Culture Magazine Thursday  28/10/2010 G Issue 321
فضاءات
الخميس 20 ,ذو القعدة 1431   العدد  321
 
الانتخابات الثقافية
سهام القحطاني

يراهن الكثير من المثقفين على أن الانتخابات الثقافية هي التي ستؤسس قاعدة التغيير والإصلاح الثقافيين في البلد! وأعتقد أن التراهن بهذا الطموح غير محمود العاقبة؛ ليس لأننا نّضيق المعالجة الإجرائية للقصور الثقافي فقط، ولا لأننا نحصر مفهوم التغيير والإصلاح الثقافيين في سلوك ثقافي آحادي غير مضمون الموضوعية والعدالة فقط، بل لأننا نمارس دون وعي اختصار لطموحاتنا الثقافية، وأي اهتزاز لمصدر اختصار ذلك الطموح سيؤدي إلى الكفر بأي مقرر استباقي للتغيير والإصلاح الثقافي؛ وهذا مؤشر سلبي للمستقبل الثقافي في السعودية.

ما أقصده أن علينا ألا نربط التغيير والإصلاح الثقافيين بالانتخابات الثقافية ولا نجعلها قمة هرم الإصلاح الثقافي أو خلاصة طموحنا للتغيير الثقافي كما قد يرى البعض، أو محوراً للرأي العام الثقافي يشغله عن طرح أولويات الإصلاح الثقافي، حتى لا نحول الانتخابات إلى مأزق ثقافي أو أزمة ثقافية - مع أنها مجرد وسيلة ضمن وسائل ثقافية مختلفة للتطوير-، أو نتعامل معها على أساس أنها «الجوكر» الذي يُراهن عليه لتفعيل التغيير الثقافي، وأن لا إصلاح و لا تغيير ثقافيين بدونها.

بل نتعامل معها بأنها وسيلة مختصة بقيمة تطويرية للسلوك والتفكير الثقافيين يمكن تفعيلها في ضوء توفر إمكانياتها وآلياتها، وليست مسألة مرتبطة بتقرير المصير الثقافي في البلد.

فهذه الرؤية الواسعة لها - ربطها بتقرير المصير الثقافي - والتي نتوهمها - أو حسبما أعتقد - لأهمية إستراتيجية الانتخابات قد تسقطنا فيما بعد في فراغ ثقافي لا تحيطه بدائل نستلهم منها تعبئته، فنلجأ إلى تسلق الجدار الذي هربنا منه مرة أخرى!.

لذلك علينا أن ننظر إلى الانتخابات الثقافية على أنها مجرد إمكانية آلية لتطوير التفكير والفعل الثقافيين - قد تعادل أثرها برامج أخرى تتبع ذات الإستراتيجية -، وليس لإحداث تغيير وإصلاح ثقافيين.

وهذا أمر مهم؛ أقصد تحديد نوع القيمة التي تحملها الانتخابات الثقافية، والتي بعض المثقفين المؤيدين للانتخابات لم يفكروا في تحديدها لاعتبارهم إياها آلية تطوير ثقافية، لا قيمة تطويرية ثقافية، وهذه الازدواجية لا شك أنها تضرّ بتمثيل القيمة وأثرها.

فتحديد نوع القيمة يُؤطر لنا وظيفتها فلا نُحمّلها مالا تحتمل سواء على مستوى الدافعية أو الناتج، وبالتالي تُسهل علينا عملية ضبط الأثر وتقويمه، ولذلك علينا أن نُخصص قيمة معينة للانتخابات، فما القيمة التي نتوقعها للانتخابات الثقافية؟.. أهي قيمة تطويرية، أو قيمة إصلاحية، أو قيمة تغييرية؟ ووفق تخصيص القيمة يتم تحديد مستوى قدرتها و نوعية آلياتها وإمكانياتها وأثرها.

لكن إعطاء الانتخابات الثقافية قيمة مفتوحة السقف أو إخضاعها لمجموعة قيم تأويلية بحيث تجعلها معادلاً لقاعدة دستور هو أمر يخالف التفكير الواقعي؛ لأنه يتجاوز حقوق القيمة وواجباتها ومستوى قدرتها.

وهناك نقطة تتساوي أهمية مع تحديد القيمة وهي تحديد نوعية الأثر سواء على مستوى «إضافة نموذج» أو على مستوى» تكرار النموذج».

وإن كان بعض المثقفين يرى أن علينا أن نتعامل مع الانتخابات الثقافية كقيمة مفتوحة لا كأثر، باعتبار أن تحقيق الأثر الإيجابي أو «إضافة نموذج» سيأتي مع تراكم التجربة والتعود على ممارستها، ولذلك فالتفكير في ضمان تحقيق القيمة وتثبيتها أولى من التفكير في نوعية الأثر وأسبق.

وأعتقد أن التفكير بهذه الطريقة أيضا يخالف التفكير الواقعي لأمرين:

الأمر الأول، أنه يتجاهل طبيعة «الفاعل» من خلال المراهنة على أحادية القيمة المجردة كمؤثِر، وهو بذلك يرى أن وجود القيمة هو الذي يُعّدل سلوك الفاعل وليست مشيئة الفاعل من القيمة، وهكذا تصبح القيمة هي التي تحمل فاعلية «المرسِل» والفاعل هو الذي يمثل دور»المستقِبل»، وهذه الحلقة الإجرائية تسحب من الفاعل مشيئته -إرادة الرفض والقبول- والخضوع لمشيئة القيمة، وهذا الترتيب لثنائية التأثر والتأثير على المستوى التطبيقي غير سليم، فاكتمال القيمة وبلاغتها ونفعيتها لا تُنتج تأثيرا بدون رضا وموافقة مشيئة الفاعل، واستسلام الفاعل للقيمة المفروضة لا يحقق تطوير حقيقي للنظام النسقي لمشيئته.

والأمر الثاني: تجاهل تفاصيل الكائنية -إمكانيات الواقع وتمثيلاته- وأثرها في تفعيل «القيمة المستجدة»، مقابل «متوقع افتراضي» سيُلزم بتصميم إمكانيات وتمثيلات جديدة تتناسب مع «المتوقع الافتراضي» وهي إمكانيات وتمثيلات تعتمد أيضا على طبيعة الكائنية التي ترتبط بأنظمة النسق وقوانينه الثابتة؛ لذلك فإعادة إنتاج الواقع في صور مختلفة غالباً ما يتحقق؛ فالتاريخ يعيد نفسه.

على العموم أعتقد أن علينا أن نتعامل مع موضوع الانتخابات خارج ثنائية اصطفاف «أنت ضد أو مع الانتخابات»، أو يمكن تثليث ذلك الاصطفاف ليبرز طرف ثالث يرسم خارطة طريق لتلك الانتخابات يناقش من خلالها احتمالات الفشل أو النجاح وفق تحديد القيمة ونوع الأثر دون رؤية تعصبية ضدها أو معها، وإمكانيات التأهيل وآليات التنفيذ، والبحث عن العائد السلبي أو الإيجابي من خلال مناقشة ما يمكن أن يستفاد أو يُخسر لو تم تفعيل الانتخابات الثقافية على مستوى المثقف والمشهد الثقافي والسوق الثقافية، أو ما يستفاد أو يُخسر لو لم يتم تفعيل هذه الانتخابات.

وبناء على ذلك فعلى المسؤولين الثقافيين والمثقفين ألا يتعاملوا مع موضوع الانتخابات الثقافية من باب الكلية أو الإجمالية بل من خلال البحث في إجراءات القيمة والأثر الآليات والإمكانيات والقدرات؛ لأن التفاصيل هي التي سيختبئ داخلها الشيطان.

التفاصيل التي يجب أن تطرح على طاولة الاستعداد للانتخابات الثقافية والتي تتضمن:

ما القيمة التي نريد أن تحققها الانتخابات الثقافية؟ وما نوع الأثر الذي نتوقعه أن ينتج من خلال تلك القيمة؟ وما الأفكار الثقافية التي نملكها في حالة تحقيق القيمة وإيجابية الأثر؟ وما البدائل التي نملكها في حالة فشل الانتخابات في تحقيق القيمة المرجوة منها وسلبية الأثر؟.

وما كفاءة الآليات التي ستُستخدم لتفعيل هذه التجربة؟ وما استعداد وزارة الثقافة في ضبط حركة الانتخابات بدءاً من الإجراءات الرسمية مروراً بتقويم البرامج الثقافية الانتخابية وصولاً إلى النتائج وما قد يترتب عليها؟.

وما الإمكانات التي ستضاف إلى المشهد الثقافي ليصبح مؤهلاً لخوض هذه التجربة؟.

وهل المثقف يملك مشروعاً ثقافياً يُعينه على تصميم برنامج ثقافي انتخابي يؤهله لخوض هذه التجربة؟

أظن أن هذه التفاصيل التي قد يختبئ الشيطان داخلها ويسبب فتنة ثقافية يجب أن تُناقش بكل شفافية وجرأة، لأنها مرحلة تمهيدية مهمة من مراحل عملية تفعيل الانتخابات الثقافية مثلها مثل مسألة الجمعية العمومية وآليات التنفيذ.

أما ما مدى قدرة المثقف على خوض الانتخابات؟

وهل من الممكن أن تؤدي الانتخابات إلى رسمنّة «المافيا الثقافية» أسوة ببعض القنوات الثقافية؟.

ذا ما سأناقشه في الجزء الثاني من هذا الموضوع، إن شاء الله.

sehama71@gmail.com جدة
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة