Culture Magazine Thursday  03/03/2011 G Issue 333
فضاءات
الخميس 28 ,ربيع الاول 1432   العدد  333
 
أبجدية السقوط
ميرفت عبدالرحمن السحلي

ثلاثون عامًا ونظام يخمش كرامتنا، لكنه دائمًا يبدد ذاكرة الفجر، ثلاثون عامًا والصوت في تذكرة الدواء يتشرنق بهامش موانع الاستعمال، لكنه دائمًا المغنون يرتشفون حليب المواويل في زمن الموائد، ثلاثون عامًا تصادق الوجوه وجوه، وتحتضر العواصم في شتاءات الصبح المبكر، وما جئنا إلا لنخرج من سنينِ الخَرس - الأغاني، وننزع الصدأ عن الصهيل.

يا مدينة باعت جماجمها لذة للشاربين

مدن الإعلام أخطر وسيلة للتحول؛ فعلى مدار ثلاثين سنة استطاع الإعلام المصري أن يحول الإنسان إلى مسخ - لا يتذوق، لا يعي، لا يبالي، لا يفرح، لا يأسف، لا يثق، لا يهتم، لا يغتم.

عندما يفسد القلب ؛ تتداعى بقية الأعضاء وقد فسد القلب بالنظام الحاكم.. وعملت مؤسساته مشرطها فينا، وللمؤسسة الإعلامية دورها القيادي الأخطر والأكثر توغلاً للعمق الإنساني لأبجدية السقوط.

لم تنعم مصر بحرية إعلامية بحياتها قط سواء مقروءة أو مرئية، وبرغم هذا كان المواطن إنسان طبيعي مكتمل تضاريسه النفسية تحاكي الحدث، إلى أن جاء الزمان بحكم (مبارك) يجثم بمؤسساته المسرطنة على صدور شعب هرم بأثقاله؛ فالبدء هو المؤسسة الإعلامية - لعاب حكومي مسموم يسيل على حواسنا - حفار يولج في الروح لننزف آهاتنا.. ثقوب لسكب النواح وأسموه (حرية الرأي) ومن تزوير وتعتيم إلى غيبوبة أدى بالنهاية إلى مزيدًا من الشهداء والقتلى..!

مدرسة الإعلام الابتدائية المشتركة:

كالضفدع.. نتفتق في الطين، ننعق، نطرب، نثمل، ننام، نفيق، نلعن أجسادنا الهامدة، نندم، واللعبة لم تنته بعد.

* ضياع معالم الخبر بالتزوير، تفريغ العقول بالتعتيم، تكثيف الغرائز بالإعلانات العارية والكليبات المخلة، قتل الذائقة بالفن الرديء، سرقة المشاعر بالمسابقات التافهة، الاستهتار وتهويم العمق ببرمجة تدريبية مكثقة على السخرية من الآخر (الكاميرا الخفية والمقالب).

الشعب المصري مقسم إلى فئات عديدة، أهمها من حيث الثقافات والبيئة الاجتماعية والمراحل العمرية: 1- طبقة المهمشين والفقراء - الذين لا يملكون من ثقافة الإعلام إلا القنوات الحكومية؛ فضُللت أفكارهم وتشوشت رؤاهم؛ فاستبعدوا من الصورة برغم أن بتاريخ الثورات في العالم يقوم بها هذه الفئة (ثورة الجياع)؛ فتم تحييدهم.

2- طبقة العشوائيات: وهي أخطر طبقة حيث ألا سكن، ألا تعليم، ألا قوت اليوم ؛ فكان انتشار معدلات الجريمة والتسول وأطفال الشوارع والهروب للمخدرات ومن بين هؤلاء يجيد النظام استخدامهم أو بعضهم للأعمال الغير مشروعة من تزوير انتخابات إلى جرائم قتل أبرياء كما حدث بقتل مسيحي كنيسة نجع حمادي وكنيسة القديسين ولمناهضة الثورة وإجهاضها (راكبي الجمال والبغال).

*.. تعضنا السنون، نطرب بصوتنا المجنون، نثمل، ننام.. نفيق.. نندم.. نلعن أصواتنا الرثّة.. نلعن رؤوسنا المُوَطَّأة.. وتظل تعضنا السنون.. ونظل نادمين، وننسى قليلاً..لنعود للعبة من جديد.

4- شباب الإنترنت: الفئة التي اضطلعت على مفاهيم الحياة بالثورة المعلوماتية بعيدًا عن تغييب الإعلام المصري.. أرواحهم حية بسماء ليست في متناول اليد ليُكسبون للمد تاريخ الانهدار؛ فكانوا جذوة شهاب أولى ساندها المثقفون والأكثر وعيًا وكل من هو ما زال قادرا على إيجاد الحلم منا، نرتعش في ألم، وننتفض في كبرياء، ونشق أثواب الخَرس.. ينطلق نهر الغناء فوق أسطح البيوت يوضّئها.. وندق أصوات الجرس.. ينغلق صوت الظلام.. تنفتح وجوه الشموس الدافئات. ولذلك ؛ فشعب من ثمانين مليون يتحرر بثمانية ملايين فقط.

الإسماعيلية

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة