Culture Magazine Thursday  30/12/2010 G Issue 327
فضاءات
الخميس 24 ,محرم 1432   العدد  327
 
(استكمالاً لما سبق):
عن الكتاب، والبديل،وأبي آدم، و.. غير ما سبق!
فيصل أكرم

فور نشر مقالتي السابقة، صباح الخميس الماضي هنا (في الجزيرة – الثقافية) تلقيت رسالة إلكترونية طويلة قليلاً وعاتبة نوعاً ما، من شخص رمز لنفسه بصفة جميلة ومنشودة دائماً لكل كاتب: (متابع)؛ ومحورها -بحسب رأيه- أنني كثيراً ما كتبتُ عن مفكرين من مصر، وذكّرني بملف سبق أن أعددته للثقافية عن الدكتور مصطفى محمود، قبل وفاته بعامين -يرحمه الله- ومقالات أخرى كثيرة عن رموز ثقافية (مصرية) ويقول: (والآن مقالك الأخير عن الشيخ عبد الصبور شاهين وكتابه المثير).. ثم يستغرب، بعد ذلك، أنه يرى كتبي -أو دواويني- تصدر في (بيروت) ولم أنشر في (القاهرة) كتاباً قط..؟!

الأخ الكريم صاحب الرسالة، بالطبع هو من (مصر) الشقيقة، وقد وجدتُ في سطوره عتباً ممزوجاً بالغيرة على مصر نفسها بأنها لم تعد كما كانت في السابق مركزاً للثقافة العربية والانتشار الثقافي - بحسب قوله؛ والواقع أن المسألة عندي ليست على هذا النحو (الجغرافيّ - الإقليميّ أو القُطريّ، ولا حتى التاريخيّ!)، فلذلك وجدتُ أن لا بد من التعقيب والإيضاح (العام) حتى لا يحدث لبسٌ (مبدئيٌّ) حول بعض ما أطرحه هنا..

سأبدأ من عنوان مقالتي السابقة (عن الكتاب الورقي والبديل المؤقت - أبي آدم كمثال) وبينت في المقالة كيف أن كتاب (أبي آدم) للدكتور عبد الصبور شاهين -رحمه الله- كان مثالاً عندي لقيمة الكتاب الورقي على رغم وجود البديل الإلكتروني، لأسباب كثيرة منها اكتمال وضبط المواد والرسومات والجداول والإحالات وغيرها؛ غير أن ثمة من الأسباب ما لم أذكره في مقالتي تلك لضيق المساحة ربما، ولعدم رغبتي في تشعّب الموضوع كذلك، فمن تلك الأسباب أن المقالة تتحدث عن شيء من المقاربة بين الكتاب بشكليه (الورقي) و(الإلكتروني) والثاني بالطبع وسيلته (الكمبيوتر) – أو الحاسوب – كما يسميه اللغويون، ولعلّ من الجدير ذكره أن كلمة (حاسوب) كتعريب لكلمة (كمبيوتر) هي من الكلمات التي وضعها أو اقترحها الدكتور عبد الصبور شاهين منذ بدايات دخول هذه التقنية إلى عالمنا العربيّ، وقد حظيت كلمته (المعرّبة: كمبيوتر = حاسوب) بموافقة ومباركة المجمع اللغوي في مصر، ومنه انطلقت إلى العالم العربي كله حتى أصبحت معممة كمصطلح متداول في كتاباتنا، وبهذا يكون اختياري لكتاب من كتب د. عبد الصبور في معرض حديثي عن إحدى تجاربي في القراءة عبر (الحاسوب) له ما يبرره كون المؤلف كان معنياً بهذا الأمر وترك أثراً بارزاً فيه.

أما عن الكتاب نفسه (أبي آدم) فثمة سبب جوهريّ أيضاً، وهو أنني أردتُ أن ألفت نظر من لم يسمع بذلك الكتاب -بسبب ندرته وخلو معظم المكتبات منه- فهو حريٌّ بالإشادة والبحث عنه وفيه، ولعله يصلح أن يكون من أكثر الكتب فائدة ودرساً راقياً في كيفية طرح الأفكار (المغايرة) استناداً على (الاجتهاد) المشروع؛ فالمؤلف كان يقول بفكرة يمكن إيجازها في كلمات معدودة (أنّ أبانا آدم وأمّنا حواء -عليهما السلام- لم يكونا بداية خلق الله للبشر، بل (اصطفاهما) الله تعالى، من بين مخلوقاته (البشرية) فجعلهما في صورة (إنسان) ونفخ فيهما من روحه)..

تلك باختصار فكرة الدكتور عبد الصبور شاهين التي أشغلته طويلاً، إلى جانب فكرة أو رأي آخر حول مكان (الجنة الأولى) من (الأرض) لا -السماء- كما يشاع في معظم التفاسير والتأويلات.. وعلى هاتين الفكرتين انكفأ الدكتور عبد الصبور عدداً من السنين في البحث، ابتداءً من (الأسطورة) المعروفة -والمنبثقة أساساً من (الإسرائيليات) المدونة في صيغ متعددة ومنتشرة؛ وانتهاءً باستخلاص المحصلات العلمية والفكرية.. ومن ثم عمد إلى طرحها في كتابه المتوسط حجماً (في حدود 200 صفحة) والضخم فكراً وبحثاً وتقصّياً حول (قصة الخليقة بين الأسطورة والحقيقة) وقد ساق من المبررات والتمهيدات وإرهاصات رأيه وغربلة وتفنيد آراء من سبقه ما يجعل (اجتهاده) في الوصول إلى ذلك التصوّر مقبولاً عند كبار أهل العلم، وإن اعترض بعضهم على البحث في ذلك أساساً ووقف ضده..

كلّ ذلك أراه مثالاً جديراً أن يحتذى به في (اجتهاداتنا الفكرية)، فهو على عكس ما نراه من أطروحات (وفتاوى) كثيرة ومتناثرة لكتّاب كثيرين ومتناثرين في هذه الأيام – وفي كلّ مكان، فلا مبررات ولا تمهيد ولا أيّ ذريعة من ذرائع (الاجتهاد) الذي يثري الفكر ويقوّي الإيمان بالمبادئ والثوابت..

وقد أشرتُ في مقالتي السابقة (الأسبوع الماضي) إلى عدد من الآراء الحديثة التي تتطابق مع رأي الدكتور عبد الصبور، غير أنها لم تكن جديرة بالاهتمام لافتقارها إلى مقوّمات (الاجتهاد) الفكريّ المشروع.. فمن أجل ذلك كله كان اهتمامي بذلك الكتاب ومؤلفه، ويصبح الاهتمام أعظم إذا أضفنا إليه واقعاً حتمياً: أن المؤلف (د. عبد الصبور شاهين) قد توفاه الله قبل ثلاثة أشهر فقط، ولم نر في الصحف ووسائل ا لإعلام المختلفة من ذكر محاسن إنجازاته وآثاره وإضافاته العميقة للمكتبة العربية ما يليق به كقامة فكرية ثقافية رفيعة في العالم العربي كله - وليس في مصر وحسب..!

من ذلك كله تتجلى الغايات من ذلك المقال، ولا أظنّ من بينها مسألة أنني (أقرأ الكتب المصرية، بينما أنشر كتبي في لبنان) كما يقول صاحب الرسالة العاتبة!

فحتى عن مسألة (نشر كتبي - أو دواويني الشعرية - في لبنان) فلي مبرري كذلك، وهو على افتراض أنني، كمؤلف سعودي، من الطبيعي أن أبحث عن الناشر الذي يأخذ كتابي إلى القرّاء في كل مكان، ذلك أمرٌ مشروعٌ ومطلوبٌ ومتعارف عليه، ولا خجل ولا عيب ولا عتب فيه.. غير أنني - للصراحة - لم أفعل ذلك لهذا السبب، إنما لسبب أبسط وأعمق كثيراً، وهو يتمثل ويتجلى في (الصداقة) التي تربطني بدايةً بالشاعر والناشر اللبناني (إلياس لحود) فنشرتُ في داره (دار كتابات) بعض دواويني، حين كانت لتلك الدار طموحات كبيرة تلاشت للأسف بسبب العجز الماديّ المقدّر على المبدعين؛ ثم كانت صداقتي ومحبتي للأستاذ القدير (جوزف بو عقل) مدير عام دار (الفارابي) التي – بحكم تواصلي معه – أصدرتُ وسأصدر عنها عدداً من كتبي ودواويني.. فقد اجتمعت في هذه الدار كل الإيجابيات التي أبحث عنها؛ أما عن دور النشر (المصرية) فلقد نويتُ مؤخراً أن أصدر شيئاً من كتبي عن إحداها، غير أنّ عدداً من المكتبات التي زرتها – في القاهرة والإسكندرية، خلال زيارتي الأخيرة لمصر - خرجتُ منها بانطباع مختلط بين الانغلاق الملحوظ للكتاب الصادر في مصر واقتصاره على المؤلف المصري، وبين الانفتاح الملحوظ أيضاً للكتب الصادرة في لبنان وتنوّع أقطار مؤلفيها وكذلك انتشارها في جلّ المكتبات العربية، بما فيها المصرية – رسمية وتجارية.. ولستُ أعرف بالضبط، إن كان ذلك يعني أن (بيروت) قد استقرّت (مركزاً للكتاب الثقافيّ العربيّ) دون منازع، أم أنّ ذلك ما خُيّل لي..؟!

وأخيراً أقول للأخ المتابع، صاحب الرسالة الإلكترونية (العاتبة) ولكل أخ يتابع ما أكتبه هنا: أسعد كثيراً بكل تعقيب أو تعليق أو حتى (عتب) يصلني، بأيّ شكل وعبر أيّ وسيلة، وما مقالتي هذه لرفع العتب أو تذويب الاختلاف أو (التعجّب)، إنما هي من أجل التبيان والإيضاح و.. لاستكمال ما سبق!

ffnff69@hotmail.com الرياض
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة