Culture Magazine Thursday  28/10/2010 G Issue 321
فضاءات
الخميس 20 ,ذو القعدة 1431   العدد  321
 
نمنمات
خالد بن عبدالكريم الحمد

ها أنتم حقيقة قائمة منفصلة كادت تغيب إلى الأبد. كل يوم تزدادون ترسخاً وتقتربون من الراحتين اللتين نسيتا حتى فتات الأماني في الزمن البعيد، والطرقات البعيدة التي عبرناها نترقب قبساً ضئيلاً في عتمة الليل البهيم. كأنكم قصة الإنسانية كلها، أو هكذا أحسست يوم نشأتم في ظلمات؛ لتنهضوا منها فجراً كأنه أول وأجمل فجر في تاريخ الإنسانية كلها. ويوماً بعد يوم تندفعون بعنف لنلتقي وجهاً لوجه، هناك في محفل الكائنات. يا مذاقات الأماني اللذيذة، يا حقولاً ضاحكة باهية، يا صياح الفجر وهزيم الرعد ورفرفات الربيع الجميلة..

ها أنتم حقيقة رائعة كنغم الطير الشادي، كهمس البحيرة الصافية، كهميل المطر في الصبح البهيج على الأرض العطشى، كالبدر الزاهي في الليلة الداجية، كشعشعة الصبح البهيج.. يا أهازيج الحلم التي نسيتها منذ زمن طويل، ها أنتم حقيقة باهرة تجلو أحزان العمر كما يجلو شعاع الفجر غيهب الدجى، ها أنتم تخطفون الصبح من عيون الليل البهيم، من الظلمة الحالكة في ليل اليأس الطويل.. الطويل.

وتشرق ابتساماتكم، ويبدأ لغوكم العبقري كأنشودة الحقل وشدو البلابل في بواكير الصباح العليل. وأسترجع ما مضى فألملم الماضي والحاضر والمستقبل، وأدخل اللحظة الأبدية الخارجة المتمردة على الزمن، فإذا أنتم في اللحظة الشاردة كعصافير الجنة، كالحلم المستحيل الذي اخترق الواقع ليقف حقيقة كضوء الشمس الباهر الباهي.

كدت لا أصدق يوم نشأتم في الظلمات، وحين قال الحلم المستحيل سآتي كفلق الصبح، انتظرت.. أعدُّ الثواني والساعات والأيام. أنتظر بين قلق الانتظار وغمرة الفرح التي زرعها الحلم المستحيل وهو يقول إني قادم فأنتظر. فهل تعلمون كم انتظرتكم؟!! شعرت بأنني انتظرت عمر البشرية كلها أترقب مقدمكم، وحين أتيتم شعرت بأنني اختصرت عمر البشرية كلها بلحظة مولدكم. فما أروع وأجمل تلك اللحظة التي هزني فيها مقدمكم من الأعماق وبعنف شديد، يا أجمل الآتي، الذي قد أتي، والذي لا يأتي أبداً. يا أنشودة العمر، ها أنتم اليوم في مرابع الصبا كل شيء، تملؤون كل شيء، تثرون كل شيء، وتغنون عن كل شيء حتى عن الأحلام المجانية التي أدمنتها النفس البشرية لتغسل بها متاعب الحياة وشقاءها وبؤسها. اليوم ما عدت أحلم لأبلسم بالحلم خيبات الأيام وعثرات الحظ؛ لأنكم اليوم أنتم الحلم الذي لا قبله ولا بعده. فدمتم عصافير الحقل البهيج في عامكم التاسع.

الرياض
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة