Culture Magazine Thursday  28/10/2010 G Issue 321
فضاءات
الخميس 20 ,ذو القعدة 1431   العدد  321
 
تقريباً
الفن المعاصر.. فلكاً لقصيدة النثر 1 - 2
ضياء يوسف

ناقشنا سابقا الكتابة عن الفن، وصار من المحتم التحدث الآن عن الكتابة الفن.. بأخذ النص الأدبي في حالة من الخضوع الودي لأقصى حالاته الفنية «قصيدة النثر الحديثة» بصفتها نصاً غريباً على موسيقى الشعر لم تتم مناقشته حتى اليوم من وجهة نظر الفن المعاصر.

ليس السؤال هنا هو «لماذا قصيدة النثر الحديثة تحديدا؟» بل السؤال بالأحرى «متى تكتسب قصيدة النثر الحديثة صفتها كتطبيق للفن؟» لماذا النص الحديث مكتنز بهذا الإيحاء الفني بخلاف أجواء النص المموسق والتابع حرفياً لفنون الأدب المقننة السابقة؟. يبدو أن الخط الفاصل يتعلق فعلاً بالزمن الحديث، تحديداً بعد الحرب التي خاضها النص الحداثوي ليخرج من بعده نص جديد فنياً وفي اتجاهات تذوقية مميزة يمكن لمحها في سياق قصيدة النثر المعاصرة والإشارة إلى طابعها الفني الذي ينتمي إلى مظاهر الفن المعاصر المرن والمنفتح.

كيف يمكن أن تمثل اللغة كفعل فني مجرد من تبعيته للأنواع الأدبية؟! في فن ليست بنيته الأساسية المألوفة للدلالة عليه حرفياً. إنه الاختلاف بالأحرى بين اللغة كونها تدل على الفن، واللغة بوصفها فناً خالصاً. يتضح ذلك جلياً في استعمال كلمة «فن» كفعل ضمني يمارسه النص عند وصفه أو الكتابة عنه. وفي التكلف اللغوي المتوهج الذي يتبع الأعمال الفنية أو عرضها ذلك الذي يصل إلى حد التأويلية الشعرية في بعض الأحيان؛ لذلك علينا تمييز الطريق بين الفن في اللغة واللغة الفن.. فاللغة الفن وفيّة للفن أكثر من وفائها للسياقات الأدبية. الأمثلة الخالصة في هذا الإطار نادرة وغير متعمدة، لكنها في منتهى الجدية، فإذا أخذنا على سبيل المثال الحركة السريالية والنصوص الأدبية التي تبعت حركتها لوجدنا أن النصوص الشعرية التي تبدأ جملها بكلمة واحدة على سبيل المثال.. تبدأ من تلك المرحلة حيث وجدت المخيلة السريالية أكثر من علامة لتطبيق تعبيراتها الإبداعية. ولا يخفى أن النص السريالي هو نص مطابق لحالته الفنية المحركة له وليس من المبالغة النظر إليه - من المنظور المعاصر - كعمل فني متكامل.

على هذا النحو يمكننا النظر إلى المرحلة الفنية الجديدة بافتراض أن ثمة جهداً لغوياً جديداً عليه أن يساير تطورها الفكري. أما في اعتبار اللغة عملاً فنياً بحد ذاته فيلزم لهذا التوقف عند جوزيف بويز ومقترحه لاستعادة السؤال الدائم حول ماهية النحت، والأسلوب الذي سوف يؤدي إلى توسيع معناه وصولاً إلى اللامرئية التي كان من أحد مقترحاتها (شكل الحوار) - بمعنى كيف نمنح شكلاً لأفكارنا عن طريق الكلمات؟.

وبمعنى من المعاني، فإن الحركة الفنية المعاصرة بما يحكمها من فكر أسوة بكل المدارس الفنية القديمة لديها سمات معممة على مجمل الفنون، ومن التبسيط الشديد القول إن اللغة - مبحثنا - تقع ضمن هذه التطبيقات حيث لا تتطلب اللغة كمادة للفن أكثر من اتباع النص للحالة الفنية أكثر من النموذج الأدبي؛ فيصبح الكاتب فناناً بممارساته الأدبية بدون ولوع بها بذاتها إنما بما يرفضه من خلالها من المشاركة التبعية العمياء للنموذج الصحيح. ولكي يدرك الكاتب في لغته البعد الفني فإن عليه أن يدرك أن نصه هو في ذاته جحود للقواعد التي يتبعها الكثير من جمهور الأدب الذي سيقرأ له، وعليه أن يعي أنه في مساحة مناقضة، وأن المحرك لنصه قدرة فنية خالقة وحيوية لا تحدها إلا حدود الفن. الفن الذي اتسع حتى شمل النحت اللامرئي للفكرة وللغة وهو المسيطر الوحيد على نصه الذي يستخدم اللغة في تطبيقات هذا الشمول العريض للفن.

يتسبب اعتبار اللغة سياقاً مناسباً لإنشاء العمل الفني بالكثير من الانسجام؛ إذ لا تقتصر ملاءمة اللغة لتكون نبرة فنية خلاقة على الفن وحده بل هو نجاة بالنص من مضطهديه.. نجاة من شأنها أن تكسب النص المعاصر جوهريته. حين تكون جوهريته حالة فنية لا تنكر هي من المرونة أن تكرر مرونة دمج الفنون في فن واحد صار اسمه الفن المعاصر..

إن القصيدة النثرية المعاصرة - ونقول «نثرية» لحسابات المرونة ذاتها- من حقها أن تبلور اتجاهها الخاص بما يكفله الفن من تراكم طموح واعتماد على «المخزون الذاتي» ولخلق مضامين فكرية خاصة بالتعبير المعاصر، لعل التجرد - أولاً من موقف التابع - هو أبلغ سماته.

إن الطريقة التي يكشف بها الكاتب من خلال اقتراحاته اللغوية للصور والمعاني التي يقدمها كمفاهيم حركية للغة المتماهية في كتلة النص بما في ذلك نزوعه لبناء الرمز.. لهي حالة مثالية لتطبيق المقترحات الفنية المعاصرة والهدف المباشر لها؛ لذلك فالنص لا يعد آثماً بخروجه عن سلطة الأدب بالشكل الذي يقع في حيرة «مسماه» على النحو الذي توصل إليه الأدب. إننا وبتتبع بسيط لحركية النصوص وامتدادات دهشتها كافة: الجمالية والتقنية والثقافية، وحين نتجاوز العثرات المتعلقة بالمفاهيم الأدبية، نكون في عمق النسيج الفني للارتكاب الذي لا يقل في دقة حياكته والأناة المفترضة في صنعه عن أي نص أدبي آخر إلا بما يمكن أن نلمسه فيه من تجاوز ونزعة فنية للظهور فوق سطح القانون الأدبي كناظم بما يتناسب والتجريد الجمالي للحالة اللغوية في معاصرة متقدمة وتأملية توازنية حين يتم تأملها من وجهة النظر الفنية للنحت اللامرئي للغة بصفتها كياناً يطبع أسرار العالم الفني وجماليته.

إن النص المعاصر بما يتبدى من تقدميته يمر بالمراحل الفنية التي تمر بالعمل الفني، تلك الخاضعة للصراعات التي تشي بإشكاليات التقدمية، وهي تضع الحلول الجمالية لبناء مناخ الفكر وزمنه الخاص اللائق بالتأمل. في الوقت الذي يجد فيه الفنان/ الكاتب نفسه ملزماً بفعل «الخلق»..لا «الصنع».

إن نقل النص إلى المنطقة الفنية هو سعي إلى خلق توقعات جمالية تثبت إرادة الفنان في إثارة نباهة المتلقي ولديه ذاته حين يستخرج موجودات فكره في النص وهو يعيد اكتشاف الحالة وتراكيب الرمز في حالة إيقاعية من الحرية المفترضة للجماليات الفنية المعاصرة. وعلى سبيل المثال ففي الحين الذي يظهر من وجهة النظر الأدبية أن النص الشعري النثري الحديث يتأتى بطريقة انسيابية عبثية خالية من المجهود يظهر في وجهة نظر الفن أنه بذلك يحافظ على نبرته، وما يعد عبثاً هناك يعد علاقة مرهفة وصدقاً ناجحاً يقوم على البراءة.

بهذا الانتقال يصبح توظيف اللغة على العكس من منطلق الأدب في تقييمه المتشكك.. يصبح توظيف اللغة قضية فنية معقدة، تعكس اهتمام الفنان بمدلولاته الفنية كمسار تنازعه التعبيرية، بشكل سيؤدي - بالإضافة إلى تراكم مركزية الفن المنفتح على وسائل التطبيق - إلى عالم كان متخيلاً، حتى شهد هذا المستوى من التحولات الذاتية لحضور الفن، حقيقة في الحياة.. في صوت الفنان ووعيه.. هالة مستمدة من النفس المعطية التي تمنح لجمهورها عناصر التأمل بقدرة مضاعفة على تثبيت حلم الفن/ الحياة.

الرياض
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة