Culture Magazine Thursday  22/04/2010 G Issue 307
فضاءات
الخميس 8 ,جمادى الاولى 1431   العدد  307
 
حِينَ يُجَاوِزُ النَصُّ.. (أُفُقَ الانتِظَار) (1-2)
عمر بن عبد العزيز المحمود

منذ أن بدأت (المناهج النقدية الحديثة) تَشُنُّ هجومها على (المناهج التقليدية) وهي تُحاول أن تظهر (العيوب) التي تنتج عن تطبيقها، وتكشف عن (المساوئ) التي تظهر حين الالتزام بها واتخاذها أسلوباً في التعامل مع (النص الإبداعي)، وهي إلى جانب ذلك تَحاول أن ترسي مَجموعة من (المبادئ) التي تُشكِّل في النهاية (نظريةً) لها؛ لتكون (بدائل) صالحة عن تلك (المبادئ) التي رأت أنها (فاسدةٌ) في المناهج القديمة، أو أنها (قاصرةٌ) عن بلوغ الغاية من (الممارسة النقدية) وتحقيق أدواتها.

ولم تكتفِ هذه (المناهج الحديثة) بهذا العدَاء، بل امتدَّ ذلك إلى التعادي فيما بينها، فكلما ظهر (منهجٌ جديدٌ) حاول (مُنظِّروه) أن يؤسسوا لمبادئ جديدة تقوم على أنقاض مبادئ المنهج الذي قبله، مُظهرين (عيوب) (المبدأ القديم) ومَحاسن (المبدأ الجديد)، وهي سنة الحياة في التطور والتجديد، (فالمناهج القديمة) على سبيل المثال كانت تعطي (السلطة الأدبية) إلى (المؤلف)، ولما جاءت (البنيوية) دعت إلى (موت) هذا (المؤلف) مانِحةً (النص) (السلطة الكاملة)، (فالنص) هو الذي يقول، و(اللغة) هي التي تَحكم، و(الأسلوب) هو الذي يُقرِّر، وما سوى ذلك فلا يُعتدُّ به في (الحكم النقدي)، إلى أن جاءت (مناهج ما بعد الحداثة) -كالتفكيكية والتلقي- لتهدي (السلطة المطلقة) و(الحرية الكاملة) إلى (المتلقي/القارئ) الذي يَحِقُّ له (إنتاج النص) و(إعادة كتابته) وتفسيره وتشكيل (دلالاته) و(معانيه)، دون لجوءٍ إلى لغةٍ أو استعانةٍ بِمؤلف، وهكذا اعتلى (المتلقي/القارئ) عرش (الممارسة النقدية) بعد أن كان للمؤلف ومن ثم للنص، وتلك الأيام نداولها بين الناس!

ولهذا فقد ركَّزت (مناهج ما بعد الحداثة) في (العملية الإبداعية) على (المشاركة الفَعَّالة) بين (النص) و(المتلقي/القارئ)، ورأت أنَّ (الفهم الحقيقي) للأدب ينطلق من (مَوقعَة) (المتلقي/القارئ) في مكانه الحقيقي، وإعادة الاعتبار له باعتباره هو (المرسل إليه) و(المستقبل للنص) و(مستهلكه)، وهو كذلك (القارئ الحقيقي له): تلذذاً ونقداً وتفاعلاً وحواراً، وهذا يعني أن (العمل الأدبي) لا تكتمل حياته و(حركته الإبداعية) إلا عن طريق (القراءة) و(إعادة الإنتاج) من جديد.

واعتماداً على هذه (الفكرة) فقد ظهر لدى هذه المناهج عددٌ من المصطلحات التي تُعزِّز من هذه (الرؤية)، وتكشف عن الاهتمام الذي حظي به (المتلقي/القارئ) في ظل هذه المناهج، والدور الكبير الذي يقوم به أثناء (العملية الإبداعية) أو (الممارسة النقدية) على حد سواء، من أبرزها مصطلح (أفق الانتظار) أو (أفق التوقع) Horizon of expectation الذي يُعَدُّ عند هذه المناهج (الركيزة المنهجية) لنظرية (جماليات التلقي)، وهو المصطلح الذي اختاره (هانز روبرت ياوس) Jauss Robert Hans الذي يُمثِّل أبرز رواد هذه المناهج، ليُشكِّل به أساس تصور (الظاهرة الأدبية) لدى هذه المناهج.

ومفهوم هذا المصطلح يتمحور حول (المعرفة الثقافية) أو (الخبرة الجمالية) لدى (المتلقي/القارئ) بوصفها صاحبة الأثر الأكبر في تَحديد نوعية (استقباله) (للنص) وطبيعة (تلقِّيه) (للخطاب)، فقد رأى (ياوس) أن لكل (قارئ) (معياراً خاصاً) حين يتلقَّى (النص) و(نظاماً مرجعياً) حين يشرع في (استقباله)، أو هو بعبارة أخرى (التهيؤ المسبق) الذي يكون لدى (المتلقي) وقت (استقباله للنص) وتذوقه له، وهذا (المعيار) يَختلف باختلاف (المتلقي) من حيث ثقافته وجنسه وعقيدته، وغيرها من الأمور التي تتدخل في طبيعة (استجابته) للنص وتتحكم في توجيه (مساره الخاص).

ولإعادة تكوين هذا (الأفق) فقد حدَّد (ياوس) ثلاثة عوامل تسهم في تشكيله هي:

1- (الخبرة) السابقة التي يملكها (الجمهور القارئ) عن (النوع الأدبي) الذي ينتمي إليه (النص المقروء).

2- (التشكيلات الموضوعية) التي يفترض النصُّ معرفته بها، أو ما يُسمَّى ب(كفاءة التناص).

3- مدى المعرفة أو التمييز بين (اللغة الشعرية) أو الجمالية و(اللغة العملية العادية) بين (العالم التخييلي) و(العالم اليومي).

وفي ضوء ذلك يتعامل القارئ مع (النص الأدبي) على أساس أن القراءة (تَجربةٌ) تفتح (النص) أمام التفسير الذي يرى (ياوس) أنه (حوارٌ ديالكتيكي) بين (القارئ) و(النص)، أو بين (الأسئلة) التي يثيرها (القارئ) و(الأجوبة) التي يُقدِّمها (النص)، وبين (الإجابات) التي لا يقدِّمها (النص) و(الأسئلة) التي يثيرها (المؤلف الجديد) للنص وهو (القارئ) في مُحاولة (كتابة نصٍّ جديد)، وفي ظل هذه العلاقة (الديالكتيكية) يصبح (القارئ) مسؤولاً عن (النص) وأمامه في الوقت نفسه.

ولا شكَّ أنَّ هذه (الرؤية) التي يُشكلِّها (أفق الانتظار) لهذه المناهج تعتمد على (الفكرة الأساس) التي يؤكدها أصحاب هذه المناهج، تلك التي تقول إنَّ (العمل ال إبداعي) لا يتم إلا من خلال (المشاركة التواصلية الفعَّالة) بين (المؤلف) و(النص) و(القارئ)، ويدلُّ هذا على أن (العمل الإبداعي) يتكون من عنصرين أساسين: (النص) الذي قوامه المعنى، ويُشكِّل تَجربة الكاتب الواقعية والخيالية، و(القارئ) الذي يتقبل آثار (النص) سواء أكانت إيجابية أم سلبية في شكل استجابات شعورية ونفسية: (ارتياح، غضب، متعة، تهييج، نقد، رضى...)، وهذا يجعل (النص الأدبي) يرتكز على الملفوظ اللغوي/(النص)، والتأثير الشعوري/(القارئ) في شكل ردود تِجاه (دلالات النص)، وهذا يؤدي إلى القول بأن (العمل الأدبي) (يتموقع) في الوسط بين (النص) و(القراءة) من خلال (التفاعل) الحميمي والوجداني الاتصالي بين الذات والموضوع أي بين (النص) و(القارئ)، ومن ثم (فالعمل الأدبي) أكبر من (النص) وأكبر من (القراءة)، إنه ذلك (الاتصال التفاعلي) بينهما في (بوتقة منصهرة) واحدة، وإذا كانت المناهج الآخرى تركز على اتجاهٍ واحدٍ في (القراءة): من النص إلى القارئ، فإن هذه المناهج تنطلق من (خطين مزدوجين متبادلين): من النص إلى القارئ ومن القارئ إلى النص.

Omar1401@gmail.com الرياض
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة