Culture Magazine Thursday  22/04/2010 G Issue 307
فضاءات
الخميس 8 ,جمادى الاولى 1431   العدد  307
 
من قضايا المجتمع السعودي
أ. د. مرزوق بن تنباك

في مجتمع سريع النمو، سريع التغير على حظ من الوفرة الاقتصادية في عموم المعنى، لا بد أن يحدث فيه ضروب من الاختلاف في الرؤية والاختلاف في صور المعالجة، ولهذا وذاك طرحت آراء وتباينت حلول واختلفت مواقف على أكثر من قضية في مجتمعنا السعودي منذ ما يقارب من عشرين عاماً ولعل ما قدح زناد الاختلافات وأشعل لهيبها هو بداية حرب العراق وعدوانه على الكويت وما ترتب بعد ذلك من مواقف من الداخل والخارج وكلها أثرت في صميم الواقع الاجتماعي السعودي.

وقد قرأت كثيراً مما طرح في الساحة يعالج الأوضاع الطارئة والقديمة منذ بداية هذه المتغيرات والاختلافات، حيث ألقى كل قلم برأيه وتحدث كل مؤلف وكاتب عما يراه في هذا أو ذاك من أنواع المختلف عليه، وهي كثيرة كما أنها اختلافات بعضها محلي بحث وحادث وبعضها شمولي وتاريخي وموروث. وكل تلك الرؤى انطلقت من منظور محدد لصاحب الرؤية وكاتبها ولكنها قلما اعتمدت على دراسة تؤصل ما تذهب إليه على ثوابت من الدين والعادات والتطور الاجتماعي إذ إن أغلب تلك الآراء كانت معبرة عن موقف ورؤية شخصية عاجلة كعجلة الأحداث وتتابع المتغيرات وأكثرها يعتمد الحال الحاضر ولا يرجع إلى الماضي، أي أن تحرير مسائل الاختلاف على أسس علمية وأصولية وشرعية لم يكن مما قيل في صدد في تعليل تلك الآراء حتى صدر كتاب صغير في حجمه عميق فيما يعالج من أمور تناول ثلاثة محاور من محاور الاختلاف في مجتمعنا السعودي وهي الموقف من المرأة.

والموقف من المخالف

والموقف من اللغة.

تحت عنوان عام وشامل «من قضايا المجتمع السعودي» ولو جمعنا كل ما اختلفنا حوله منذ زمن بعيد بالنسبة لنا نحن في المملكة لما خرج عن هذه المحاور الثلاثة إلا القليل والقليل جداً. وقد تصدى لهذه المحاور الثلاثة عالم جليل ومفكر مهموم في قضايا المجتمع ومشغول في الكثير من الأمور العامة للناس التي يواجهها في حياته ومن موقعه الاجتماعي والفكري ويعايشها في كل يوم ذلك وهو الأستاذ الدكتور راشد المبارك الذي تصدى لها بعد أن حرر رؤيته على أسس ثلاثة أيضاً.

الأول

التأصيل الشرعي لكل قضية على حدة معتمداً على النص القرآني والثابت من السنّة والمتفق عليه من آراء أئمة المسلمين وعلمائهم، حيث تناول آراءهم بموضوعية بحثية متقنة وضعت النقاط على الحروف كما يقال، ثم أقام الدليل بعد ذلك من تراث الأمة كلها منذ فجر الإسلام إلى يومنا هذا مستشهداً بنصوص لسلف الأمة ومحدداً في كل قضية الموقف الشرعي ثم الموقف الاجتماعي ثم تناول بعد ذلك مقتضى الحال المعاصر وضرورات الحياة المستجدة التي يتطلبها العصر وتقتضيها سنة التطور والتجديد في المرحلة التي تعيشها الناس اليوم مستشعراً مبدأ التطور ولاسيما فيما يتعلق بالمرأة والجدلية القائمة حول حجابها وعملها واتصالها بالناس ومقتضيات الضرورة معتمداً في ذلك كله على شواهد من الماضي الذي سطر كثيراً من شواهد وأدلته على ما أثر في قضايا المرأة وشؤونها.

الثاني

وبعد الموقف من المرأة تناول الموقف من المخالف وركز رؤيته على نصوص من القرآن من السنة الثابتة مستحضراً كل النصوص والشواهد وشفع ذلك بواقع الحال الذي يواجه بلاده خاصة وأثره على عرى الوئام والانسجام في المجتمع السعودي في حال، والمجتمع العربي والمسلم في حال أخرى، ويظهر من تناوله هذا الجانب وعليه بأن من يخاطبهم بالنصوص الشرعية يعرفونها كما يعرفها ولكنهم مختلفون في دلالتها الحاضرة وأثرها في بناء العلاقات الإنسانية، ولهذا مال إلى الواقع الاجتماعي مبيناً أثر السلم الاجتماعي في الحياة العامة وقيمته النافذة في النظام العام، وتناول في هذين المحورين موقف المجتمع السعودي خاصة منذ بدء التحديث مقرراً لأزمة لا تكاد تفارق كل تطور وتغير في الحياة العامة والخاصة تلك اللازمة هي الوحشة من الجديد والموقف من الحادث عند فئة لا يستهان بها من المجتمع. لقد تناول المؤلف في هذين المحورين مفاصل الحجة التي أقامها على ثوابت الأمة ومتطلبات التطور الطبيعي للإنسان والتغير الذي هو سنة الحياة وناموسها الأبدي فحدد الممكنات التي يعيشها الناس والضرورات الحادثة في حياتهم والثوابت الشرعية التي حققها في قضاياه التي يعالجها بلغة علمية واضحة الدلالة.

أما المحور الثالث الذي تعرض له فلم يكن موضوع خلاف مثلما هو حال الموضوعين السابقين ولكنه موضع جدل وعجز ذلك المحور هو الموقف من اللغة العربية الأم وما أصابها في حاضر أيامها، وما تعانيه من أبنائها قبل أعدائها إن كان لها أعداء، وقد مال الباحث في هذا المحور إلى لغة الجدل والحجة التي يفترض أن بعض القراء قد يحتج بها مثل كثير من الحجج التي عرضها بذكاء ودربة واضحة على صور الإقناع وإن كانت قضية اللغة العربية في بلادها وبين أهلها لا تحتاج إلى كثير من الإقناع، إلا أن الباحث توسع في جدله وضرب الأمثلة فيمن حوله من الدول والجماعات والشعوب التي تعامل لغتها القومية معاملة الهوية والانتماء، وليست معاملة التواصل الذي يعد أحد وظائف اللغة، وليس كل وظائفها. فاللغة العربية كما يقول تعيش تصدعاً خطيراً في بلادها وبين أهلها والناطقين بها ولهذا كان عنوان بعض فصول هذا الكتاب هو (حتى لا تتصدع الحصون) وقد عالج جانب اللغة والنظرة إليها على عدد من المحاور والممكنات والاحتمالات التي لم يستطع أن يجد لها موجباً، تصدت لغته في أكثر من صفحات الكتاب للحجج الواهية التي يتعلل بها بعض العاجزين عن العمل والمثبطين عنه حيث يقول: من المحتم أن يجد علماء النفس والاجتماع صعوبة بالغة أو تعذراً في تفسير وتسويغ هوان لغتنا علينا، أي هواننا على أنفسنا، إلا إذا أخذوا بتفسير واحد فقط هو هزيمتنا الداخلية أمام الزحف الوافد من وراء البحار، أي تصدع قلاعنا الداخلية المحصنة بما نعتز به من قيم».

هذا الكتاب على صغر حجمه هو حجة بالغة على الذين يشككون بأهمية اللغة أو الذين يشككون بالضرر الذي تعرضت له في حاضرها، ثم لا يجد فيما استعرض من حالات الأمم والشعوب المعاصرة، ثم لا يجد فيما استعرض من حالات الأمم والشعوب المعاصرة حالة واحدة مشابهة لما يجده عند قومه نحو لغتهم وهويتهم، لقد فصل في كل محور عرض له وأقام الدليل وأوضح الطريق وبين المنهج الذي عليه يقوم صلاح المجتمع وتنظيم شؤونه وهو مختصر رؤيه واسعة وخارطة طريق لمن يريد أن يعمل لصالح مجتمعه مع بيان وأسلوب مشرق العبارة. إننا بحاجة ماسة لمثل هذه الأطروحات المنهجية التي تناقش قضايانا التي نختلف حولها بلغة تعتمد الدليل وتقيم الحجة وتفتح مجالاً حيوياً للحوار النافع.

الرياض
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة