Culture Magazine Thursday  27/05/2010 G Issue 312
فضاءات
الخميس 13 ,جمادى الآخر 1431   العدد  312
 
ليس كل النساء ليلى
لمياء السويلم

قبل أسبوع طالعتنا الدكتورة لمياء باعشن بورقة تحليلية لحكاية شعبية متوارثة، كان في الدلالات الكثيفة والمتوالدة عن القصة كما قرأتها الكاتبة الكثير من الإشارات الإيجابية لمصير المرأة وقبس من أمل واقعي توارثته العقول رواة ومستمعين، وكان في تفكيك الحكاية السعودية الخالصة بأدوات نقدية محكمة ما يحفز الذهن لإعادة قراءة الكثير من المقالات اليومية والبرامج التلفزيونية ومختلف الدعوات والحملات المعنية بالمرأة عموما سواء صنفت على طرف المحافظين عليها أو على طرف المؤمنين بتحررها، وذلك في محاولة لمحاكاة ورقة الدكتورة (العظمة حكاية تقاوم الدفن)..

وفي مراجعة أولية هناك ما يعكر صفو التحفز ليتسمر الانتباه على السطح قبل الغوص في العمق والبحث في الأبعد، إذ يتضح بقراءة سريعة أن رمزية المرأة في مختلف هذه القنوات هي ذاتها لم تتغير باختلاف الأطراف، حيث يدافع أنصار حرية المرأة عنها من خلال تبرير الرمز الذي صنعه مهاجموا حريتها «المحافظون عليها»، والمرأة في محاولاتها المختلفة لإثبات حقها في التحرر تجد نفسها مأسورة بذات الرمز ما يجعلها في حالة دفاعية مستمرة كأنها دون أن تعي تعترف بكونها محل تهمة حقيقية، يمكن أن يفهم هذا من خلال مثال هو رمزية الجمال والرقة كسمات أنثوية، فالدرة (الأنثى) التي يجب أن تبقى بالصدفة (البيت) كما يرمزها مهاجمو التحرر والمحافظون على المرأة، هي الجوهرة (الأنثى) التي يجب معاملتها برقة ودقة كما يرمزها المدافعون عن المرأة أمام ما تجده هذه الجواهر من العنف الذكوري اليدوي واللفظي، وما بين الرمزين در وجوهر تجد المرأة ذاتها محكومة بصفات مثل الرقة والجمال، فتبقى أسيرة لكل صورة وشكل تنعكس عليه الصفتين مقابل إحجامها عن كل سلوك وفكرة يمكن أن تفسر بأنها غير رقيقة أو جميلة.

فهل في الجمال والرقة كصفتين حقيقة أنثوية ثابتة أم لا، بمعنى آخر، هل تتميز كل الإناث بكونهن جميلات ورقيقات؟

قد يلتفت الجواب سريعا إلى النسبية في درجات الجمال والرقة، وفي التفاتة أكثر إشكالا يمكن القول بالرفض، حيث ليس في كل النساء جمالا ولا بجميعهن رقة، لكنما السؤال في هذا هو عن ترميز المرأة بهذي الصفتين، هل ينصفها لمجرد كونها صفات حقيقية لها، أو أن الترميز كعمل ذهني يشحذ التركيز على حقيقة دون أخرى بالتقاط جانب واحد دون غيره ما ينعكس سلبيا بضمور واختفاء بقية الحقائق والصورة الكلية؟

إن في الجمال كصفة دلالة شكلية أما الرقة فهي دلالة نفسية، وفي التداول المستمر لهما ما يؤطر الأنثى في حالة ضعف على المستويين، فالجمال شكل ظاهر لا يحضر به باطن، وصورة يراد لها من يحميها أو يزينها ويقدرها ولهذا يذهب المحافظون إلى فكرة الحماية كما لو كانت الحياة معركة، بينما يذهب مناصرو التحرر إلى فكرة تقدير القيمة الجمالية كما لو كانت الحياة معرضا فنيا..

كما أن لهذه الصفات علاقتها الخاصة بالزمن، وكلاهما يخسران أمامه، إذ أن الجمال البشري يخسر مع تقادم الوقت في حين أن الرقة تزداد، فقسوة الأيام تفقد المرأة الجميلة الرونق وتطفئ ألقها، كما أن المرأة الرقيقة بدورها تتعرف على عجزها عن مواجهة حياتها من خلال الزمان ليثبت لها أن مصيرها مع الحياة واحد، هو الخسارة.

يمكن هنا أن نستقطع دلاليا من حكاية العظمة ونفيد من القراءة الخاصة للدكتورة من أنها أداة ذكورية، لنجد بها إشارة ما إلى أن الرجل يحفر بينما المرأة تنحفر، أليس الزمن عمل حفري بامتياز والأنثى الجميلة والرقيقة خير مثال!!

وليلى.. هذا الاسم النغم، عذب ورقيق وجميل، هو الاسم الأكثر ترميزا للأنثى في تاريخ اللغة، بالأصح هذا المسمى المثقل بتاريخ النساء اللاتي حملنه، نعرفه في ليلى الأخيلية الشاعرة التي عرفت بجمالها وعشقها لابن عمها، ونعرفه في ليلى العامرية الجميلة التي شغف وجن قيس بها، ليلى المعشوقة لحسنها تحضر دوما رمزا ثابتا للأنثى، فهل تحضر لأنها الأخيلية الفصيحة التي قارعت بقصيدها الرجال أم تحضر برمزها العامرية فتنة للرجل تفقده صوابه حيث أخذه بها الهيام، ليمضي الزمان فتتساقط المعاني عنها وتصبح اليوم فتنة لأنها بأمسها كانت جميلة، وجمال ليلى يختزل الإناث معها في مصائر الحب، فكل أنثى خلقت لتعشق وليهيم بها الذكور، وكل أنثى جميلة يقدرها غزل ذكوري بها، فماذا لو لم تعشق ولم يتغزل بها رجل، هل تكون بلغت من معناها الوجودي شيئا، وبسؤال أكثر بساطة هل ستشعر أنها أنثى؟

سؤال آخر يحاول البراءة، لماذا كل النساء ليلى، وليس كل الرجال قيس؟

يبدو الترميز دائما على أنه اختيار منطقي يختزن الدلائل ويشير إليها مجتمعه، بينما في الحقيقة المعرفية هو ليس إلا طلقة لغوية لاواعية تصيب المرمز إليه في حقيقته، فالرمز يختزل من حيث كان يختزن، ويقصي من حيث أراد أن يشمل، والرمز (ليلى) مجازا عليه أن يتعالى لغويا على رسمه وعذوبة وزنه، لينحني وجوديا أمام عجزه عن بلوغ المرأة / الحقيقة..

LAMIA.SWM@GMAIL.COM الرياض
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة