Culture Magazine Thursday  29/04/2010 G Issue 308
تشكيل
الخميس 15 ,جمادى الاولى 1431   العدد  308
 
من الحقيبة التشكيلية
أغرت التشكيليين الشباب وخلطت الأوراق
الفنون الحديثة مطلب للمنافسة ومبعث خوف للساحة التشكيلية المحلية
إعداد: محمد المنيف

في السبعينات الميلادية التسعينات الهجرية بدأت فنوننا التشكيلية السعودية تضع قدمها في مضمار الحضور الحقيقي لهذا الفن، كما هي التجارب الخليجية الأقرب وصولاً إلى التجارب العربية الأكثر نضجاً وارتكازاً وإثباتاً للذات عبر فترات طويلة منها مصر والعراق التي خدمت إعلامياً، وحققت بذلك انتشاراً عربياً وعالمياً مع ما كان هناك من تجارب لدول عربية أخرى لا تقل بأي حال بالمستوى الفني وإن قلّ عدد فنانيها مقارنة بفناني العراق ومصر، وتعثّر وصول الكثير عنها إلينا، مع الإشارة إلى الدور الهام في وصول الفنون العراقية والمصرية الذي يضاف للإعلام النشط وهو وجود بعثاتها للتدريس بالمملكة، في تلك الفترة أخذ الفن التشكيلي السعودي يبرز بشكل متواضع في العدد والعدّة واستمر فترات طويلة في حال من عدم وضوح الرؤيا لما سيحدث في مستقبله، في وقت كانت فيه التجارب العالمية تخطّت الكثير ووصلت إلى مراحل كبيرة من التطوير والتحديث، كما هو معلوم عند الجميع ما حدث بين عامي 1860ـ 1970م التي تجاوز فيها الفنانون في أوروبا مرحلة التقليدية إلى الفنون الطليعية التي يرى فيها الشباب والأجيال الجديدة في تلك الحقبة بحثاً عن كل ما هو مختلف في الفكرة والتقنيات، والتي بدأ بنهايتها تحرك الفن السعودي وكثير من الفنون العربية، ومع ذلك لم تكن هناك الفرص الكبيرة للفنانين السعوديين من أن يتعرفوا على ما حدث وما تبع ذلك من تطور في كل السبل، إلى أن بدأ بعض المبتعثين العائدين من الدراسة في الخارج بنشر تلك التجارب، أو من خلال ما يتم عرضه لبعض الفنانين العرب المقيمين بالمملكة.

بداية التحرُّك والتحرُّر

الفترة السابقة والتي حددناها بالسبعينات كانت مرحلة (التقولب) أو التشكُّل الذي لا يخلو من التأثير والتطويع والمنهجية إن صحّ التعبير، مع أن هذا الأمر لم يكن مقصوداً أو مدروساً أو موضوعاً كهدف، بقدر ما جاء حسب الظروف ومستوى الوعي بمعنى الإبداع وأهمية حرية التعبير، وقد يكون لفئة معينة من المسئولين عن المعارض في تلك الفترة دوراً مباشراً في هذا الجانب عند تحكيم المسابقات التي كانت ولا زالت تؤثر وتتدخل في تشكيل خطوط سير الفنانين الجدد، مع ما تسببت فيه فترات طويلة في بداية مسيرة هذا الفن كما أشرنا وحددنا المسابقات التي كانت تمنح فيها الجوائز لأعمال معيّنة تتكئ وتهتم، وتقدم أعمالاً تراثية تنقل مواضيعها مباشرة من الواقع الثابت كالطبيعة الصامتة التي تجمع عناصرها من موروثات المصنوعات الشعبية (مثل الدلة والمبخرة). أو المتحرك من حياة المجتمع وعاداتهم وتقاليدهم وصولاً إلى فنون الجسد المتمثلة في أنواع وأنماط الرقاصات الشعبية للنساء والرجال التي أبرزتها لوحات عدّة، مع ما تبع ذلك من التركيز على أنماط البناء واستلهام الزخرفة الشعبية بشكل مكثف ومكرر.

هذا التوجُّه وتلك المرحلة أخذا حيزاً كبيراً من مسيرة الفنون التشكيلية السعودية، مع ما كان يبرز فيها من أعمال حديثة تبنّاها عدد من التشكيليين العائدين من دراستهم العليا في الخارج كما أشرنا، بتواضع جم واستحياء في كثير من الأوقات لا تجد اهتماماً أو التفاتاً من المحكمين أو المنضمين للمسابقات والمعارض، ومع ذلك أخذت التجارب الجديدة تشق طريقها بشكل أقوى نتيجة كثافة الأجيال الجديدة واتساع دائرة المعرفة والاطلاع من قبل فنانين رواد وآخرين شباب يحمل دماء جديدة وفكراً ومفهوماً معاصراً يتناسب مع ما يحدث في الحياة بشكل عام من تحرك نحو الانفتاح الثقافي والاقتصادي والسياسي إلى آخر المنظومة، وبدأت الأعمال الفنية الحديثة تبرز على السطح وتفرض نفسها وتجبر المحكمين على الانصياع لها والمطالبة بإعادة ترتيب أوراق التحكيم، مع أنه ليس هناك معايير تذكر لتحكيم الأعمال الفنية وإنما اعتماداً على خبرات وتجارب الفنانين وحضورهم على الساحة، وهذا جزء من القشة التي كادت أن تقصم ظهر البعير التشكيلي إذا اتضحت صور الميول، والميل أيضاً إلى تحكيم الأعمال التي تتناسب مع وجهات نظر المحكمين وأساليبهم، ورغم ذلك تم تجاوز هذه المعضلة بأن منحت للفنون والأعمال الحديثة الفرصة وأصبحت اليوم هي الأكثر حضوراً وشحذاً للهمم وللتجارب والبحث عن سبل المنافسة من خلال الفكرة الجديدة وابتكار سبل تنفيذها.

غرّدوا خارج السرب فأطربونا

هذا التحول السريع في الساحة التشكيلية الذي يمثله تقديم الأعمال الحديثة وما صاحبها ويصاحبها حتى الآن من دهشة المشاهد والمقتني الذي اعتاد على مشاهدة أعمال واقعية أو تسجيلية هي الأقرب للتسويق والانتشار ومشاهدته وغيره من الجمهور، لأعمال تحتاج لثقافة عالية وفهم لكيفية فك طلاسمها كما يعلّق الكثير، هذه المهمة يختص بها جهات أخرى كالتعليم والإعلام، فالفنانون ليسوا معنيين بتعليم وتثقيف المجتمع، بقدر ما يهمهم البحث عن كيفية تطويع قدراتهم لإنتاج أعمال استلهمت من الواقع، ومرت بمعالجات عدّة عبر العقل والوجدان ومخزون الخبرات المتراكم الممزوج بتجارب أخرى تمكنهم من الاقتراب نحو المنافسة، وأحياناً تجاوزها في حال فهم اللعبة وتكتيكاتها، وفي وجود ثقافة عالية من المتلقي وإبداع متكامل من الفنان فسيتحقق للمجتمع ذائقة عالية الدرجة، تواصلت تلك العطاءات الحديثة وامتدت إلى آفاق أرحب بما تمتلكه من إحساس بالمنافسة المدعمة بالثقة والجرأة، فاجتازوا حدود المحلية إلى الدخول في عقر دار من سبقونا، هؤلاء مع أن عددهم لا يتجاوز الاثنين حيث استطاع الفنانان عبد الناصر غارم واحمد ماطر ملء الدنيا بردود الفعل منها المقبول والمقنع، ومنها غير المستقر وغير مفهوم المعنى والهدف، ومنها الناتج عن إحساس بالمنافسة وعدم القدرة على فعل ما فعله هذان المبدعان، وقد نكون ممن يمسك العصا من منتصفها حينما نقول إننا مع ما قاما به من حضور عالمي لم يتحقق على مدى سنوات طويلة من أي جهة معنية بالفنون التشكيلية فأخذا على عاتقهما هذه المهمة وتحمّلا تبعاتها المادية ومتاعب السفر والاتصالات والتواصل، مع الجانب الآخر من الفكرة التي كما قيل عنها أنها مشتركة بينهما وبين مسئول عن متحف في بريطانيا، وبغض الطرف عن أي أحاديث لا يمكن الإمساك بمصدرها حول بعض القضايا المتعلقة بكيفية التنفيذ والإشكالات التي حدثت بين أفراد المجموعة التي وصل عددها إلى أكثر من عشرة فنانين من الجنسين، ففي كل تجربة جوانب إيجابية وأخرى سلبية ولا تخلو أي تجربة أو مشروع من إخفاقات، لكن الأمر يقف بنا عند النتائج النهائية التي يتفق معنا الجميع بأنها الحكم والشاهد على نجاح الفكرة التي تحققت للزميلين ومن معهم مما جعلنا نقول إنهم غردوا خارج سرب الساحة ومع ذلك أطربونا .

ومع أننا نبارك كل خطوة يقوم بها التشكيليين السعوديين بجهودهم الشخصية انطلاقاً من أن عليهم دور ولديهم الحرية المنضبطة بفهمهم لقيمهم وتقاليدهم أن يتحركوا ويتفاعلوا ويساهموا دون انتظار لدعم أو تشجيع أو موقف في حال افتقاد أي منها، فالفنانون أولى بإبداعهم والانتظار أو الاعتماد على الغير سيعيق حركتهم ويوقف مسيرتهم. لكننا أيضاً لا نخفي تخوفنا من الانفراط أو الانفلات أو التطرف نحو مفهوم الفنون الحديثة التي يسعى مخترعوها أو القائمون على وضع منهجها وأهدافها على تغيير الهوية أو الخصوصية التي لا زال الزميلان ومن معهما في المجموعة حريصين على إبقائها، وحريصين أيضاً على تجاوز المفهوم العام عن ثقافتنا وعدم قدرتنا التعامل مع مجريات التطور والمنافسة بلغتهم الفنية، ولكن بروحنا ومرجعيتنا لتي تنطلق من جذور أصيلة استلهم منها الكثير أعمالاً أدهشت العالم .

شعرة معاوية وجماح الانفتاح

أخيراً نقول ما يشاهد من اندفاع الكثير نحو الحداثة التي تعني التطور والبحث والابتكار، يمثلها نخبة من الفنانين السعوديين في فترات طويلة كما أشرنا، مع أنه لم يحالف الحظ البعض منهم للبروز والتسيد لحضوره المبكر، في وقت لم يكن هناك مساحة من القبول، مروراً بمن حققوا فرض هذا الاتجاه وتحقيق فرص التطوير والتجديد وصولاً إلى الأمثلة الحية والأقرب لنا والأكثر وصولاً نحو الآخر، وكان الزميلان احمد ماطر وعبد الناصر غارم من رموزها أو قد يكون روادها بهذا الحجم من كيفية طرح الفكرة واستحضار أبعادها الفلسفية مع ما تكاملت به من سبل التنفيذ، هذا الاندفاع يحتاج منا إلى أن نتعامل معه كما يطلق عليه بشعرة معاوية، وهو اللين عند الشدة، والعكس، أي الإرخاء بما يتلاءم ويخدم التعامل مع الإبداع حداثياً وعصرياً، والشد حينما نلاحظ أننا قد ننجرف أو نقع في ما لا يحمد عقباه من الانجراف تجاه محو الهوية البصرية المحلية عربياً ومحلياً، ولنا في بعض التجارب الأدبية خير مثال.

monif@hotmail.com
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة