدة 1431   العدد  320
 
خصائص الأقيسة الطبيعية في منطق ابن تيمية
عبدالله محمد السعوي

إنعام المعاينة في المنطق التيمي وسبر أغواره يوقفنا على تقسيم فني لضروب الموازين فهي تتجلى في أطروحته المنطقية على مستويين: أحدهما، يتمحور حول المشترك، وهوضربان:

أحدهما، يرتكزعلى مبدأ الاشتراك كركيزة محورية تنبعث من أولوية اعتبارالقاسم الجامع بين الأفراد (قياس الطرد) أي ذلك الميزان الذي ينصرف اعتباره في المقام الأول إلى ذلك الجامع المحكومة أفراده بالتضارع والتماثل فعناصره ذات محددات متشاكلة.

الثاني، ميزان تتشكل نُذره من أولوية التباين فالاعتبارالجوهري هنا مُوجه - كخيارمحوري - صوب ذلك القاسم المتفاضلة جزئياته بحكم قابليتها للتفاوت (قياس الأولى) أما المستوى الثاني، فيتمحورحول المتباين وهوكذلك ضربان: أحدهما، تتخلق كينونته على ضوء اعتبارالفارق اللازم عن التضاد (قياس العكس).

الثاني، ميزان يستهدف في اعتباره الفارق الحاصل- بحسبه نتيجة - عن التعيين (الاستدلال بالآيات) وقد بسط ابن تيمية مقولهُ المتصل بخصائص تلك الموازين الطبيعية الأربعة وأشبعها تمحيصا، وبدور تلك القراءة التي بين أيدينا أن تومئ إلى أبرز تلك الملامح الخصوصية كالتالي:

أولاً: قياس (الطرد)، وينفرد بالخصائص التالية:

أ‌- أنه يتكئ على خاصية اعتبار مفردات الأشياء بنظائرها ومن المدرَك بداهة أن مقتضى الاعتبار هو استنباط أمر مّا من الشيء المعتبر وهو الصنو أو النظير الذي جرى اعتباره وهذا المستنبط بدوره يمنح فائدة إضافية بالمكنة توظيفها في حقل الممارسة وميدان العمل.

ب‌- خاصية التسوية بين صنوين أو نظيرين ينتظمهما نعت يتماثلان به حيث يسقط عليهما حكما مشتركا أملاه مقتضى هذا القاسم الجامع ويمثل ابن تيمية لهذا بذلك المستدل الذي رأى «هذا المكذب للرسل، وهذا المكذب للرسل، فحكم على تكذيب الرسل الذي يشتركان فيه بكونه يورّث الهلاك» (الرد على المنطقيين ص371)

ج- يؤوب قانون هذا القياس إلى تلك القضية الشرطية التي مفادها أنه: «إذا ثبت الوصف الجامع ثبت معه الحكم» وهذا يعني أنه يمثل الأصل الثبوتي لقياسي التمثيل والشمول لأن قياس التمثيل ينطوي في أحشائه على المفردات المحققة لهذه القضية الشرطية نحو: «هذا الشيء يتصف بوصف مّا فحكمه حكم هذا الشيء النظير» وكذلك قياس الشمول أيضا مقدمته الكبرى تتمثل في هذه القضية الشرطية وقد أومأ ابن تيمية إلى ذلك في (الرد على المنطقيين ص383)

ثانيا: قياس (الأولى)وخصائصه الجوهرية تتمثل في الآتي:

أ‌- أنه ينفي التسوية التي يتعاطاها قياس الشمول حينما يسوي -أي قياس الشمول - بين كافة العناصر الجزئية المنضوية تحت لافتتِهِ والمندرجة في إطاره وبالتالي ينسحب الحكم على الواحد على بقية الأفراد. وكذلك ليس لديه تحفظ على تقديم الفرع على الأصل في نسبة الحكم إليهما كما يفعل قياس التمثيل.

ب- أن مبناه على أن الفرع أحق بالحكم من الأصل، فما ثبت للأصل من سمات حسنة فإن الفرع أولى بثبوت ذلك له (قاعدة الإيجاب) وماجرى تجريد الأصل منه ونفيه عنه من سيئ السمات فإن انتفاءه عن الفرع أولى (قاعدة السلب) وهذا يقودنا إلى قانون خِطابي يسمى (قانون القلب) ومفاده: إذاكان الفرع أولى من أصله بسمة محددة، فإن الأصل أولى من فرعه بنفي هذه الصفة فإذا كان الواجب أحق من الممكن بالأشياء الوجودية فإن الممكن أحق من الواجب بالأمور العدمية..

ج- أن مايخلع من صفات يفترض أن تُنسب إلى الأصل والفرع عبر آلية تشي بمنطوقها على محورية مبدأ التفاوت بين الطرفين: الواجب والممكن، أي يكون أصل المعنى كليا ذهنيا ينسحب على الواجب والممكن لكن ثمة تفاضل في تجسّد هذا المعنى فيهما كمعاني «الحياة، العلم، الوجود» مثلاً، فالواجب ينعت بالعلم والممكن كذلك لكن ثمة تباينٍ كبير بينهما وإن كان ثمة مايجمع بينهما كقاسم مشترك وهو ما تواضع على تسميته ذوو الاختصاص ب»التشكيك» وعلى ضوء هذا فقياس الأولى هو الخليق بالاستعمال في المطالب الإلهية وفيما يتعلق بالخالق جل في علاه.

ثالثا: قياس (العكس) وخصائصه كالتالي:

أ- إذاكان قياس الطرد هوالأصل الثبوتي لقياسي التمثيل والشمول فإن قياس العكس هوالأصل العدمي لهما، ذلك لأنه يؤوب إلى القضية الكلية الشرطية الآتية: «إذا انتفى الوصف الجامع انتفى معه الحكم»

ب- ينهض قياس العكس على أولوية اعتبار الشيء بضده، والحكمة المستقاة من الضد الذي هومحل الاعتبار تكون متكئة على تبين تمظهرات التباين بين الشيئين.

ج- تتخلق الخطوط المحورية في هذا القياس انبعاثا من التفرقة بين المتباينين ومن ثم يسقط حكما مغايرا بمقتضى إملاءات هذا الوصف الفارق والمفرّق مثل إذا عاين ذلك المكذب للحقائق الأخروية المنكر لمجريات اليوم الآخر، وعاين من جهة أخرى ذلك المسلّم بمصداقية الصيرورة نحو هذا اليوم الموعود وبالتالي حكم على الجانحين صوب التسليم الإذعاني بأنهم قد تعاطو بواعث تحامي موجبات البوار، والظفر بالنجاة يوم التلاق.

رابعا: الاستدلال بالآيات

أ- لأن العلاقة الاستدلالية التي تتبلور وفقها مكوناته العميقة تتجسد في لزوم جزئي من جزئي كالاستدلال ببزوع شمس معين على تموقع نهارمحدد.

ب- أنه استدلال وجودي يتشكل جراءه الدليل على وجود المطلوب ومن هنا فابن تيمية يجعل الدور الوظيفي الجوهري لهذا الضرب يتمثل في إثبات وجودالله وهوبذلك خلافا لابن رشد الذي يعتمد دليل الاختراع أو دليل الحدوث كما عند المتكلمين يعتمدونهما في إثبات الوجود الذاتي الإلهي. طبعا الآيات قد تستلزم وجود المدلول من غير عكس ففي المطالب الإلهية يلزم من وجود الدال وجود المدلول، ولا يلزم من وجود المدلول وجود الدال وعلى ضوء ذلك ف»كل ماسوى الرب مستلزم لنفسه المقدسة بعينها يمتنع وجود شيء سواه بدون نفسه المقدسة» (الرد على المنطقيين ص153). إذاً نفس العلم بالآيات يوجب العلم بالذات وهو بطبيعة الحال لا يوجب علما كليا مشتركا بين الخالق وسواه.

Abdalla_2015@hotmail.com بريدة
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة