Culture Magazine Thursday  21/10/2010 G Issue 320
ترجمات
الخميس 13 ,ذو القعدة 1431   العدد  320
 
البقاء لله...
بداية نهاية عصر الكتاب الورقي(3)
حمد العيسى

كان انهيار مكتبة بارنز آند نوبل هو الصدمة العنيفة الأولى لعالم النشر الغربي. أما الصدمة العنيفة الثانية فكانت قيام وكالة “أندرو وايلي” الأدبية المرموقة في يوليو 2010 والتي تمثل أكثر من 700 من أبرز المؤلفين أو ورثة المؤلفين في العالم بإقامة “شراكة إلكترونية” حصرية مع مكتبة “أمازون دوت كوم” للنشر الإلكتروني تحت مسمى “طبعة أوديسي” Odyssey Edition لبعض عملائها من الكتاب المرموقين أو ورثتهم “متخطية” بصورة متعمدة العرف المعمول به في عالم النشر وهو أن تصدر نسخة ورقية فاخرة (هارد كوفر) للأعمال الجديدة وتليها طبعة شعبية (بيبرباك) ثم يأتي في المرحلة الثالثة الكتاب الإلكتروني. ونتج عن تخطي مرحلة النشر الورقي عبر دور النشر التقليدية صدمة عنيفة ونوبة هلع لكبار الناشرين الغربيين بصورة - تقول الإيكونوميست- أنها أكثر رعبا من أحدث رواية لستيفن كينغ ملك روايات الرعب الأمريكي. وتم بالفعل تدشين وعرض أول 20 كتاب إلكتروني من “طبعة أوديسي” بينهما للبيع في نهاية يوليو 2010 والتي يمكن قراءتها باستعمال جهاز “أمازون كيندل”. وشملت “طبعة أوديسي” ما يعرف بالكلاسيكيات المعاصرة (مثل: “لوليتا” نابوكوف، و”خوف وكراهية في لاس فيغاس” لهنتر ثومبسون، ورباعية أبدايك “رابيت”) ومن المعروف أن وكالة أندرو وايلي الأدبية تعتبر من أهم الوكالات الأدبية في العالم وتحمل اسم مؤسسها الشاعر المغمور (ويقال الفاشل) أندرو وايلي الذي أسسها عام 1980 في نيويورك ثم افتتح فرعا هاما لها في لندن عام 1996. وتمثل الوكالة حاليا 700 مؤلف عالمي مرموق أو ورثتهم مثل: الكاتب الأمريكي الشهير الراحل جون أبدايك، والأمريكي فيليب روث، وورثة الروسي الراحل فلاديمير نابوكوف، وورثة الأديب الأرجنتيني الراحل خورخي لويس بورخيس، والهندي-البريطاني سلمان رشدي وانضم للقائمة مؤخرا المصري علاء الأسواني. وقد اكتسب السيد أندرو وايلي شهرة كبيرة في كوكيل أدبي في أوساط المؤلفين عندما ساند معنويا الروائي سلمان رشدي بقوة بعد فتوى إهدار دمه من قبل الخميني.

أمازون كيندل هو جهاز صغير الحجم ونظام حاسوبي لقراءة الكتب الإلكترونية وغيرها من الوسائط الرقمية كالصحف والمجلات الإلكترونية وأيضا لاستعمال النت. صدر الجهاز الأول في الولايات المتحدة في 19 نوفمبر 2007 وتلاه عدة إصدارات أكثر تطورا لقراءة الكتاب والمطبوعات الإلكترونية. ويتم تنزيل المحتوى الإلكتروني عبر إيميل المشتري أو بواسطة شبكة لاسلكية خاصة تُدعى: “أمازون ويسبرنت” وهي مجانية أي بدون اشتراك. سعر تنزيل الكتاب أو المحتوى الإلكتروني يعتمد على حجم الملف (بايت) ولا يزيد - بحسب بعض التقارير - عن 10% من قيمة الكتاب الورقي الفاخر (هارد كوفر) وهنا تكمن المشكلة القاتلة للكتاب الورقي. توفر هذه الأجهزة أيضا حرية الوصول إلى شبكة الإنترنت واستعمال الإيميل. يتراوح سعر الكيندل بين 140- 500 دولار بحسب نوع الإصدار حيث يبلغ سعر أول إصدار (كيندل-1) 139 دولار فقط وسعر أحدث إصدار (كيندل- دي إكس) 489 دولار.

تعمدت “بارنز آند نوبل” عند تدشين جهازها “ذا نوك” تسعيره ليكون أقل من سعر الكيندل بعشرين دولار، ولكنها فوجئت عندما ردت أمازون فورا وخلال بضع ساعات بتنزيل قيمة الكيندل 25% مما تسبب في زيادة الإقبال عليه بصورة هوسية أدت إلى انتهاء الكمية من مخازن أمازون وأصبح هناك قائمة انتظار طويلة لشراء الكيندل حتى هذه اللحظة.

وفور الإعلان عن الشراكة بين وايلي وأمازن، صدرت بيانات شجب عنيفة من كبار الناشرين مثل “راندوم هاوس” الأمريكية و”ماكميلان” البريطانية. “راندوم هاوس” التي تأسست عام 1925 تعتبر أكبر ناشر في العالم للكتاب الورقي التقليدي. وبلغ مجمل دخلها في السنة المالية الماضية تقريبا 2 مليار يورو، وتمتلك أكثر من 60 دار نشر فرعية في أمريكا وبريطانيا وأستراليا ونيوزيلاندا وآسيا. والمعروف أن “راندوم هاوس” تملك حقوق النشر الورقي للعديد من المؤلفين الذين تمثلهم وكالة وايلي وبعضهم صدرت بالفعل لهم “طبعة أوديسي” السالف ذكرها. وأرسلت راندوم هاوس رسالة إنذار واحتجاج غاضبة إلى أمازون تتحدى حقها القانوني في نشر وبيع تلك الأعمال التي قالت إنها لا تزال تحكمها تعاقدات حية (نشطة) للنشر الورقي مع راندوم هاوس.

وأضافت راندوم هاوس مهددة لوكالة “أندرو وايلي”: إنها مجموعتها “لن تدخل في اتفاقيات نشر باللغة الإنجليزية على مستوى العالم بأجمعه مع “وكالة أندرو وايلي” الأدبية حتى إيجاد حل مرض للوضع الحالي” وأشارت إلى أن قرار الوكالة بيع كتب إلكترونية حصريا لأمازون لعناوين ماتزال تحت تعاقدات سارية المفعول للنشر الورقي مع “راندوم هاوس” يقوض إلتزاماتها طويلة الأجل واستثماراتها مع مؤلفيها، وتجعل الوكالة منافس مباشر لها.

وصرح المتحدث با سم راندوم هاوس بأن القرار يسري على الكتب المستقبلية ولا يمس الصفقات التي تم توقيعها ولم تصدر بعد. واعترف المتحدث بوجود مخاطرة كبرى لراندوم هاوس في ذلك القرار ولكنه جادل بأن المخاطرة ستكون أكبر على الوكالة وزبائنها الذين قد يخسرون منفذا مربحا لنشر أعمالهم مثل راندوم هاوس. وأكد المتحدث بأن القرار لم يكن سهلا مطلقا ولكنه صدر بعد أن تم الإجماع عليه من الإدارة العليا للشركة الأم ورؤساء جميع الدور التابعة لها في أمريكا وبريطانيا وكندا وغيرها من البلدان.

وأكدت الغارديان اللندنية أن قرار راندوم هاوس مقاطعة القائمة البارزة والمرموقة لعملاء وكالة وايلي بدا كأنه قرار “شبه انتحاري” لأن راندوم هاوس استشعرت خطورة الأمر وأخذت على عاتقها حماية عملية النشر الورقية التقليدية نيابة عن جميع الناشرين التقليديين لأنها أكبر دار نشر ورقي في العالم. وأضافت الغارديان أن “راندوم هاوس” اضطرت لأخذ هذا القرار الصعب “فورا” بدون حتى الاجتماع مع “وكالة أندرو رايلي” أو “أمازون دوت كوم” نظرا لخطورة هذه السابقة في عالم النشر التي قد تقضي قريبا على الكتاب الورقي وتحيله إلى المتحف.

ولمعرفة خطورة هذه القضية ينبغي أن نشير إلى أن “أمازون دوت كوم” تباهت مؤخرا وافتخرت في عدة بيانات صحفية بأنها صارت تبيع على موقعها في النت كمية كتب إلكترونية أكثر كثيرا من الكتب الورقية المعتادة!! وأكدت بفخر أنها تخطت “مليون” كتاب إلكتروني لكاتب واحد هو السويدي الراحل ستيغ لارسون مؤلف الروايات البوليسية الشهير. وهذا رقم قياسي فلكي في النشر الإلكتروني.

وأضافت أمازون بفخر أرعب الناشرين أنها في النصف الأول من عام 2010 باعت 180 كتابا إلكترونيا (يقرأ على جهاز “أمازون كيندل”) مقابل كل 100 كتاب ورقي تقليدي من الطبعة الفاخرة ذات الغلاف الصلب (هارد كوفر). كما باعت أيضا 180 كتابا إلكترونيا مقابل كل 100 كتاب من الطبعة الشعبية ذات الغلاف اللين (بيبر باك).

وتشير الغارديان أن جوهر القضية القانوني هو حول من يملك حقوق النشر الرقمي (الإلكتروني) للعناوين الكلاسيكية القديمة أي التي سبق نشرها ورقيا. فالناشرون التقليديون يجادلون أن حقوق النشر الإلكترونية تعود لهم لكونهم يملكون حقوق النشر الورقية. ولكن يرد ويجادل كل من المؤلفين والوكالات الأدبية -بحق- بأنه إذا لم يكن هناك نص صريح في العقد على هذا الأمر (أي كون الحقوق الرقيمة تعود للناشر الورقي)، فإن حقوق النشر الرقمي تبقى أو تصبح تلقائيا للمؤلف (وبالتالي للوكالات الأدبية لأنها هي الوسيط الذي ينوب عن المؤلفين في مراجعة وتسويق الكتب وتوقيع العقود في الغرب).

وهناك قضية أخرى فرعية حول نسبة عوائد المؤلفين عن الكتب الإلكترونية. حتى الآن لم يعلق أي من المؤلفين الذين صدرت لهم “طبعة أوديسي” على الجدل. ولكن السيدة سوزان شيفر الذي صدر لوالدها الراحل جون شيفر كتاب في “طبعة أوديسي” علقت قائلة: “لو كان أبي على قيد الحياة، لتمزق وبكى من الألم لنهاية الكتاب الورقي، لقد كان يحب دار “كنوبف” ودار “راندوم هاوس” بجنون، ولكنني شخصيا بصورة عامة أؤيد كل رأي وجهد يزيد من عوائد المؤلفين”.

وتضيف الغارديان أنه نتج عن هذه المشكلة جدل طريف بين بعض المؤلفين البعيدين عن “طبعة أوديسي” حيث انتهزوا الفرصة ليطلبوا بعوائد مستقبلية أكثر على الكتب الإلكترونية حددها البعض بضعف العائد المعتاد على الكتاب الورقي الذي يقدر بـ 25% وذلك بزعمهم لأن الكتب الإلكترونية أقل تكلفة كثيرا في الإنتاج والتخزين والتوزيع من الكتب الورقية. وصرح جون سارجنت رئيس “دار ماكميلان” البريطانية العريقة في فرع نيويورك للغاريان قائلا: “لقد فزعت من هذه الشراكة لطبعة أوديسي لأنها تقوي كثيرا اللاعب المنافس الرئيس (أي أمازون دوت كوم) وتخلق عدم توازن في سوق الكتاب”.

وأضاف: “إنها صفقة استثنائية سيئة للمؤلفين والناشرين وبائعي الكتب وكل من يؤمن بوجوب توفر الكتب للقراء على أوسع نطاق. إنها صفقة تعطي أمازون أفضلية رغم أنها بالفعل هي التي تملك الحصة الأكبر في السوق حاليا”.

الغارديان حولت الإتصال بالسيد أندرو وايلي للتعليق على الإتهامات وليجيب على التساؤلات ولكنه لم يجب، ولكنه أخبر نيويورك تايمز ببرود: إنه فوجئ بردود الفعل العنيفة من راندوم هاوس وماكميلان والتي لم يتوقعها، وأكد أنه لم يقرر كيفية الرد حتى الآن. وأضاف: “أنا مثلهم أعشق الكتب الورقية ولكنني بالفعل اشتريت جهاز كيندل واستعملته لمدة ساعة فقط ثم وضعته في الخزانة ولم أستعمله ثانية!!! سوف أفكر جيدا في تحذير “راندوم هاوس” لأنه خطير علينا وعلى عملائنا، وسوف نعمل بجد لحل هذه القضية بأسرع وقت”.

كاتب ومترجم سعودي - المغرب hamad.alissa@gmail.com
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة