Culture Magazine Thursday  24/06/2010 G Issue 316
فضاءات
الخميس 12 ,رجب 1431   العدد  316
 
المرأة السعودية.. وقراءة الواقعة الثقافية
(لمياء باعشن - سهام القحطاني - لمياء السويلم)
خالد الرفاعي

منذ شاعتْ (النسويةُ) في مسالكِ الفكرِ والأدبِ، والسؤالُ يصدح: « ما الفرق بين ما تكتبه المرأة وما يكتبه الرجل في ضروبِ الكتابة المختلفة؟ «، ولقد أسفرتْ صياغاتُِ هذا السؤال عن غاياتٍ تقريرية، أفضتْ بنا إلى دمجِ ما تنتجه المرأة فيما ينتجه الرجل، دمجاً هو أقربُ إلى التبعية/ الهامشية منه إلى التكاملية/ المتنية، وإذا كان كثيرون يتحرّفون إلى طرحِ هذا السؤال دون حسم؛ فليس لأنه لا يتعاطى الحسمَ ولا يقبله، ولكن لأنّ الإجابةَ عنه تتطلب قارئاً من نوعٍ خاص، يتجرّد من الأنساق التي تسيّره في مساقاتٍ متعدّدة، لا يحيل ظاهرها المختلف إلا على باطنٍ مؤتلِف، بشكلٍ يبلغُ حدَّ الاندماج أو أكبر.

قراءةُ قراءةِ الواقعة الثقافية، حقلٌ مهمّ من الحقول الكثيرة التي يمكن اتخاذُها متناً للبحثِ في قيمة التناول (النسائي)، وهي قيمةٌ كافيةٌ للقضاء على الكثير من المزاعمِ التي أطلقها النقدُ السلطوي ضدّ الكتابة النسائية، على المستويين: الفكري والإبداعي.

في هذه المقالة اخترتُ واقعةً ثقافيةً قريبةً، هي استقالةُ د.عبدالعزيز السبيّل؛ لأعرضَ التعاطي النسائيَّ معها، من خلال ثلاثِ مقالاتٍ، أرى أنّها تمثِّلُ - مجتمعةً - أعمقَ ماكُتِبَ عن هذه الواقعة: الأولى للمياء باعشن، والثانية لسهام القحطاني، والثالثة للمياء السويلم، ثمّ سأنتهي من عرضها إلى عددٍ من النتائج التي تؤكِّد جودة القراءة النسائية من حيث هي، وأفضليتها عند الموازنة بينها وبين قراءة الرجل.

بدايةً كتبتْ (باعشن) مقالةً بعنوان: السبيّل: القوس وباريها (الثقافيةع:293)، أسّستها على عنصري التأمّل والمعرفة، فأما التأمّل فظهر من خلال تجاوزها الواقعة من حيث هي، إلى الأسبابِ التي ولّدتها، عبر قراءةٍ جادة للماضي (المدة التي تولى فيها السبيّل الوكالة)، انتهت فيها إلى أنّ اللومَ الذي كان يوجهه المثقفون إلى السبيّل مع كلّ انعطافة تجديدية (تعيين أعضاء مجالس الأندية - تشكيل اللجان النسائية...إلخ)، ثم التبرّم المستمرّ مما هو كائن (نق...نق...نق)، كانا سببين من أهمّ الأسبابِ التي شجّعتْ السبيلَ على الابتعاد عن الوكالة، وتقدِّر أنْ يدفعَ هذان السببان الوكلاءَ اللاحقِيْنَ إلى النهاية نفسها، ثم تصفُهما بأنهما نتاجُ جهلٍ مطبقٍ بالمرحلة.

وأما عنصر المعرفة فيتجلى من خلال تقريرها مسألةَ دخول المنصب والخروج منه على أنها لا تعدو كونها دخولاً في لعبة الأقواس أو انعتاقاً منها.

عند باعشن، تتأسّس قراءة الواقعة الثقافية على أساس زمني، إما في صيغة ماضوية (من خلال التأمّل)، وإما في صيغة مستقبلية (من خلال المعرفة)، ومثل هذه القراءة تأخذُ بعداً إستراتيجياً إذا ما تمّ النظرُ إليها من زاوية زمنية صرفة، فهي لا تتكتّل في الماضي كما هو الحال في بعض المراثي المقالية التي شيّعت (السبيل) وأغلبها لرجال، ولا تتكتل في المستقبل كما هو شأن المقالات المطلية باللون النقدي القاتم وأغلبها لرجال آخرين، وإنما تقع في مركزها الزمني / الحاضر، منفتحةً على الماضي والمستقبل، تأملاً ومعرفةً.

وما من شك في أنّ ارتباطَ التعاطي مع الواقعة الثقافية - وغير الثقافية أيضاً - من خلال البعد الزمني الواعي، يعدُّ أرقى أنواعِ القراءة، ولا بأسَ في أنْ نختلفَ من بعدُ في إجراءات القراءة ونتائجها، لكنْ دونَ أن نغفلَ أنّ القراءةَ اتكأتْ على أساسٍ واعٍ، واشتملت على عددٍ من الأدوات القادرة على التشخيص والمعالجة.

بعد أنْ نشرتْ باعشن مقالتها نشرت سهامُ القحطاني مقالةً - أحسبها ردّاً - بعنوان هل نجح السبيل كعراب للمثقفين؟ (الثقافية: 294)، وطرّزته بعنوانٍ فرعي: لا يحمد السوقَ إلا من ربح، وفي هذه المقالة تعطي (القحطاني) من يقرأ تحفيزاً بوقوفها وسطاً بين من يمجّد مرحلةَ السبيل ومن يدينها، وترى أنّ هؤلاء جميعاً غيرُ موضوعيين؛ لأنّ الفئة الأولى ربحت في سوقه، والأخرى خسرت، فتحرفت كلُّ فئة إلى التعبير عن نفسها، أكثر من تعبيرها عن الهمِّ الثقافي. وبالقراءة الموضوعية المعيارية تسجِّل القحطاني أنّ اختزانَ مؤثرات ومسوّغات مرحلة ثقافية داخل شخصية واحدة، يعدُّ مخالفةً لمعايير التقويم الموضوعي، وتنتهي إلى إدانة القراءة التي تناولت هذه الواقعة، وتصفها بالمدح الزائف، أو النقد المتحامل، وترى أنَّ ما قُدِّم في مرحلة السبيل لا يعدوكونه رسمنةً للفوضى الخلاقة التي فرضتها المرحلة على الخطابات المتعدِّدة...

في مقالة (القحطاني) يحضرُ الزمنيُّ أيضاً، لكنْ بوصفه معياراً لتقويم ما قدّمه (السبيل)، لا بوصفه مجالاً للبحث عن سبب استقالته كما هو عند (باعشن)، وهنا نجدنا أمام مستوى واحد هو الزمن، وأمام طريقتين مختلفتين لتوظيفه في القراءة، فإذا كانت (باعشن) صرفت جزءاً منه في البحث عن السبب، وجزءاً منه في استشراف المستقبل، فإنّ (القحطاني) تتخذه معياراً لتقويم ما قُدِّم، والبحث فيما إذا كان يقع أسفل الزمن (حيث التخلف عن متطلبات المرحلة)، أو إلى جانبه (حيث المواكبة)، أو فوقه (حيث التجاوز)، وهي بهذه النظرة الزمنية تنتهي إلى نقيضِ ما انتهتْ إليه (باعشن).

لا أقولُ هنا إنّ مقالةَ القحطاني كانت وسطاً بالفعل، ولا أقول - أيضاً - بتأسسها على فكر قابل للتعدّد بمستوياته المختلفة، ولكنني أرى أنها تضمنت الكثير من الأدوات الإجرائية القادرة على كشف خلفيات الواقعة وكشف الكشف أيضاً؛ وهي بناء على هذا الأساس نقد للواقعة، ونقد لنقدها في آنٍ واحد.

فيما بعد هاتين المقالتين جاءت (لمياء السويلم) مخالفةً أفقَ انتظار القارئ - كما هي العادة - فعنوانها يشي بموازنة بين مقالتي (باعشن) و(القحطاني)، تحمل غاية التقويم، أو الردّ، أو المفاضلة في أقلّ الأحوال، غير أنّ المقالة انصرفت من تحت الخطاب إلى إنتاج دلالات جديدة لهما.

تفتتح (السويلم) مقالتَها بإقرار المحفِّز عليها، وهو - كما تعبِّر - « الموافقة والمشاكلة « بين المقالتين، وفي افتتاح المقالة بهذا الشكل إعلانٌ له وظيفتان: إحداهما دلالية والأخرى جمالية، وكلتاهما تفترض أنّ هناك حالةً من التلقي خاصة، ستفضي إلى دلالةٍ جديدة لكلّ ورقةٍ على حدة، أو للورقتين معاً، وفي هذه المقالة نجد السويلم تتحرف من جهة إلى إكمال الفراغات التي تركتها المقالتان السابقتان، ومن جهة أخرى إلى إضفاء التعددية عليهما، وعلى المقالة الثانية بصيغة خاصة.

ومن خلال قراءة هذه المقالات الثلاث، نجد أنفسنا أمام عدد من النتائج يمكن أن نميز بها قراءة المرأة للواقعة الثقافية المحلية من قراءة الرجل، وسأشير في الأسطر التالية إلى أهمِّها:

-إنّ قراءة المرأة للواقعة الثقافية تجاوزتْ السطحيَّ إلى العميق، واعتمدتْ أدواتٍ قرائيةً فاعلةً، أهمّها: التأمّل والمعرفةُ والتأويل.

- أنّها تأسستْ على البعد الزمني، وهو أكثرُ الأبعادِ ارتباطاً بالوقائعِ الثقافية، وأكثرُها تأثيراً فيها، وتأثراً بها أيضاً...، وإذا كان الزمني عند (باعشن) مجالاً لكشف أسباب الواقعة، فإنه عند (القحطاني) معيارٌ لقياس ما قدّمته الواقعة للمشهد الثقافي في مساقاتها الزمنية المتعدّدة.

- وجود الأدوات القرائية والأسس الفكرية في كلِّ قراءة من هذه القراءات يشي بتجردها من العاطفة، واستنادها إلى الفكر، وحتى مقالة (باعشن) التي فُسِّرت على أنها تموقفٌ وجداني من الواقعة، بدت لي محتفيةً بالكثير من الأدوات ومتأسِّسة على الكثير من الأسس.

- إنّها قراءة تراتبية تراكمية، حيث نلحظ مقالة (القحطاني) تنطلق من مقالة (باعشن)، ثم تجيء من بعدهما (السويلم) لتنطلق من مقالتيهما، دون أن نجدَ في أيّ من هذه المقالات تحرفاً مقصوداً إلى إسقاط المقالة السابقة، أو مصادرة للرؤية الفكرية التي تتأسس عليها، بل إننا لا نجد في هذه المقالات استحضاراً للذات مثلما نجد استحضاراً للفكرة، حتى إنّ (السويلم) في مقالتها/ قراءتها، انصرفتْ عن التعامل مع اسم الكاتبة (باعشن - القحطاني) إلى التعامل مع العنوان (مقالة العرّاب - مقالة القوس)، وهذا إمعان في الفرار من ملامسة الذات بأيّ شكل من الأشكال.

- هذا الاختلاف الذي أشرتُ إليه في الفقرة السابقة يفضي بنا إلى التنوّع الكبير داخل الإنتاج النسائي، فمن إدانة صريحة، إلى إدانة خجولة، ومن نقد الواقع الثقافي من خلال المسؤول إلى نقد المسؤول نفسه...، وهو تنوّع ينفي تماماً تلك الأحادية التي حاول النقد (بما هو ذكوري) إلصاقها بالكتابة النسائية بشكل عام، ويكفي أنْ نرى (باعشن) تنتقد اللجان النسائية في مطالباتها بصورة تفوق كثيراً النقد الذي وجهته لمجالس الأندية التي يسيطر عليها الرجال.

- إنّ القراءةَ النسائيةَ لم تتكتل في توجه فكري معيّن، وإنّما انطلقت من رؤى محدّدة في قراءة الواقع الثقافي، ولقد تجاوزت لعبة التصنيف، وإن لم تتجاوز بمسافة كافية مضائق الثنائيات، وفي الوقت الذي انزلقت فيه مقالات كتبها مثقفون إلى أوصاف لا تليق بمن يروم قراءة واقعة كهذه (التشدّد - التكفير) نجد المثقفة تتعامل مع الواقع بمحدِّدات أكثر علمية، ومصطلحات أكثر دقة، من مثل المحافظين والمحافظين الجدد - كما في مقالة (القحطاني) تحديداً -.

Alrafai16@hotmail.com الرياض
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة