Culture Magazine Thursday  25/03/2010 G Issue 303
ترجمات
الخميس 09 ,ربيع الثاني 1431   العدد  303
 
خاص بالنخبة...
هل يستطيع الشعر أن يغيرنا ويغير العالم؟1-2
حمد العيسى

إهداء خاص من المترجم إلى:

(1) خالي الغالي معالي الشيخ محمد بن إبراهيم العيسى -حفظه الله- رجل الأعمال الكبير ووجيه جدة المعروف ورمز الكرم والتقوى والصلاح والوفاء في عائلة (آل عيسى) من (بني زيد) من شقراء.

وإهداء عام من المترجم إلى:

جميع الشعراء والشاعرات ومحبي الشعر في السعودية

تقديم المترجم

أعتز كثيراً بترجمة هذا المقال الهام والمؤثر (بالنسبة لي طبعاً) والذي أعتبره من أهم ترجماتي إن لم يكن أهمها على الإطلاق منذ بدأت عملي في الترجمة عام 2002 طبعاً إذا وفقني الله سبحانه وتعالى في نقل رسالة المقال التي حاولت لشاعرة راندال توصيلها للقراء عن رسالة الشعر في الحياة.

وأعترف وأعتذر سلفاً لفشلي في ترجمة رسالة هذا المقال الهام وذلك لسبب شخصي بسيط وهو لأنني عندما انتهيت من قراءة ترجمتي باللغة العربية (لم) أشعر بتلك العرفان والنشوة والهزة العاطفية المؤثرة التي -بصراحة- جعلتني أبكي مرتين (أثناء) و(بعد) قراءة النص الأصلي لأول مرة باللغة الإنجليزية!!!

الشاعرة مارغريت راندال جادلت ونجحت بمهارة في توضيح أهمية الشعر للمثقفين خاصة وللناس عامة أي للجنس بشري. وأثبتت بمهارة أن (الشعر هو كافيار الأدب) بدون جدال مع الإحترام لباقي الأنواع Genres الأدبية مثل النثر والرواية والقصة، والمسرح، والسيرة الذاتية، والنثر، والمقالة، ألخ، بحسب تصنيفات الأدب المختلف عليها كما هو معروف.

وهو مقال نخبوي دسم ومركز خاص للشعراء وقراء الشعر المحترفين، ويهم كذلك جميع المثقفين الجادين. وتحاول الكاتبة فيه الإجابة على السؤال الذي كان ولا يزال يراودنا نحن محبي الشعر وهو: (هل لا يزال الشعر مهماً ومؤثراً؟) وتقصد راندال تحديداً: (العملية، والمنتج، والنوع الأدبي Genre؟ وإذا كان الجواب: نعم، فكيف؟)

ويقدم المقال إضاءات عديدة وعميقة عن أهمية ومستقبل الشعر كنوع أدبي Genre وكمنتج إبداعي وتأثيره على اللغة وعلى القراء وحتى على المستمعين الأميين. وتشرح راندال ببراعة تأثير العولمة على تطور اللغة والشعر من خلال ظهور وانتشار وسائل الاتصال الجديدة. وتعترف الشاعرة الحداثية راندال في هذا المقال بشجاعة وصراحة ووضوح وبدون مواربة بسر مهم وحقيقة لا يحب كبار المبدعين الحداثيين في العالم العربي خاصة والعالم عامة البوح والاعتراف بها وهي أهمية وتأثير ما اسمته راندال ب (التقاليد الشفوية) Oral Traditions على اللغة عامة والشعر خاصة. وهو المصطلح الذي تفسره (الموسوعة العربية) على النت بأنه (الفولكلور أو التراث والأدب الشعبي). وهو اعتراف مهم جداً ويعيد الاعتبار للشعراء الشعبيين أو النبطيين (أو الزجليين) ومحبي هذه الأنواع الأدبية. وقمنا كالعادة بعمل بحث موسع ثم بكتابة تعريف مسهب عن الشاعرة راندال تقرؤونه قبل المقال. وكالعادة الكلمات التوضيحية التي بين (قوسين) داخل النص هي للمترجم. وأعتذر بشدة لجميع القراء إذا لم تكن ترجمتي دقيقة ولا مؤثرة وحسبي أنني اجتهدت ويكفيني أجر واحد.

تعريف بالشاعرة مارغريت راندال

مواطنة أمريكية من مواليد عام 1936 في نيويورك. عاشت وتنقلت لأسباب عائلية وسياسية لفترات مختلفة في إسبانيا، المكسيك، كوبا، نيكاراغاوا، فيتنام الشمالية، وبيرو. أسست راندال مجلة أدبية طليعية راديكالية في الستينيات بعنوان (إيل كورونو إمبلومادو). وهذا هو اسم المجلة بالإسبانية ويعني بالعربية (القرن المريش)، والمقصود هنا (قرن) آلة موسيقى الجاز التي طورها زنوج أمريكا في بداية القرن العشرين وأصبحت تلك الموسيقى تعبر عن تطلعات الزنوج للحرية والعدالة والمساواة، أما (الريش) فيعود إلى قبائل المكسيك الأصلية القديمة، والاسم ككل يرمز لاستلهام تلك المجلة لأهمية تلك الحضارتين. انتمت راندال للحركة (التعبيرية التجريدية) Abstract expressionism التي انبثقت من نيويورك في خمسينيات وستينيات القرن العشرين وكان لها تأثير كبير في العالم. وتحمل راندال عدة ألقاب مهمة فهي: شاعرة، ومؤرخة، ومناضلة نسوية، وكاتبة، ومصورة فوتوغرافية، وناشطة اجتماعية أمريكية بارزة.

قرأت راندال المقال التالي أثناء (مهرجان ستير) السنوي للشعر في مدينة ألبوكركي في ولاية نيو مكسيكو الأمريكية في سبتمبر 2009. وكان ذلك المهرجان قد نظمته الشاعرة ليزا جيل من ألبوكركي وذلك تكريماً واحتفاء لذكرى مقالة مهمة كتبها الشاعر الأمريكي دانا جويا عام 1991 تحمل نفس عنوان مقال راندال.

وخلال الحقبة الريغانية المحافظة في الثمانينيات، وبعد عودتها في عام 1984 من رحلة تمرد طويلة في نيكاراغوا، منعت راندال من دخول الولايات المتحدة لصدور قرار غريب من (إدارة الهجرة والجنسية) الأمريكية قضى بمنعها من دخول وطنها الولايات المتحدة، وسحب جنسيتها الأمريكية، وترحيلها إلى الخارج نظراً لأن بعض آرائها السياسية الراديكالية الواردة في كتبها اعتبرت مناهضة لمصلحة الولايات المتحدة. وكان ذلك القرار الغريب يستند على ويستدعي قانوناً متشدداً للجنسية الأمريكية صدر عام 1952 خلال الحقبة (المكارثية) المرعبة في الولايات المتحدة باسم قانون (ماكاران-والتر) للهجرة والجنسية.

وبحسب بحثنا في بعض المراجع الموثوقة، تسببت قوانين الهجرة والإقامة التي تبنتها (إدارة الهجرة والجنسية) الأمريكية تحت مظلة الحقبة (المكارثية) السوداء في الولايات المتحدة التي بدأت في أواخر الأربعينيات واستمرت حتى نهاية الخمسينيات من القرن المنصرم في صدور (قائمة سوداء) طويلة وضخمة بأسماء الأشخاص الممنوعين من دخول الولايات المتحدة، ونتج عن تلك القائمة السوداء منع أكثر من 40,000 (أربعون ألف) شخص معظمهم كتاب وكاتبات من جميع أنحاء العالم من دخول الولايات المتحدة بسبب معارضتهم العلنية لسياسات الولايات المتحدة في كتاباتهم، وضمت تلك القائمة الشاعر التشيلي الكبير بابلو نيرودا، والروائي الإنجليزي العظيم غراهام غرين، والروائي الكولومبي المذهل غابرييل غارسيا ماركيز الفائز بجائزة نوبل للأدب لاحقاً، وغيرهم كثير. وبعد صدور قرار سحب جنسيتها وترحيلها من وطنها، وجدت راندال مناصرة ممتازة من (مركز الحقوق الدستورية الأمريكي) (وهو منظمة حقوقية غير حكومية/ غير ربحية من منظمات المجتمع المدني الأمريكية)، وخاضا معاً معارك قضائية شرسة لمدة خمس سنوات ضد (إدارة الهجرة والجنسية) الأمريكية، تخللتها تحقيقات واستجوابات مرعبة من محققة (إدارة الهجرة والجنسية) مبنية على أكاذيب وإشاعات مرعبة مختلقة لتخويف راندال وهز ثقتها في نفسها وجعلها تعتزل العمل الأدبي/ السياسي. كما تطرقت الأسئلة إلى أخص خصوصيات راندال وعاداتها الشخصية والحميمة داخل منزلها. وسألت أسئلة مفصلة واستفزازية عن كل شيء في حياتها وكيف تعرفت على زوجها ومتى عاشرها لأول مرة. وشملت الأسئلة أسماء المقاهي التي ترتادها والجرائد التي تفضل قراءتها خارج أمريكا مثلاً!! وغيرها من الأسئلة التي لا علاقة مباشرة لها بكتاباتها. وأخيراً في عام 1989، صدر حكم قضائي نهائي وملزم بإلغاء قرار (إدارة الهجرة والجنسية) الأمريكية لأنه (غير دستوري)، واستعادت راندال جنسيتها، وألغي قرار طردها من الولايات المتحدة. ثم حصلت راندل عام 1990 على جائزة ومنحة مالية من مؤسسة (ليليان هلمان وداشيل هامت) الحقوقية الأمريكية للكُتاب المضطهدين سياسياً. وفي 2004 حصلت على جائزة منظمة (بن) PEN الدولية للكتابة.

أنتج عنها مؤخراً فيلم وثائقي مهم مدته ساعة في أمريكا بعنوان (الحياة غير الاعتذارية (الشجاعة) لمارغريت راندل).

مارست راندال التدريس الأكاديمي في مجال الأدب والكتابة الإبداعية للشعر لعقد من الزمن في عدد من الجامعات الأمريكية حتى تقاعدت نهائياً وتفرغت للكتابة عام 1994. لديها أربعة أطفال وعشرة أحفاد.

وأصدرت حتى الآن أكثر من ثمانين كتاباً أهمها: (الصخور تشهد)، (لنغير العالم: حياتي في كوبا) و(وظهورهم إلى البحر). وهذا المقال الذي تقرؤونه سينشر قريباً في كتاب (الضحكة الأولى) الذي سيصدر قريباً من مطبعة (جامعة نبراسكا)، وهناك ديوان شعري قادم بعنوان (بلدي) سوف يصدر من دار (وينغس برس) في عام 2010. ونشر هذا المقال في مجلة (الأدب العالمي اليوم) World Literature Today في العدد الأخير (مارس/أبريل 2010).

ونلفت نظر القراء أن راندال تحدثت في المقال بتكرار عن أهمية وتأثير ما اسمته ب (التقاليد الشفوية) Oral Traditions على اللغة عامة والشعر خاصة، وهو المصطلح الذي تفسره (الموسوعة العربية) على النت بأنه (الفولكلور أو التراث والأدب الشعبي). وكالعادة الكلمات التي بين (قوسين) للمترجم.

هل يستطيع الشعر أن يغيرنا ويغير العالم؟

كل الشعراء وقراء الشعر يطرحون السؤال التالي باستمرار: (هل يستطيع الشعر أن يغيرنا ويغير العالم؟) وقد يُطرح نفس السؤال بطرق أخرى، ولكن هدف ذلك التساؤل لا يتغير!!

بالطبع، يحق لنا أن نسأل: هل يستطع الشعر أن يكون مهما على نطاق عالمي شامل، وهل لديه القدرة على تغيير أو حتى التأثير على طريقة تفكيرنا أو إحساسنا، أو ما نعتقده، أو كيف نتصرف، أو حتى ما نريده لأنفسنا والآخرين؟ وهل يمكنه أن يكسب قلب الحبيب؟ وأن يحفظ أطفالنا بسلام؟ ومؤخراً: هل يمكنه عكس (تغير المناخ)؟ أو إطعام الجائعين؟ أو يساند بفعالية العدالة أو يرفع الظلم؟، أو ينهي الحروب؟ والأهم للغاية: هل يستطيع الشعر أن يحقق السلام الدائم بين الشعوب؟

السؤال ليس سطحياً كما قد يبدو لأول وهلة ليكون حول ما إذا كانت قصيدة مفردة أو مجموعة من القصائد كانت بالفعل مهمة للناس على مر التاريخ. بالطبع، لقد كانت القصيدة وكان الشعر مهمين ومؤثرين بقوة.

هناك أمثلة متنوعة وأكثر من قدرتنا على الإحصاء لهؤلاء الشعراء المهمين المؤثرين: سافو، باشو، نجوين دو، مولانا جلال الدين الرومي، سيزار فاييخو، بابلو نيرودا، ناظم حكمت، ريلكه، (هو شي منه)، والتويتمان، ألن غينسبرغ، أدريان ريتش، جون جوردان، والشاعرة جوي هارجو!! هؤلاء فقط نماذج من هؤلاء الشعراء المؤثرين الذين لا تزال أعمالهم قادرة على التأثير وتغيير الحياة لمن يقرأهم بوعي وتدبر.

ولكن السؤال الذي يراودنا نحن محبي الشعر يبقى دائماً هو: هل لا يزال الشعر مهماً ومؤثراً؟ ونقصد تحديداً: العملية، والمنتج، والنوع الأدبي Genre؟ وإذا كان الجواب نعم، فكيف؟

قد نطرح أسئلة أكثر حميمية عن الشعر، ربما أقل طموحاً، ولكنها ذات مغزى واضح ومفيد لمجتمعنا البشري. على سبيل المثال: هل يمكن للشعر أن يغذي الأمل وينعش الحلم؟ وهل يمكنه أن يجعلنا ندرك ما يدور حولنا؟ وأن نُعلم الغير؟ وأن يريحنا في أوقات الحزن والنقاهة ويساعدنا على النسيان؟ والأهم أن يعمل كمصدر إلهام للقراء والمستمعين الأميين؟ ثم ما هي مسؤولية الشعر بخصوص اللغة؟ هل يمكنه كشف أسرارها؟ ويحل المشكلات؟ هل يمكنه أن يصدمنا لنصحو من غيبوبتنا ونحس بواقعنا ونبدأ العمل الإيجابي، ويساعدنا على التفاوض أو الإقناع؟ ثم ماذا عن (التقاليد الشفوية) (الفولكلور أو التراث والأدب الشعبي/النبطي)، والمحادثة اليومية، واللكنة، النبرة، واللون؟ وكيف يمكنها إثراء الثقافة؟ والمساعدة في كتابة التاريخ، واسترداد أو المحافظة على الذاكرة، والأهم تقديم رسالة تصدر منها رؤية ومنظور لنتقدم إلى الأمام؟ وبأية طرق يستطيع الشعر كشف وتغيير الأكاذيب التي توارثناها عن من سبقنا في كتب التاريخ التي يسطرها دائماً المنتصرون، وفي كتب (السير الذاتية)، وفي المقالات، وحتى في الصحافة الجادة والرصينة؟

الشعر كان مهماً لصديقتي العزيزة كاري هيرز لدرجة ربما كانت غير معقولة بشريا. فقبل بضعة أيام من وفاتها بسبب (سرطان المبيض)، تعالت وتسامت كاري على آلامها، وأرسلت إلينا نحن أصدقاءها وصديقاتها رسالة إلكترونية (وداعية)، وختمت رسالتها بقصيدة للشاعرة ماري أوليفر قائلة إنها (هدية وداعها) قبل الموت المحتم. لقد كانت قصيدة مؤثرة بعنوان (غابة المياه السوداء)، وقرأت أنا يومها بعض الأبيات التي لا تزال تهزني حتى اللحظة:

انظروا، الأشجار

تتحول

أجسادهن نفسها

إلى أعمدة

للنور،

كل شيء...

تعلمته في حياتي على الإطلاق...

يقودني مجدداً إلى هذا:

الحرائق...

ونهر الخسارة الأسود...

الذين يقع في جانبهم الآخر:

(الخلاص)...

والذي لن يعرف أحد ...

على الاطلاق معناه!!

تلك الهدية سمحت لنا نحن أصدقاءها وصديقاتها بالتنفس العميق عندما استلمناها وقرأناها، ورفعت قدرنا كشعراء عندما قرأها الكاهن ونحن أمام قبر كاري بعد دفنها. تلك القصيدة لا تزال تذكرنا بصديقتنا الحبيبة، وحساسيتها الرقيقة، وحبها للتصوير الفوتوغرافي الجاد، والمقاومة الشرسة والشجاعة للمرض الخبيث، والوداع الكريم/اللائق لها بعد موتها. ولكن تلك (القصيدة الوداعية) تفعل أكثر من ذلك بكثير، لأن الدروس التي تحتويها تتحرك على مستويات عديدة. أستطيع أن أتذكر حالات كثيرة مماثلة عندما تقوم قصيدة معينة أو مجموعة من القصائد ب (تخفيف حزني)، و(غمري بالشجاعة)، وإرسال (وميض) بصورة غير متوقعة لشخص ما، أو ببساطة تطرح فكرة أو تهيج مشاعر كما لا يمكن مطلقاً لأي شيء آخر في الكون فعله.

يتبع المغرب
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة