Culture Magazine Thursday  25/03/2010 G Issue 303
فضاءات
الخميس 09 ,ربيع الثاني 1431   العدد  303
 
المُنَمْنَماتُ والمخرْبشَاتُ في سِفْر التكريم
أ.د.منصور إبراهيم الحازمي

أود أولاً أن أعرب لكم عن شكري وتقديري لجميع القائمين على هذا التكريم، وفي مقدمتهم رئيس تحرير هذه المجلة العلمية الرائعة (مقاربات في اللغة والأدب) الأستاذ الدكتور فالح العجمي، ورفاقه في هيئة التحرير: الدكتور أحمد سليم والأستاذ خالد العميقان والدكتور عبدالله المعيقل والدكتور ماجد الحمد والدكتور محمد فجال، وحمدت الله أن امتدّ بي العمر كي أرى تلاميذي قد كبروا وأينعوا وواصلوا مسيرة أساتذتهم القدامى، وها هم يحيون جمعية اللهجات والتراث الشعبي التي أسسها الزميل الصديق الدكتور أحمد الضبيب منذ ما ينيف على أربعين عاماً، وكنت ومجموعة من الزملاء.. منهم الصديق الدكتور حسن شاذلي.. يرحمه الله.. ممن تحمسوا اللجمعية وأسهموا في تأسيس متحفها القديم.. بل إن فكرة الندوات السنوية للشعر النبطي قد نبعت أساساً من تلك الجمعية التي كانت تهدف إلى الدراسة العلمية وليس إلى مجرد المباهاة والترويح.

أما بحوث هذا السفر التكريمي المهداة لشخصي الضعيف فهي رائعة حقاً لاسيما ما يبتعد منها عن منصور الحازمي إلى أبطالنا القدامى في بحوث كل من الدكتور سعود الرحيلي والدكتور محمد الهدلق والدكتور محمد خير البقاعي والدكتورة نورة الشملان.

ولكن الدكتور أحمد سليم غانم قد افتتحها سامحه الله، ببحثه عني، ورجع فيه إلى الكثير من المصادر والمراجع القديمة والحديثة ليثبت فقط أنني رجل ساخر، وقد شعرت والله بالخجل وهو يذكر أئمة هذا الفن أو هذه الظاهرة في القديم والحديث، من أمثال الجاحظ وعبدالله النديم والمازني وأميل حبيبي وحسين سرحان، فأين أنا يا غانم من أولئك العماليق؟ فكشراً لك على حسن الظن وعلى هذا الجهد الأكاديمي المميز.

أما (ابن عانج) فهي قصة جميلة حقاً أبدعتها ريشة الفنان الدكتور مرزوق بن تنباك، ولم أكن أعلم عن موهبته هذه طوال السنوات الماضية، وقد عرفته تلميذاً صغيراً ثم زميلاً وصديقاً، وفي مدى قرنين هجريين من الزمان، كما يقول: وتبدأ القصة بما سمعه الراوي - حين كان تلميذاً في بعض مدارس المدينة المنورة من أحد (العوارف) - المعلم الذي قدم من الرياض وتحدث لمستمعيه عن (ولد ابن عائج) الذي تعلم في مصر وبريطانيا و(جاء دكتوراً يتكلم سبع لغات، وعلم به الملك فأمره أن يعلم في أكبر جامعة في الرياض..)، وهذا الاسم المجهول (ولد ابن عائج) هو اللغز الذي وضعه الكاتب في بداية حكايته ليقوم هو في النهاية بحله والكشف عنه، ولم يكن الراوي ليعبأ بالكشف عن هذه الشخصية الأسطورية الغامضة لولا الظروف الصعبة التي مرّ بها بعد انهائه المرحلة الثانوية في المدينة المنورة وفشله في الحصول على قبول بإحدى الجامعات المحلية أو العربية، فجامعة المدينة الإسلامية لم تقبله لأن ملامحه تخلو من (علامات الورع)، وجامعة دمشق لم تقبله (لأفكاره الوهابية)، وكلية الشريعة بمكة المكرمة لم تقبله لصغرها هي وقد نصحته الالتحاق بالجامعة الكبيرة جامعة الرياض.

وفي الطريق إلى الرياض يتذكر حديث السرّاني عن (ابن عائج)، فلعل وعسى و(الرفيق في وقت الضيق)، ولكنه يفاجأ حين وصوله بقبوله في جامعة الرياض، اعتماداً على شهادته هو ودون الحاجة إلى ابن عائج أو غيره من الوسطاء والمقربين، ومع ذلك، ظل يبحث في أروقة كلية الآداب عن ذلك الرجل الأسطورة حتى وجده في نهاية الأمر باسم آخر هو -منصور الحازمي-، فكانت الصحية معه استاذاً وصديقاً وزميلاً، وهو يعني (استاذاً) حينما كان ابن تنباك تلميذاً، كما يعني ب(زميل وصديق) حينما رجع التلميذ من بعثته بالدكتوراه وأصبح عضواً في هيئة التدريس.

وأخيراً فإنني لا أريد هنا أن أشكر فقط، بل أريد أيضاً أن أنوّه بهذه القطعة الأدبية الجميلة، لاسيما وأن عنوانها (ابن عائج) لا يعرفه، أو لا يعرف نسبتي إليه إلا القلة من الأصدقاء والمقربين، ولابد أن اعترف أن اسم جدى (عائج)، رحمه الله، قد سبب لي في بعض المطارات العربية الكثير من التساؤلات والاستفسارات، فهو اسم غير مألوف.. ونسوا أن كلمة (عاج) و(يعوج)، من الكلمات العربية الأصيلة، وقد وردت في هذا البيت الذي حفظناه منذ زمن طويل.

تمرون الديار ولم تعوجوا

كلامكم عليّ إذن حرام

وحمدت الله على (عائج) فهو في الحقيقة أفضل كثيراً من (تنباك) و(التنباك) كان ممنوعاً في بلادنا منذ عدة سنوات.

أما الابن الشاعر فاروق بنجر فقر نظم قصيدة طويلة في مديح أستاذه الذي عرفه أيضاً في كلية الآداب - جامعة الملك سعود حين كان طالباً بها منذ حوالي ربع قرن، وقد استهلها بقوله:

أبا مازن هل جئت (بالناي) مؤذناً

تخفّ إلى جمر السؤال مدندنا؟

ويختمها بذكرياته عن أساتذته الآخرين ويتساءل:

أما زال (خطاب) مضيئاً وملهماً

يفيض بآداب الفرنج تفنّنا؟

وهل ثم للفرس احتفاء بفنهم

لدى (البدني) الندب علماً ومجتني؟

وما حظ أبعاد الرصانة بعدما

رعى (الشامخ) المهد الأصيل وحصّنا؟

وأين ترى أرسى (الضبيب لواءه

ومرفؤه حذو (التراث) توطنا؟

وكيف مضى بـ(الشاذلي) سبيله

على العيس هل ألفى لدى النحو مأمنا؟

وأود هنا أن أشكر الشاعر فاروق بنجر على هذه المعلقة الجميلة، التي أحيا بها شعر المديح القديم، أما تساؤلاته عن أساتذته الشيوخ فأود أن أطمئنه عنهم، فهم قابعون في بيوتهم صامتين ساكنين بعد أن تقاعدوا ونسيهم تلاميذهم، بل ونيستهم الجامعة التي أسهموا في تأسيسها منذ أكثر من نصف قرن، والمستثنى الوحيد منهم هو مدير الجامعة السابق الدكتور أحمد الضبيب، فلا يزال والحمد لله يأخذ ويعطي، أما الزميل والصديق الدكتور حسن شاذلي فرهود فقد انتقل إلى جوار ربه في مفتتح هذا القرن 1431هـ -رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته-.

ومقالة الأستاذ محمد بن عبدالرزاق القشعمي هي عن كتابي (معجم المصادر الصحفية لدراسة الأدب والفكر في المملكة العربية السعودية - الجزء الثاني - صحيفة صوت الحجاز)، والذي صدر مؤخراً عن دار المفردات سنة 1426هـ -2005م.

والقشعمي، جزاه الله خيراً، يشيد هذا الكتاب لأهميته، ويلومني على تأخري في نشره أكثر من ثلاثين عاماً، إذ أصدرت الجزء الأول من المعجم، وكان عن صحيفة (أم القرى) سنة 1394هـ - 1974م، وقد لخص القشعمي ما قلته في التصدير عن صحيفة (صوت الحجاز) وأهميها، وما ذكرته عن محرريها وكتّابها وموضوعاتها، ثم استعرض مواد الكتاب وفصوله، والقشعمي عرفته في نادي الرياض الأدبي منذ زمن طويل، أي كنت عضواً والزميل الدكتور عزت خطاب في مجلس إدارة النادي، الذي كان يترأسه آنذاك الأديب عبدالله بن إدريس، ولم ينس القشعمي بكلمة واحدة في ذلك الزمن البعيد، ولكن الله قد ألهمه بالكثير الكثير في الزمن الحاضر، وقد اشترك معنا، نحن الاكاديميين الكبار، في تحرير موسوعة الأدب العربي السعودي الحديث، تلك الموسوعة البائسة التي نسبها الناس وهاجمها الحاقدون، وأثنى عليها، في نسختها الإنجليزية، المتحضرون في جميع أنحاء العالم.

وللزميل الدكتور عزت خطاب مقالة رائعة بعنوان (ماجي - محاولة للاستماع)، نشرها في صحيفة الرياض سنة 1416هـ - 1995م، وهي عن قصيدة (ماجي) التي احتواها ديواني (شلوم يا عرب)، وقد أعجب بهذه القصيدة وقام بتحليلها تحليلاً جميلاً، ويقول:

(إن باب الدخول إلى عالم القصيدة هو (أجفان ماجي) مثلما أن باب الدخول إلى عالم ألف ليلة هو صوت شهرزاد فماجي مثل شهرزاد راوية ماهرة، تروي الأحداث وتروي تعطشك إلى الحقيقة..) والقصيدة تبدأ على هذا النحو:

دع عنك ما تروى الطرائف والأحاجي

واسمع صحيح القول من أجفان ماجي

تروي عن (الأرزات)، عن لبنان

عن فيروز، عن كبر الجبال، عن الفجاج

عن غيمية جنت على الوديان

عن عبقٍ من الإبداع، عن ذهب وعاج

تروى وترويك الجمال معتقاً

تسقيك من عينين لا خمر الزجاج

لقد كان الصديق الخطّاب شاعراً في تحليله ورؤيته لهذه الأبيات، بل هو شاعر في الحققة وينظم قصائده باللغة الإنجليزية وهو الرائد في تخصصه في الأدب الإنجليزي.

وقد أهداني قصيدته التي نشرها في ديوانه (The Rock And Other Poems) وكانت بعنوان (Tiresias)، وقد كتبها بمناسبة حصولي على جائزة الملك فيصل العالمية سنة 1421هـ - 2001م، يقول في مطلبها:

It has found you at last Tiresias.or rather. the eagle -eyed wizard of Yamamah

عثروا عليك أخيراً يا تيريسياس،

أو ربما أصفك بعراف اليمامة الذي

يحمل عين الصقر وكياسة كل زمان ومكان،

وأقول أنا هنا: لابد أن يعثروا عليك أيضاً يا عزت خطاب، فأنت الرائد والزاهد والمليء بكنوز العلم والمعرفة والإنسانية والتواضح.

أما مقالة الدكتور معجب الزهراني فعنوانها طويل جداً هكذا: (أم علي بعد عدة قراءات.. الحكاية لعبةً أولها هوى وآخرها إدمان)، وهو يتحدث فيها عن (الدحلة) التي نشرتها منذ سنوات طويلة في كتابي (في البحث عن الواقع)، ويقول عنها إنها نص (ملتبس)، ليس مقالة أو قصة أو حكاية أو مقطعاً من سيرة أو من التاريخ.. إنه كل هذا في نفس الوقت، ولعله لهذا السبب يمثل قدرة عجيبة على إثارة المشاعر المختلفة والمتناقضة في كل من يقرأه بمحبة)، والحقيقة أن (الدحلة) التي تتحدث عن طفولتي وعن جدتي (أم علي) في دحلة حرب بمكة المكرمة قد أعجب بها الكثيرون، وقد نشر ملخص لها في كتابي: (Remembering Child hood the Middle East) الذي أصدرته جامعة تيكساس سنة 2002م والزهراني قد قام وهو يتحدث عن بكتابة نص آخر عن طفولته هو في قريته بالباحة، وتحدث عن علاقته ب(أم علي) أخرى كانت تزور قريتهم بين الفينة والفينة، وهي شخصية أسطورية وتتمتع بالكثير من المواهب والقدرات التي لا أجدها في شخصية جدتي أنا أم علي في (الدحلة) لقد كتب الصديق معجب نصاً آخر فيه الكثير من المتعة والإثارة.

وإنني أشكر أيضاً الزميل الدكتور أحمد الضبيب عما قاله عن كتابي (الوهم ومحاور الرؤيا) الصادر عن دار المفردات بالرياض سنة 1421هـ -2000م، والكتاب، كما أشرت في المقدمة، هو مجموعة من البحوث والمحاضرات التي ألقيت في ندوات علمية ومناسبات مختلفة.

وقد أشاد الضبيب بجهودي في التعريف بالأدب السعودي والثقافة المحلية، ولكن الندوات والمناسبات الكثيرة التي دعيت لها قد أوقعتني، كما يقول، في التكرار وإعادة المقولات التي سبق إيرادها في مناسبات سابقة)، وإنني لأعترف بهذا التكرار الذي تورطت فيه، وأشكر الضبيب على تفريظه وعلى ملاحظاته.

أما المقال الأخير في هذه السلسلة فهو الدكتور ميجان الرويلي وكان بعنوان: (منصور الحازمي فيمواقف نقدية: فن المقال ومفارقات الحياة) وقد نشر أصلاً في ثلاث حلقات بصحيفة الرياض سنة 1417هـ -1996م، وهو عن كتابي (مواقف نقدية) الذي أصدرته دار الصافي سنة 1410هـ - 1989م، ويقول ميجان، (إن هذا الكتاب قد تضمن مقالات الحازمي وتأملاته الشخصية على مدى خمس سنوات تقريباً (1983-1987م)، وهذه المجموعة من المقالات تجسيد إذ تجمع الخاطرة التأملية إلى الرؤية الشخصية إلى المقال العلمي الأكاديمي إلى النادرة الهزلية الساخرة إلى المقال الغاضب والطرح التعليمي المدرسي..).

ولكن الدكتور ميجان قد ركز على الجانب الساخر في هذه المقالات، وإنني لأشكره، كما أشكر جميع من أسهموا في هذه المبادرة الرائعة التي أرجو أن تكون تقليداً متبعاً لجميع الأجيال وفي ظل حكومتنا الرشيدة وخدمة وطننا الحبيب وجامعتنا العريقة.

القيت في حفل تكريم الكاتب في جامعة الملك سعود الرياض
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة