Culture Magazine Thursday  25/03/2010 G Issue 303
فضاءات
الخميس 09 ,ربيع الثاني 1431   العدد  303
 
رهانات الرواية السعودية
د. إبراهيم بن محمد الشتوي

مرت الرواية السعودية بعدد من المراحل، منذ الرواية التي عدت الأولى للأستاذ عبد القدوس الأنصاري، والتي اعتبرت بداية وتأسيساً، ثم جاءت المرحلة الثانية على يد حامد دمنهوري في روايته ثمن التضحية التي مثلت لدى دارسي الرواية مرحلة النضج والتطور في الرواية السعودية، ثم تلتها مرحلة ثالثة يبدؤها مؤرّخو الرواية بسنة 1400، ويعدونها المرحلة التي أصبحت الرواية أكثر حضوراً من ذي قبل بناءً على كثرة الأعمال الصادرة في هذه المرحلة، وفي ظني أن هذه المرحلة ينبغي أن تبدأ برواية سقيفة الصفا للكاتب حمزة بوقري التي تمثّل من وجهة نظري تحولاً في الرواية السعودية وذلك من خلال الأساليب السردية الجديدة التي انتهجها الكاتب، والقضية المطروحة أيضاً، حيث مزق عناصر الرواية ليحافظ على وحدة المكان الذي يتحول بصورة واضحة إلى العنصر الروائي الرئيس سواء على مستوى المضمون، حيث يكون حاضراً ومسيطراً على الشخصيات أو على مستوى شكل الرواية، حيث سيطر على عناصرها.

وعلى الرغم من أن هذه المرحلة ليست سواء فالعقد الأول من القرن الخامس عشر الهجري أي الثمانينات الميلادية من القرن المنصرم لم تكن الرواية بالحجم نفسه ولا بالانتشار أوالمقروئية التي بدت في المرحلة التي تلتها أي في تسعينيات القرن الميلادي المنصرم وما تلاه من ظهور عدد من النصوص السعودية الصادمة لوعي القارئ السعودي والتي مثلت تحولاً في العلاقة بين كاتب الرواية والقارئ بين منتج النص ومستهلكه، أو المرسل والمستقبل. كانت هذه النصوص لبعض الأعلام المؤثرة في المجتمع السعودي بمستواه الإداري والثقافي وأعني به غازي القصيبي، فمن وجهة نظري دخول غازي القصيبي عالم كتابة الرواية أعطى الرواية السعودية دفعة إلى الأمام في عالم الأدب وجعلها تحتل مكانة عالية بين الفنون المقروءة خاصة من خلال القضايا التي لامسها في رواياته.

تتالت الأعمال الروائية التي تحمل في طياتها هم استفزاز المجتمع، والكشف عن خباياه المختلفة، ومحاولة إنشاء خطاب ثقافي يقوم بمواجهة المجتمع صراحة بما يراه في حقيقته، وهي بهذا تختلف عن المراحل السابقة التي كانت تحاول أن تحتفظ بالعلاقة المقبولة مع معايير المجتمع. ولم يكتف الأمر بهذه الصورة وإنما انعكس ذلك على علاقة كاتب الرواية بالمجتمع وآذن بميلاد علاقة جديدة بينهما، فالكاتب الذي كان يسعى لأن يراعي الذوق العام للمجتمع، ويسير في ظل المساحة المتاحة، أصبح يسعى لأن يقوم بدور قيادي في عملية التغيير فيصدم وعي المتلقي بما يراه أمامه، وفي المناطق التي يتناولها، والطريقة التي يقدمها به، حيث أصبح من المألوف أن يسجل الكاتب الأشياء بأسمائها في مقابل مرحلة كانت أغلب أحداث الرواية تقع في أماكن غير سعودية، وأن يتجاوز قضايا التعليم أو الفقر أو غلاء المهور أو زواج البنات الصغيرات من كبار السن، هذه القضايا التي تمثّل اتفاقاً بين شرائح المجتمع المختلفة، إلى الحديث عن - مثلا - نظام القضاء كما في رواية «شارع العطايف» أو «نساء المنكر»، ومن هنا تغيَّرت علاقة الرواية بالمجتمع، فبعد أن كانت الرواية عملاً أدبياً فنياً بحت ينشغل فيه مجموعة من الأدباء المهتمين أصبح يكاد الفن الأكثر انتشاراً بحيث يمكن أن يعد فناً شعبياً الأمر الذي مكّن من وجود عدد كبير من النصوص الروائية التي تتخذ موقفاً مغايراً لما يراه البعض مسيرة المجتمع الرسمية، ومن هنا ظهرت نصوص أخرى بوحي من تلك النصوص تقدم المجتمع بصورة مضادة للواقع السابق، وهي بذلك تسعى لتحافظ على المجتمع كما هو، وهو ما حول النصوص الروائية إلى ميدان تقابل وصراع بين توجهات ثقافية معينة، ومتقابلة وكأنه خطاب مباشر لبث قيم اجتماعية معينة أو لنقض قيم أخرى.

هذا الواقع الذي اتسمت به الرواية في المرحلة المعاصرة، وهو ما يمكن أن أسميه بالهم الإصلاحي صبغ الرواية السعودية بشكل كبير بأن جعلها خطاباً إصلاحياً مباشراً غير محتاج للتأويل أو القراءة، هذه الحالة التي تعيشها الرواية ستوقعنا في مأزق السؤال عن أدبية هذه النصوص، إذا كانت جوليا كرستيفا تفرق بين النص واللا نص بأن النص هو القابل للقراءة المتعددة في حين اللا نص هو ذو القراءة الواحد التي لا ينبغي أن تتجاوزه فإن كثيراً من النصوص السعودية أيديولوجية ذات دلالة واحدة محددة سلفاً إما من اتجاه الكاتب أو من طريقة الكتابة، كما جعلها ترتبط في الغالب بأنماط سردية معينة، تقوم على نقل الأحداث بشكل مباشر، وتوصيف الأماكن، والاكتفاء أحياناً بلغة مجازية، حتى أنها لا تراوح في كثير من نماذجها الرواية الواقعية بمفهومها البلزاكي الذي يعني تقديم الواقع بموضوعية تامة، دون أن تلتزم بذلك البناء.

هناك نماذج يمكن أن نطرحها في هذا المجال (ثلاثية تركي الحمد، شارع العطايف، رواية ستر لرجاء عالم (طفول وفهد)، ورواية هند والعسكر (هند ومنصور وإبراهيم) للدكتورة بدرية البشر حتى وإن كانت هذه النصوص قد انطلقت من رؤية معينة تجاه الأشياء المحيطة بها.

هذا الهم الإصلاحي، والالتزام بتقديم رؤية واضحة ومباشرة يطرح تساؤلاً عن تجربة الرواية السعودية وإذا ما كانت تكراراً لمراحل الرواية العربية، وكأنها تستعيد إنتاج مراحل سابقة، فبعد المرحلة الأولى التي كانت التربية والتعليم حاضرة فيها جاءت المرحلة الثانية التي يمثّلها حامد دمنهوري التي ربطت بهيكل كما يرى عدد من الدارسين حتى إن الدكتور سلطان القحطاني يعقد موازنة بين زينب لهيكل، وثمن التضحية، كما يقف عند المؤثرات العراقية في أدب إبراهيم الناصر وهو ما اشتهر به بوجه عام. ثم جاءت المرحلة الثالثة التي يمكن أن تعد إعادة إنتاج الرواية الفضائحية وذلك من خلال أبرز نماذجها كما هي لدى يوسف إدريس وإحسان عبد القدوس ويكاد ينطبق هذا حتى على الأصوات الشابة الجديدة التي يكاد المتلقي أن يرى ملامح أعمال عربية في داخل هذه الأعمال فنجد آثار موسم الهجرة إلى الشمال، أو رواية أحلام مستغانمي ذاكرة الجسد في عدد من الروايات، أو حتى عمارة يعقوبيان.

نحن هنا لدينا تحدينا يواجهان الرواية السعودية:

1- الخروج مما يمكن أن أسميه بعباءة الرواية العربية، بحيث تستطيع الرواية السعودية أن تنتج أشكالها السردية، وطرائقها وكذلك قضاياها الخاصة بها التي تنطلق من شخصيتها ومن حياتها اليومية.

2- الخروج من هذا الهم الإصلاحي المباشر الذي سيطر على الرواية السعودية، الذي تحولت معه الرواية إلى جزء من خطاب أيديولوجي كامل وربما صراع في بعض الأحيان، لأن تتكون رسالته عن طريق القراءة المتأنية والتأويل أكثر من المباشرة، وتكون قادرة على تقديم حالة كاملة بأصوات متعددة أو أنتاج عوالم جديدة.

نحن لدينا نماذج رائدة في الرواية السعودية تجاوزت المباشرة، والهم الإصلاحي، ونقد المجتمع بطريقة مباشرة إلى أن تعتمد طرح قضايا مختلفة تماماً، فكرية، وبوسائل فنية مختلفة تماماً، وأضرب على ذلك بنموذجين: الأول رواية «سفينة وأميرة الظلال» للكاتبة السعودية مها بنت محمد الفيصل، والتي تناولت قضية مهمة فكرية تلح على وعي المفكر بوجه عام وفي العصر الحديث على وجه الخصوص، ففي حين نجد أن كثيراً من النصوص العربية تعالج مشكلة العلاقة بالآخر من خلال مدخل ثيمي يتمثل بالمرأة التي اعتبرت دالاً على الحضارة الغربية، وهو ما جعل بعض الدارسين يعد هذا من تجنيس العلاقة بين الشرق والغرب، أو من خلال تصوير لصراعات الإيديولوجية في العالم العربي نجد أن الكاتبة مها الفيصل تنفذ إلى هذه القضية المركزية عن طريق دال فني بحت شكلي يمثّل عدداً من المكونات، ويكشف رسالة النص عن طريق الاعتماد على مكونات البناء المعماري للنص الذي يحيل إلى خطابات ثقافية متنوعة يستثمرها في بناء دلالته.

النموذج الثاني: الأستاذة الكاتبة رجاء عالم، التي قدمت في عدد من نصوص تجارب روائية متميزة سواء في طريق الحرير أو حبي وخاتم، حيث نجدها تتداخل العوالم المختلفة في النص بحيث لا يمكن الحكم بمباشرة الرواية أو بتنميط الدلالة، وإنما تأتي جماع من تأملات والوقوف عند علامات تفضي كلها إلى اختلاف القول وتعدد القراءة على الرغم من الاعتماد على وأنماط سردية خاصة بالكاتبة.

الرياض
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة