Culture Magazine Thursday  21/10/2010 G Issue 320
ذاكرة
الخميس 13 ,ذو القعدة 1431   العدد  320
 
الرشيد في رسالة لرئيس التحرير:
احملوا راية إنشاء مركز غازي القصيبي الثقافي

كتب مدير التحرير

لم يغب غازي ولن يغيب، وظل ويظل مدارًا لحوارات متصلة تتوج بندوة هنا وبحث هناك ومقالات بينهما، وفي سبتية معالي الأستاذ الدكتور محمد بن أحمد الرشيد وزير التربية والتعليم الأسبق جرى الحديث حول ما يمكن عمله لتخليد ذكرى الراحل الكبير، وللعلاقة الوثيقة التي تربط معاليه بمدير التحرير للشؤون الثقافية فقد اقترح الدكتور الرشيد المبادرة بتأسيس مركز ثقافي واجتماعي يحمل اسمه وطرح ذلك في ندوة مركز الشيخ حمد الجاسر الأسبوع قبل الماضي، ولإعجابه بتجربة الجزيرة في إصدار كتاب (الاستثناء) فقد اقترح في رسالة لرئيس التحرير تبني فكرة المركز عبر الجزيرة فلعل المعنيين من محبي أبي سهيل -رحمه الله- يتنادون لتنفيذ الفكرة جريا على ما صنعه تلاميذ الشيخ حمد الجاسر والأستاذ صالح بن صالح والأمير عبدالرحمن السديري وآخرين. وفيما يلي نص الرسالة:

أخي الحبيب الغالي الأستاذ/ خالد بن حمد المالك حفظه الله

رئيس تحرير صحيفة الجزيرة الغراء.. وصاحب القلم الجميل..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

كان مقرر (الإنشاء) كما كانوا يسمونه آنذاك –وهو مقرر (التعبير) كما يسمى الآن- أحد المقررات على طلاب المعهد العلمي حين كنت طالباً في تلك المرحلة (ولن أخبرك متى كان هذا !!).. وأتذكر أن أحد معلمينا الجهابذة طلب منا يوماً أن نختار إحدى العبارتين الآتيتين، ونحرر عنها موضوعاً إنشائياً يتضمن سبب اختيار كل منا لعبارته:

الأولى: ما ترك الأول للآخر شيئاً.

الثانية: كم ترك الأول للآخر (بمعنى أنه ترك الكثير الذي جاء به الأخير وأبدع فيه)

كان اختياري هو العبارة الثانية والتي ثبت مع الأيام، وتطورات الحياة، وتعدد المخترعات وتنوعها صحة اختياري، ولكن لهذا الأمر استثناء وهو أن الكتاب الذي أخرجته صحيفة الجزيرة بعنوان: (الاستثناء) عن شاعرنا وأديبنا وحكيمنا الموهوب الدكتور غازي القصيبي - رحمه الله- والذي وفقتم في نشره وهو حي بيننا، فقد كانت فرحته به فرحة غامرة كما عبر هو –رحمه الله- عن ذلك، حين كتب لكم شاكراً وممتناً، وأن هذا أغلى عنده من لو حصل على جائزة نوبل، وهو ما قاله بنفسه لي شخصياً هاتفياً حين نشرتم الكتاب، إذ لم تتركوا - وأنتم السباقون - شيئاً يقوله اللاحقون.

كان لي حديث طويل مع أخي الدكتور إبراهيم بن عبد الرحمن التركي بشأن الندوة التي تمت مساء يوم الخميس 21 شوال 1431هـ في مركز الملك فهد الثقافي بالرياض، وباستضافة كريمة وترتيب متألق من مركز حمد الجاسر بعنوان: (في ذكرى غازي القصيبي).

وقد أجاد المشاركون في الندوة –وإن كان عامل الوقت لم يسمح للجميع بالتعبير عما يملأ خواطرهم من حب للفقيد، وسرد لأمور تتصل به؛ لكثرة مواهبه، وتعدد إنجازاته، وقد كنت في مداخلتي - بسبب عامل الوقت - مضطراً للإيجاز عند الحديث عن تعدد مميزاته، فهو الشاعر المبهر.. هو الكاتب البارع.. هو السياسي المحنك.. والوزير المتألق، والمحاور والمقنع، والذكي الألمعي الثاقب، سريع البديهة، حاضر الفكر، وغير ذلك من مواهب أعرفها عنه ولا يعرفها آخرون.

وتحدثت بإيجاز عن إصداره (الوزير المرافق) الذي كان هو هذا الوزير المرافق، وجولاته وصفحات كتابه تجعلني أتساءل في دهشة المعجبين: أروني بالله شخصاً تعددت قدراته، وتنوعت روافد وعطاءات ثقافته التي كلما زادت زاد هو تبحراً وغوصاً وعلماً، حتى إنه بدا نادر الشخصية عند لقاءاته مع رؤساء الدول، وأحاديثه معهم، من ذلك أنه:

- لقى أنديرا غاندي حين كان الوزير المرافق لها عند زيارتها لبلادنا، وغاص في كل شؤونها، حتى حياتها الأسرية دون حرج.. بل بإعجاب به، ورضاء عنه منها.

- رافق المستشار الألماني، وتحدث معه حديث المصارحة والمكاشفة.. بالتساؤلات الواضحة، والاستفسارات الدقيقة، وكان اطمئنان المستشار إلى رؤى غازي وملاحظاته محل ثقة وإعجاب وتقدير، عبر عنها المستشار برسالة شخصية إليه.

- اكتشف غازي –قبل غيره- حقيقة (عيدي أمين) حين رافقه في زيارته للمملكة فشرّح أعماله، ونبش فعاله، وأرى للدنيا خفي مواقفه وآرائه، في جرأة لا يخاف معها عاقبة، وفي صراحة لا يأبى بعدها مكر.

إنه جريء في الحق.. لماح لكل ما وراء الأمور من قصد.. فهل هناك وزير مرافق فعل أو سيفعل هذا الذي تفرد به العبقري الغازي.. المرحوم غازي !! أو حتى يتجرأ على ذكره، ومن ذا الذي يسجل بكل تفاصيل مواقف في الحياة كثيرة –يضيق صدر الآخرين عن تسجيلها.

ثم تحدثت في تعليقي عن موقف شخصي لي معه.. هو ترشيحي له ثقة به لأن يكون مديراً عاماً لليونسكو حين شغر ذلك المنصب ..بدأت معه –رحمه الله- الحديث عن هذا الأمر الذي أثق أنه سيكون أهلاً له، وفخراً به لوطننا وأمتنا حقاً.. إلاّ أنه بتواضع العلماء.. وفلسفة الخلصاء يُعلن أنه لا يعرف عن اليونسكو شيئاً ذا بال.. وطلب مني ألاّ أقحمه في أمر هو غير خبير بأبعاده خشية أن يلاقي مصاعب بعد قبوله، لكني أصررت عليه ثقة مني في قدراته، واطمئناناً يقيناً في كفاءته، فأمددته ببعض المعلومات عن اليونسكو، والتقيت به في منزله بلندن، بعد أن قبل الترشيح وبعد أن وافق المقام السامي على ذلك الترشيح إذا به يبهرني في هذا اللقاء بفيض من المعلومات التاريخية والأعمال الثقافية، والعلمية، والتربوية لليونسكو - وأنا المتمرس فيها - القريب منها لم أكن أعرف هذه التفاصيل التي بهرني بها ليس في حاضرها بل عن إنجازات ماضيها البعيد منذ تأسيسها، ووصف تفصيلي لشخصيات من تولوا قيادتها، ومواقف كل دولة فيها تجاه برامجها وأعمالها، بل وأنصبتهم في ميزانيتها السنوية.

وكان أن قابل أعضاء المجلس التنفيذي لليونسكو مثل المرشحين الآخرين، وكانوا أحد عشر مرشحاً من أهل الخبرة والتأهيل العلمي العالي لهذا المنصب، وشغلوا مناصب بالغة الأهمية في بلادهم، كنت الحريص على ذلك بوصفي عضواً في ذلك المجلس في تلك الحقبة، وحصل ما كنت أتوقعه - فكان غازي الأبرز، والأظهر، والأرحب ثقافة، ومن بين جميع المرشحين كان حديثه ممتعاً مقنعاً - شرح فيه بإسهاب طموحاته لليونسكو فيما لو نال هذا المكان، وكعادته لا يُمل له حديث من جراء خلط الفكاهة المناسبة بالحديث البالغ الأهمية، وكلما سأله عضو من أعضاء هذا المجلس أجابه دون تردد أو تلعثم - فهو حاضر البديهة - جاهز المعرفة.

لقد أجمع ممثلو ست وخمسين دولة هم الأعضاء في المجلس التنفيذي لليونسكو على أنه الأجدر، بل إنهم كتبوا لي بحكم زمالتي لهم بأن مرشح السعودية غازي القصيبي هو الأوفق والأليق، لكن لظروف شرحتها في حينها فاز مرشح اليابان بالمنصب.

ولا أنسى حين اجتمعنا بعد إعلان نتائج هذا التصويت في مقر إقامتي في باريس في تلك الأمسية ما كان من حديث هاتفي مع الملك عبد الله - حفظه الله - وكان ولياً للعهد آنذاك- شارحين له ما تحقق من أن مرشحنا بهر سامعيه، وفاز بالمركز الثاني –مع اعتراف من الجميع بأنه لو كان المعيار المعمول به هو كفاءة المرشح لكا غازينا هو الأسبق ودون منازع.

وفي تلك الأمسية برزت عند غازي فكرة كتابة رواية عن هذه القضية التي استغرقت أربعة أشهر، فاقترح عليه صديقي الذي كان معنا في تلك الرحلة الأستاذ/عبد الرحمن بن عبد العزيز الثميري أن يسمي روايته هذه (دينسكو)، وهكذا خرجت تلك الرواية.. ومن فاته أن يعرف سبب عدم فوزه بذلك المنصب فليرجع إليها.

وفي أمسية الخميس السابق ذكرها رأيت أن ينبري محبو ومريدو الدكتور غازي إلى إنشاء مركز يحمل اسمه تخليداً لذكراه، واستيفاءً لحقه، وتقصياً لأعماله، وإنتاجه، وإنجازاته باسم (مركز غازي القصيبي الثقافي الاجتماعي ) أسوة بالمركز الذي نظم لنا هذا اللقاء الكبير، مركز شيخنا وأستاذنا حمد الجاسر.

رحم الله الجميع.. وأسكنهم فسيح حنانه..

أخي.. أبا بشار:

العباقرة والموهوبون ندرة.. والدول المتحضرة تحتفظ لهم بأعمالهم، وتبرز عطاءاتهم، وتميزها ليكونوا ثراء للحاضر، وزاداً للمستقبل، وأمامي كتاب ظهر مؤخراً باللغة الإنجليزية سجل فيه كاتبه من سماهم بالأبطال بعنوان: (أبطال من أجل ولدي) يقصد بذلك أن يأخذ ولده - وسائر الأبناء أسوة من هؤلاء الأبطال المتميزين والرموز في إنجازاتهم.

أخي أبا بشار:

كنتم السباقين في إصدار (الاستثناء) وأرجو أن تحملوا راية إنشاء هذا المركز الذي له، ونادى به معي كثيرون منهم الأستاذ/ عبد الله بن علي النعيم.. فحبك له ومن معك من أمثال أخي الدكتور إبراهيم التركي لا يخفى على أحد.

وفقكم الله.. ولكم كل تحياتي..

محمد بن أحمد الرشيد 1ذو القعدة 1431هـ 9 أكتوبر 2010م
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة