Culture Magazine Thursday  28/01/2010 G Issue 296
فضاءات
الخميس 13 ,صفر 1431   العدد  296
 
عودة إلى حكاية الحداثة 1-2
د.إبراهيم الشتوي

لقي كتاب حكاية الحداثة عند ظهوره جدلاً واسعاً دار كثير منه حول صحة ما ورد فيه، أو حقيقة الدور الذي أعطاه الأستاذ الدكتور لنفسه، والصورة التي بدت عليها بعض الأسماء الثقافية المطروحة في المملكة في الكتاب، وهل يتناسب هذا مع الحجم الحقيقي لها؟ والدور الذي قامت به في حكاية الحداثة كما يسميها الأستاذ، وهل يعكس هذا موقع حجمهم في نفسه؟

غير أن المتأمل للكتاب يجد فيه شيئاً آخر سوى حكاية الحداثة التي رأى الأستاذ الدكتور أن يقدمها بوصفها حكاية، وأن ينظر إليها من تلك الزاوية كما جاءت في الكتاب، وكما نص هو أيضاً على أنها كانت حكاية بكل ما تعني الكلمة حيث فيها حبكة وصراع بين طرفين؛ الأمر الذي أغرى بعض الدارسين بتناول الكتاب من خلال منهجية بروب في كتابه مورفولوجيا الحكاية الخرافية. هناك قضايا كثيرة أثارها الكتاب بعضها طرحت للنقاش فيه وبعضها يقدمها الكتاب بوصفه نصاً قابلاً للدراسة والتحليل والاستنطاق والتي تجلت في عدد من الأسئلة. أول هذه القضايا السؤال الذي طرحه الأستاذ الدكتور ولم يقدم له إجابة كافية: هل انتهت الحداثة؟ ومتى بدأت أصلاً، وقبل ذلك ما هي الحداثة؟

يعرف الأستاذ الدكتور الحداثة بأنها «التجديد الواعي»، وبالرغم من أن هذه الكلمة واسعة عامة، لا يظهر منها المقصود بالتجديد أهو مطلق التجديد أم ما كان على غير مثال، فإنه بعد ذلك يذكر عدداً من التقسيمات؛ فيذكر الحداثة الشكلية في مقابل الحداثة الفكرية، والحداثي في مقابل الحداثي النسقي الرجعي، كما أن هناك تجديداً داخل النسق وآخر خارجه، والسؤال هنا: هل من المنطقي بعد كل هذه التقسيمات الدقيقة أن نعرف الحداثة بأنها «التجديد الواعي»؟ إذ من الممكن أن يكون تجديداً واعياً رجعياً أو نسقياً كما يحب أن يعبر. وغياب المفهوم الدقيق الواضح للحداثة ينعكس على مفهوم المصطلحات الأخرى المضادة لها ذلك لا يقتصر على الحداثة وحدها ولكن أيضاً على تحديد الآخرين المغايرين للحداثة؛ فالمقولة القديمة (بضدها تتميز الأشياء) تنطبق على المشهد هنا، وحين يغيب مفهوم الحداثة ومفهوم المصطلحات الأخرى (الحداثة الرجعية، والتجديد داخل النسق) يصبح تصنيف الأشخاص إلى هذا الاتجاه أو ذاك أمراً غير دقيق.

ومن هنا يحق لنا أن نتساءل عن قضية الحداثة العربية أو السعودية؟ هل هناك قضية محددة سعت الحداثة السعودية لتحقيقها، ونشرها من خلال الآليات المستخدمة أو من خلال الإجراءات المتبعة التي يمكن أن تحدد القضية أو تكشف الآليات؟

إذا كانت الحداثة هي مطلق التجديد الواعي، وقضيتها هي التجديد والتحديث فلماذا هذه الصراعات والخصومات التي جاءت في الكتاب بين المجددين أنفسهم: دعاة الشعر الحديث، والحداثة الشكلية، والحداثة الفكرية ما دام كل واحد منهم يتناول جانباً من جوانب التجديد؟ المتأمل للحداثة السعودية ومن ورائها الحداثة العربية يجد أنها عنيت إما بإنتاج نصوص جديدة تختلف عن النصوص العربية القديمة، أو بتقديم بعض النظريات للمتلقين من مثل النظرية التفويضية أولاً ثم الحوارية والسرد كما جاء في الكتاب، وهذا يجعل الحداثة لا تختلف كثيراً عن الجهود التي سبقتها في الأدب العربي الحديث وإنما تأتي بوصفها مرحلة أخرى من مراحل التلاقح الفكري بين الأدب العربي والأدب الأوربي وتكملة لما بدأته الأجيال السابقة في العراق ومصر والشام وكان جيل الرواد من الأدباء السعوديين على اطلاع عليها، وهي على هذا لا تستحق أن تسمى مرحلة منقطعة الصلة عما جاء قبلها ذات اسم مختلف. كما أنها أخذت جانباً تعليمياً ونشر معلومات بينما الحداثة الحقيقية هي منهج في التفكير يقوم على نقض القديم وهدمه، وهنا يأتي السؤال: أين هذا المنهج في التفكير؟ وأين نقض القديم وهدمه؟ فالحداثة العربية بدأت مرحلة نقل جديدة للمنجز الغربي دون أن تتسلط على القديم لتفككه، بل إن الملاحظ أن الحداثة تتمسك بالتراث من خلال عنايتها بأبي تمام وعنايتها بحازم القرطاجني وعبدالقاهر الجرجاني. صحيح أن هذه النماذج تعد حداثية بخروجها على النسق المحيط بها كما يعبر الأستاذ الدكتور لكنها بالنسبة لنا شخصيات قديمة تراثية تستحق التقويض والخلخلة، والارتباط بها هو نكوص عن مبادئ الحداثة التي تعتمد التقويض والهدم والبناء، ومن هنا يأتي السؤال: هل الحداثة انتقائية في موقفها من التراث؟ تنتقي المهدوم، وتنتقي التراث المتمسك به؟ ولا أظن أحداً سيعد المعارك الصحفية التي تحدث بين بعض الحداثيين ومن يعدونهم من المعارضين من قبيل نقض القديم فهذا لأنها اعتمدت على شتم الأشخاص والجدل الحجاجي دون النظر في الأساس الفكري الذي تقوم عليه المقولات القديمة والمتمسكون بها ونقضها حتى لا يبقى لهم ممسك بها.

على أنني من خلال الموازنة بين الحداثة الغربية والحداثة العربية لا ألزم الأخرى بأن تكون صورة من الأولى، كما أنني لا أؤمن بفكرة نقاء النظرية، إنما القضية التي أريد أن أصل إليها من خلال هذه المقارنة أن اختلاف الحداثة الغربية عما قبلها من مراحل، وقيامها على الهدم هناك لم ينتج عنه أن الحداثة العربية قامت بالصورة نفسها، وهو ما يعني أنه ليس لزاما أن تكون الحداثة العربية مماثلة للحداثة الغربية، كما لا يعني أنه من الصواب أن نحاكم الحداثة العربية بناء على صورة الحداثة الغربية وواقعها، فالواقع أن الحداثة العربية لم تقم بالهدم، كما أنها لا تمثل انقطاعاً عن المراحل السابقة لها في العالم العربي من حيث هي طريقة تفكير، وبناء عليه لا وجه للنظر إليها بناء على الأصل الغربي بدعوى الاتفاق بالأسماء.

هذا الحديث عن مفهوم الحداثة يدفعنا إلى السؤال عن نهاية الحداثة في المملكة الذي طرحه الكاتب في آخر الكتاب، وأجاب عنه بقوله: «ليس للحداثة أن تنتهي»، إن مجيء ما بعد الحداثة يعني أن الحداثة مرحلة كأي مرحلة لها بداية ونهاية، وأنها ليست حالة أو وصفاً لحركة التاريخ كما يسعى الكاتب إلى القول في آخر الكتاب ومع ذلك فإن نهاية الحداثة جاءت في أكثر من موضع في الكتاب حيث أكد الكاتب أن المحافظة هي اللازمة الجوهرية، وأنه مهما يكن من حداثة فإنها ستظل حداثة ظاهرية لا تلامس الجذور وكأنها اعتراف بالفشل أولاً وحكم على تجربة لاحقة بذلك ثانياً، ثم ألا يعني جعل الحداثة حكاية أنها قد انتهت وأنها صارت حكاية تقال، والقص يأتي من خارجها بعد أن اكتملت وصارت في خبر كان الناقصة كما يقال، وهنا يأتي السؤال: لماذا انتهت الحداثة؟ هل انتهت لتوقف أصحابها وانتهاء دورهم وانتهائها بمجيء ما بعد الحداثة، أم انتهت بوصفها حالة؛ لأنها لم يكن لها قضية محددة سوى المصادمات، والدخول في معارك، والجهد العلمي والنظري الذي قدمته، وهو جهد كبير ليس ذا صلة بالمعركة التي دارت حوله، أو دارت حول الحداثة بدليل أن هناك حداثياً رجعياً أو نسقياً يسهم في تقديم النظريات الأدبية والنقدية الغربية من خلال كتابه دليل الناقد الأدبي.

على أن القضية الأخطر في ما يتصل ب»نهاية الحداثة»، هو ما أشار إليه الأستاذ الدكتور بالسمة الغالبة، واللازمة التي تمثل الهوية الاجتماعية، والقائمة على المحافظة، والبعد عن التحديث، والتطور الاجتماعي، والتي بالرغم أن الأستاذ الدكتور أوردها لتبرير النهاية التي وصلت إليها قضية الحداثة، فإنه استعان بآراء آخرين من خارج المملكة يتحدثون عن التوجه العام الذي ينبغي أن تكون المملكة عليه، وهو أن تبتعد عن التغيير وأن تكون بيئة ذات سمت خاص، ومحافظة تقليدية، وكأن الإخوة العرب يريدون أن يبقوا المملكة بوصفها متحفاً للعادات الاجتماعية والثقافية يستطيعون من خلالها تذكر ماضيهم إذا رغبوا في حين لا يفتأون يسعون إلى تحديث مجتمعاتهم، ويبحثون في تطويرها: «وهو مجتمع اتفق الجميع لا على محافظته فحسب ولكن على الرغبة في أن يظل كذلك ولو عملنا استفتاء عربياً لوجدنا إجماعاً عند كل العرب والمسلمين في أن يبقى المجتمع السعودي محافظاً».

هذا قول خطير، من وجهة نظري؛ لأن السؤال الطبيعي الذي يمكن أن يقال: إذا كان هناك إجماع على وجوب الحفاظ على المجتمع كما هو، فما الداعي إذاً للدعوة إلى الحداثة، وتطوير المجتمع؟ وهو ما يدفعنا إلى مناقشة القضية مناقشة مستفيضة، وذلك من خلال أولاً السؤال عن مفهوم المحافظة: هل المحافظة تعني الإبقاء على أسلوب الحياة كما هو بما فيه من عادات اجتماعية ضارة تخالف الدين أم أن المحافظة تعني المحافظة على الثوابت: (الإسلام، والعروبة)؛ باعتبارهما معاني بالدرجة الأولى تنعكس على الحياة، بعيداً عن ربطهما بعادات اجتماعية معينة ما لم تكن هذه العادات ذات ارتباط وثيق بالدين؟ وعلى هذا لا علاقة بين المحافظة، وأسلوب الحياة، وبناء عليه فإن المحافظة التي قد يجمع عليها العرب والمسلمون لا صلة لها حقيقية بمكونات الهوية الأصلية: (الإسلام، والعروبة)، ومن هنا لا حاجة للمحافظة عليها.

على أن السؤال الذي لا يقل أهمية عن سابقه الذي يطرحه الإجماع المحكي هنا، هو عن حقيقة هؤلاء المجمعين، الأمر الأكيد أن الغذامي وجميع الحداثيين ليسوا منهم، وبناء عليه فهو إجماع ناقص، وهو ما يطرح السؤال عن حقيقة هذا الإجماع والمجمعين، ويطرح القضية الأعمق وهي علاقة المثقف بالمجتمع، ومن وراء المثقف الجامعة التي أنتجته، وهي القضية الأخرى التي ناقشها الكتاب بإفاضة.

يتبع الرياض
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة