Culture Magazine Thursday  03/03/2011 G Issue 333
فضاءات
الخميس 28 ,ربيع الاول 1432   العدد  333
 
المثقفون وشرارة الثورة
د. نجاة محمد سعيد الصائغ*

الثورة: مصطلح يحمل مفاهيم ومعاني مختلفة نتيجة استخدامه في اتجاهات متعددة لا تقتصر على مفهوم واحد. ومعنى ثورة في اللغة مشتقه من إثارة الأرض وتقليبها - أو تثوير المجتمع وتقليبه.

وتحمل الثورة تغييراً جذرياً وأساسياً أما في حقول المعرفة، أو قد تحدث تحولاً في البني الاجتماعية والسياسية، وغالباً ما يرتبط مفهوم الثورة بالعنف والانقلابات ضد الحكومات في الدول.

ارتبطت الثورة في الذهنية العربية في الطمع للوصول إلى مقعد الحاكم هذا على مستوى تاريخ الأمة العربية منذ الثورة على سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه، وثورة الخوارج على سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، مروراً بالدولة العباسية والدولة الأموية وحتى وقتنا الحالي.

ورغم كل التطورات التي مرت بها الدول العربية شعوباً وحكام نتيجة الانفتاح المعرفي والذي تسارع في السنوات الأخيرة في ظل العولمة والشراكات الفكرية والاقتصادية والثقافية، لا زالت هناك فجوة قائمة بين ذهنية الحاكم وأفراد الشعب تتمثل في:

- عدم إدراك الحكام لوعي الجماهير الثقافي والاجتماعي وقدرتها على النضال من أجل حقوقها.

- أحد مشاكل رفض الحاكم في الدول العربية تصنيم بعض الشخوص ممن هم في محيط الحاكم مسئولين وغير مسئولين.

- التمايز في التعامل بين أبناء الشعب نتيجة الفوارق الطبقية والتي تتمثل في: (مستوى وظيفة الفرد - المستوى الاقتصادي للفرد - علاقة الفرد بالنظام - التمييز العنصري ضد التاريخ الأسري).

- استخدام النظام الحاكم أسلوب التغييب مع الشعوب على اعتبار أنها ليست على مستوى عال من الفهم وتحمل المسئولية تجاه الحدث رغم (حدوث بعض المواقف والأزمات التي تؤكد مستوى مسئولية الأفراد تجاه مناطقهم ودولهم).

لم ترتبط الثورة في الذهنية العربية بالإصلاح المجتمعي أو العلمي أو الاقتصادي. غير أن ما حدث في عصر النهضة الإسلامية أثناء الخلافة العباسية هو صورة من صور استقرار الدولة والذي انعكس على المجتمع في تلك المرحلة فظهر نبوغ العلماء والأدباء وتم الاهتمام بحركة التعليم والتوثيق والتدوين وكما جاء في الأدبيات التي تناولت عصر النهضة الإسلامية فقد قسم المؤرخون النهضة في الخلافة العباسية إلى ثلاث حركات كانت على النحو التالي:

- حركة التصنيف - تنظيم العلوم الإسلامية - الترجمة من اللغات الأجنبية

هذه النهضة التي شهدنها الخلافة العباسية لا يمكن أن نسميها بالثورة لأنها جاءت توجهاً للحكام في تلك المرحلة لذا أطلق عليها عصر نهضة أسسه ودعمه خلفاء تلك المرحلة وولاة أمر العرب فيها.

بينما تقوم الثورة بناء على حاجات الشعوب وهي أما ثورة سلمية أو ثورة تطويرية أو ثورة رفض واحتجاج بسبب التمييز، أو ثورة بسبب الشعور بالظلم، أو ثورة المطالبة بالحقوق، أو ثورة ضد المستعمر. وهذه الثورات التي نقلها لنا التاريخ عن العرب وغيرهم.

ومن الثورات التطويرية الثورة الزراعية في بريطانيا في منتصف القرن الثامن عشر والتي ساهمت في تحسن المستوى المعيشي في الأرياف والتي ظهرت على ضوئها الثورة الصناعية نتيجة توفر المواد الخام والأولية، أدت إلى إصلاحات اجتماعية وتنموية، واستقرار أوضاع سياسية، وتوفير المواد الأولية تشغيل الأيدي العاملة. وقد امتدت الثورة إلى باقي دول غرب أوربا ثم بلجيكا وفرنسا بين 1815- 1848م، وانتقلت إلى ألمانيا وفي النصف الثاني من القرن (19) انتقلت إلى إيطاليا وأوربا الوسطى وروسيا واليابان، وفي القرن العشرين انتقلت إلى باقي دول العالم.

وقد استفادت بعض الدول من هذه الثورة الراقية، وحققت نظمها الحاكمة من خلالها لشعوبها الاستقرار وكفاف العيش، ونجحت بأن ترتقي بشعوبها وتحقق طموحهم وآمالهم.

ونتيجة لنضج الشعوب العربية رغم عدم قناعة حكامهم بهذا النضج العلمي والثقافي والمعرفي بدأت الشعوب العربية بإنعاش روح الثورة حيث توصلوا إلى أنها السبيل الأوحد لتحقيق رغباتهم في الإصلاح ومحاربة فساد الحكومات.

وما يثير في الثورة التي قام بها الشعب التونسي والشعب المصري تجد أن المطالب التي نتجت عنها هذه الثورات واحدة وهي تكاد تكون نفسها في معظم الدول العربية فمن يقرأ الشارع التونسي ويقرأ إنتاج مثقفيه الفكري يجد أن المثقفين نقلوا للنظام جميع معاناة الشعب كذلك الشعب المصري فقد تناولت الصحف اليومية والكتب والمنتج الإعلامي جميع مشاكل الشعب ورغم ذلك يصم النظام الحاكم أذانه وينظر للشعب على أنه غير واعٍ في حين أن الشعب يرصد كل صغيرة وكبيرة للنظام ومن يحيط به، لا يحسب دائماً الحكام العرب قيمة للشعوب بل يعتبرون أنفسهم لو لم يكونوا حكاماً لما وجدت الشعوب وهذا الخطأ الفادح الذي لا يدركه الحاكم العربي والذي يتسبب في رفع مستوى كراهية أفراد الشعب للنظام الحاكم وأتباعه ومن حوله.

أريد أن أقول إن الثورة لا تقوم عشوائية وبين يوم وليلة ولكنها تقوم بعد أن يستنفذ الشعب كل ما لديه لإيصال صوته وحاجته للنظام الحاكم وعادة ما يتم ذلك عن طريق:

- استخدام وسائل الإعلام في نقل تردي الحالة الاقتصادية وصور الفقر الذي يغطي غالبية أبناء المجتمع ورفضهم له لأنهم يدركون أن دولهم غنية وبإمكانها رفع مستوياتهم المعيشية عن خط الفقر ومع ذلك يصم النظام الحاكم أذنيه على اعتبار أن فقر الفرد سبب لحاجته وولائه، وهذا يرفع غضب الشريحة الاجتماعية الأكبر.

- تناول الكتاب والمثقفين بصورة دائمة رفض الشعب للتصريحات والوعود الكاذبة من النظام والتي يحاول بها امتصاص غضب المجتمع في حال قيام الأزمة ثم يتناسها.

- يظهر المجتمع مستوى وعيه بالأوضاع ويناقشها عن طريق استخدام الشبكة العنكبوتية بجميع خدماتها في تفريغ شحنات الغضب، وطرح الحلول والبدائل لتجاوز الأزمات كارتفاع مستوى البطالة بينهم الذي يتسبب في الانفلات الأخلاقي لجيل الشباب وهو ما يرفضه المجتمع، قصور أداء بعض الأجهزة في الدولة مما يترتب عليه ارتفاع مستوى الجريمة، وعدم الحفاظ على حقوق الشعب، الفساد الإداري المستشري في بعض الأجهزة، عدم رضا الشباب عن ظروفهم المعيشية، ورغم علم النظام الحاكم بما يتناوله الشباب وأفراد المجتمع وهو بمثابة تجييش بين بعضهم لتذكير النظام الحاكم بمشاكلهم إلا أن أغلب الحكام العرب لا يأخذون ذلك بعين الاعتبار.

- إقصاء المثقفين عن المشاركة في اتخاذ القرارات الصائبة رغم الحلول المعلنة التي يطرحونها عبر وسائل الإعلام، بل إن بعض المثقفين قد يتعرضون للسجن نتيجة عرضهم لآرائهم الإصلاحية، مما يتسبب في شحن غضب المجتمع على النظام الحاكم.

إن ما حدث في تونس ومصر خلال ثورة الشعب يعطي مؤشرا عاليا وراقيا لمستوى وعي الشعوب العربية لقد ارتقى تفكير الشعب العربي تجاه مفهوم الثورة فها هو الشعب ينتفض رافضاً للسياسات والقصور تجاه الشعب، إنه يطالب بالتغيير ولا يطالب بسلطة لقد أثبتوا أنهم أحرار وارتفع مستوى تفكيرهم وتجاوز تفكير حكامهم لقد ثاروا ليقولوا للعالم أن مطالبنا تنحصر في احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، والتزام النظام الحاكم في تنفيذ التزاماته تجاه الأرض والشعب ومن لا يجيد التعامل مع هذه المطالب فسوف يتم اختيار غيره.

مع هذه الثورات استطيع أن أقول إن ذهنية الشعب العربي وتركيبتها التقليدية التي تنظر للولاء للقبيلة بالدرجة الأولى سوف تتغير، ومع ظهور وتسارع التقدم التكنولوجي سيرفع من سقف الوعي المجتمعي لمصلحة الولاء للأرض والمؤسسات التي تمثل الدولة التي تضم كافة أطياف الشعب. فهل سنشهد معادلة جديدة في الدول العربية تحقق طموح المواطن؟

* كاتبة سعودية مكة المكرمة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة