الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 20th October,2003 العدد : 33

الأثنين 24 ,شعبان 1424

أشكال القسوة والحُطام «1»
علي العمري

على مسافة حوالي المائة كيلومتر شمال مدينة أبها تقع قرية «آل وليد» ضواحي مدينة النماص، وتنقسم هذه القرية الى جزأين متناقضين، جزء قديم يتكتَّل على قمة الجبل وجزء حديث يتناثر في سهول أسفل الجبل كانت قطعاً زراعية قبل أن تُنتهك بالإسمنت والحديد. ولأسباب اقتصادية واجتماعية كثيرة هُجرت مساكن القرية الأصليةوهبط الأبناء والأحفاد الى السهول الزراعية متنافسين في تشييد المباني الحديثة تاركين المنازل في أعالي الجبل تتلاعب فيها الرياح.
وذات عصرية ماطرة وضبابية وفي طيس مفاجئ قادتني الخُطى لأصعد بصحبة أخي «محمد» الى ما كان يوماً روح القرية: بيوت مهدمة، جدران حجرية منهارة على بعضها، أسقف خشبية مُقوَّسة، سلالم حجرية بأشكال مختلفة منها العريض الذي كان بمثابة السلم الرئيسي المؤدي الى باحة الدار أو أدواره العليا ومنها الصغير الصعب البارز من جدار والذي بالكاد يكفي لقدم واحدة وكان يستعمل للصعود إما الى علية أو سطح، جذوع كانت أشجاراً ثم استخدمت دعامات للأسقف ثم صارت أشكالاً تدل على القسوة والحُطام، أبواب خشبية متينة وضيقة، نوافذ، عرائش، وفي القمة بالضبط يستقيم الحصن بلون كان أبيضاً ثم أصبح مائلاً الى الصُفرة.
ليس ثمة أي طراز معماري مميز فقط تضافر بين الأحجار والطين وأنواع من الشخب ربما كان أهمها خشب العرعر الذي كانت تسقف به المنازل ثم يغطى بطبقة من شجر العرفج ثم طبقة من الطين ثم طبقة خارجية من التراب، كما كانت تستخدم جذوع العرعر كدعامات داخلية للأسقف تبرز داخل تلك الحجرات كأعمدة ليست مستقيمة تماماً، أما الأبواب والنوافذ فكانت من خشب شجر الطلح «الشوك» ويبدو أن أكثر البيوت اكتمالاً كان المكون من حجرات سفلى تستخدم للماشية والأعلاف والبشر أيضا وتسمى سقائف «جمع سقيفة» وحجرات عُليا تستخدم للمبيت والجلوس واستقبال الزائر وتسمى «علاوى» جمعاً لعليَّة أو علو. لم تكن المساحات كبيرة فالمنازل متقاربة ودهاليزها ضيقة ووعرة حيث يبدو أن القرية قد بنيت في معظمها فوق صخور الجبل الضخمة وظلت الى جوار الحصن صفا سوداء تشرف على وادي كان يوماً يضجُّ بالزرع والطير والفزاعات والناس، على تلك الصفا كان يتشمَّسُ الطاعنون في السن والطاعنات وكان يسمر شباب القرية يتبادلون الأحلام والحكايا والذكريات لم تكن تلك الصفا مجرد صخرة لقد كانت محطَّ المهموم وذي الحاجة ومن ضاقت عليه النجاة. أما الحصن الذي تقشَّر طلاؤه وتلامعت أحجاره مثل عظام آدمية فعبارة عن مبنى طويل مربع الشكل يضيق كلما ازداد ارتفاعه، هذا المبنى بحسب أبي كان مستودعاً يخزن فيه أهل القرية محاصيلهم السنوية من الحبوب بطريقة منظمة تحفظ لكل أسرة مخزونها، هذا الحصن هو الوحيد الذي ما زال يقاوم بين الأنقاض.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
مسرح
ذاكرة
مداخلات
المحررون
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved