Culture Magazine Thursday  06/01/2011 G Issue 328
الملف
الخميس 02 ,صفر 1432   العدد  328
 
جمعة الماجد عطاء في خدمة الثقافة
د.سعيد عبدالله حارب

في تاريخ كل أمة تبرز شخصيات مؤثرة، تترك بصماتها على صفحات الحياة، وننقش بالأمل خيوط العمل، وتشيع النور في زوايا المجتمع، بما تقدمه من جهد وبذل وعطاء، والتاريخ العربي الإسلامي يحمل بين طياته أسماء كثيرة كان لها الأثر البارز في تقدم مجتمعاتها ونهضتها، ومن يبحث في مجتمع الخليج العربي يجد كثيرًا من الأسماء والشخصيات التي ما زالت حاضرة في مختلف جوانب الحياة في دول المنطقة، سواء كان ذلك في ميدان الأدب أم السياسة أم الاقتصاد أم الثقافة، بل في كل ميدان، حيث لا تغيب كثير من أسماء الرجال والنساء الذين أعطوا لأوطانهم ومجتمعاتهم الكثير من الجهد والعمل، وتبرز في كل دولة خليجية وعربية شخصيات أثرت على مجرى الحياة في هذه الدول، ففي دولة الإمارات العربية المتحدة برزت أسماء كثيرة متميزة في خدمة وطنها، ومن بين هذه الأسماء يبرز اسم السيد جمعة الماجد، كأحد الأسماء التي رسخت دورها الوطني والثقافي من خلال الأعمال التي قام بها، فالسيد جمعة الماجد الذي ينتسب إلى إحدى الأسر العريقة في دولة الإمارات العربية المتحدة ولد سنة 1359هـ -1930م في منطقة الشندغة بدبي، حيث عاش في كنف والده الذي أسس فيه حب العمل من خلال تدريبه وتهيئته، فقد كان والده يصطحبه معه منذ صغره إلى رحلات الغوص في فصل الصيف، على الرغم من أنها كانت رحلات شاقة، لكنه تعلم منها الصبر والمثابرة على العمل، وقد حرص والده على تعليمه القراءة والكتابة وشيئاً من علوم الدين والقرآن الكريم واللغة العربية، وقد رسخ ذلك في نفسه حب المعرفة كما دفعه نقص الكتب - في ذلك الوقت - إلى الحرص على اقتنائها بعد ذلك.

وقد مارس السيد جمعة الماجد التجارة منذ فترة مبكرة من حياته حتى أصبح من أبرز التجار في دولة الإمارات العربية المتحدة ومنطقة الخليج العربي، لكن عمله بالتجارة لم يشغله عن حب المعرفة والعلم، ففي مطلع الخمسينات قام مع عدد من زملائه بتأسيس لجنة لجمع التبرعات لبناء المدارس في موطنه بدبي، وأثمرت جهودهم بتأسيس مدرستين ثانويتين، واحدة للذكور في منطقة بر دبي، وأخرى للبنات في منطقة ديرة، كما سعى إلى تأسيس مكتبة سميت المكتبة الوطنية بدبي، وقد بقي السيد جمعة الماجد متعلقاً بالتعليم والثقافة على الرغم من انشغاله بأعماله التجارية، لكنه لم يغفل العمل الثقافي، ففي عام 1983 أنشأ عدداً من المدارس لمساعدة غير القادرين على إلحاق أبنائهم بسبب ظروفهم المادية، فأنشأ شبكة من المدارس سميت المدارس الأهلية الخيرية، وقد بلغ عدد طلاب هذه المدارس 9000 طالب وطالبة، وعلى الرغم من أن هذه المدارس «خيرية» إلا أنها تعتبر من المدار المتميزة مما دفع كثيراً من الناس لإلحاق أبنائهم بها نظراً لارتفاع مستواها العلمي. ولم يتوقف «شغف» السيد جمعة الماجد بالعلم والثقافة عند حدود إنشاء المدارس فقط، بل امتد إلى إنشاء كلية جامعية فأنشأ عام 1987 كلية الدراسات الإسلامية والعربية بدبي، حيث تقدم الدراسات الجامعية المجانية بمختلف مراحلها وتمنح ثلاث درجات من الشهادات، هي البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، ويدرس بها 3700 طالب وطالبة، وقد خرجت الكلية منذ نشأتها 4119 طالب وطالبة.

وقد امتدت جهود السيد جمعة الماجد لخدمة الثقافة والعلم في مجتمعه والمجتمعات العربية والإسلامية بإنشاء مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، وذلك عام 1991م حيث يعتبر من أهم المراكز العربية التي تعنى بالثقافة والتراث وتضم خزانته آلاف المخطوطات التي قام السيد جمعة الماجد بجمعها والاهتمام بها وتقديمها للباحثين والدارسين، كما يضم المركز آلاف الكتب والمراجع في مختلف المعارف والفنون، ولعل مما يتميز به المركز هو حصوله على عدد من مكتبات المشاهير من العلماء والمفكرين والباحثين العرب، وقد أقام المركز شبكة من العلاقات الثقافية في مختلف دول العالم، كما كان لجهود السيد جمعة الماجد أثر كبير في حفظ المخطوطات من خلال تطوير جهاز فني لمعالجة المخطوطات وترميمها وحفظها، وقد أهدى عدداً من هذه الأجهزة لمراكز ومؤسسات علمية تعنى بالمخطوطات إسهاماً منه بحفظ التراث العربي والإسلامي والإنساني، كما قام الفريق الفني بالمركز بزيارة عدد من مراكز المخطوطات وعملوا على ترميمها وحفظها، والسيد جمعة الماجد «مغرم» بالعمل الثقافي، فلا يكتفي بتكليف العاملين بالمركز في القيام بزيارة المراكز المتخصصة، بل كثيراً ما يقوم بنفسه بزيارة هذه المراكز والاطلاع على أنشطتها وتوقيع اتفاقيات وبرامج التعاون معها، ويحرص في مركزه على اصطحاب ضيوفه وزواره بنفسه ليعرفهم على محتوياته وأقسامه، وقد أصبح مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث من أبرز المعالم الثقافية في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث يؤمه زوار الدولة من الوفود الرسمية، وكذا المثقفون والباحثون وطلاب العلم.

وإذا كان العمل الثقافي قد أخذ حيزاً كبيراً من حياة السيد جمعة الماجد، إلا أن ذلك لم ينسه العمل الخيري، ففي عام 1990 قام بتأسيس جمعية بيت الخير مع عدد من المحسنين لتقديم المساعدات المالية والعينية للمحتاجين، ومساعدة الطلاب الراغبين في استكمال تعليمهم، وتقديم المساعدات - كذلك - وقت الكوارث والأزمات، ولم يتوقف جهد السيد جمعة الماجد على تقديم العمل الخيري داخل دولة الإمارات العربية المتحدة بل امتد إلى خارجها، فقام بالتعاون مع عدد من المحسنين بإنشاء المدارس في عدد من الدول العربية والإسلامية.

والسيد جمعة الماجد رجل أعمال من الطراز الأول، فقد عركته الحياة في مختلف جوانبها، مما أهله لتولي عدد من المسئوليات في دولة الإمارات العربية المتحدة كان من بينها، نائب رئيس مجلس إدارة البنك المركزي في الإمارات، ورئيس مجلس الشئون الاقتصادية، وعضو المجلس الأعلى لجامعة الإمارات العربية المتحدة، وغيرها من المناصب، كما أنه عضو مجلس أمناء مؤسسة الفكر العربي بلبنان، وعضو اللجنة الاستشارية لمركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة هارفرد بأمريكا، وغيرها من المشاركات.

ويتميز السيد جمعة الماجد، على المستوى الشخصي بتواضعه الجم وحديثه الشائق، ويتسم - كذلك - بعلاقاته الاجتماعية الواسعة داخل الإمارات وخارجها، كما أنه يأسر سامعيه بلطف حديث ودقة عباراته، على الرغم من أنه مقل في التفاصيل، إذ ينحو إلى الجانب العملي أكثر من التحدث، ولعل تجارب الحياة وعمله في ميدان التجارة أسهم في تكوين شخصيته، فهو مطلع جيد، وقد ساعده في ذلك إجادته لعدد من اللغات التي فتحت آفاقه المعرفية.

لذا فقد حظي السيد جمعة الماجد باحترام وتقدير المسئولين والشعوب في الدول العربية والإسلامية لما قام به من دور إنساني كبير، وقد تم تكريمه بعدد من الجوائز والشهادات من بينها، جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام، وجائزة شخصية العام الثقافية من جائزة العويس بدولة الإمارات العربية المتحدة، وشهادة فخرية من جامعة سانت بطرسبورغ تكريماً لدوره في الحفاظ على التراث، وجائزة رجل أعمال العام من جائزة دبي للجودة، وشهادة تقدير من جمعية المؤرخين المغاربة تقديراً لجهده في خدمة الثقافة، وجائزة الشخصية الدولية لخدمة الثقافة والتراث في مصر، والشخصية الثقافية في مهرجان القرين بدولة الكويت، كما حصل على «نوط القدس من الدرجة الأولى» تقديراً لجهوده في خدمة القضية الفلسطينية، وغيرها من الشهادات والجوائز.

إن سيرة السيد جمعة الماجد حافلة بالعطاء والبذل وخدمة المجتمعات العربية والإسلامية، كما أنها سيرة مميزة في خدمة الثقافة والعلم.

* نائب مدير جامعة الإمارات – سابقاً

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة